<![CDATA[
نشأة الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق
تعود جذور الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق إلى العصور المسيحية الأولى، وتحديدًا إلى فترة انتشار المسيحية في بلاد ما بين النهرين. تعتبر هذه الكنيسة نفسها وريثة تقليد كنسي يعود إلى الرسل، وخصوصًا الرسول توما، الذي يُعتقد أنه بشر بالإنجيل في الشرق. ازدهرت الكنيسة في منطقة واسعة شملت العراق، إيران، سوريا، وتركيا، وامتد نفوذها إلى الهند والصين. كانت الكنيسة الآشورية الشرقية من أوائل الكنائس التي وضعت لاهوتها الخاص بها، وتفردت ببعض العقائد والطقوس التي تميزها عن الكنائس الأخرى.
في القرون الأولى، عانت الكنيسة الآشورية من الاضطهاد، لكنها استطاعت أن تتكيف وتزدهر. في العصور الوسطى، وصلت الكنيسة إلى ذروة قوتها ونفوذها، وأنشأت شبكة واسعة من الأبرشيات والأديرة. لعبت الأديرة دورًا هامًا في الحفاظ على المعرفة والثقافة، وترجمة العلوم والفلسفة اليونانية إلى اللغة السريانية، وهي اللغة الليتورجية للكنيسة.
العقائد واللاهوت
تتميز الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق بعقائدها اللاهوتية الخاصة بها. تؤمن الكنيسة بطبيعة يسوع المسيح الإلهية والإنسانية، لكنها تشدد على وحدة طبيعة المسيح الإلهية. وهذا الموقف اللاهوتي، المعروف باسم “النسطورية” (على الرغم من أن الكنيسة ترفض هذا المصطلح)، أدى إلى خلافات مع الكنائس الأخرى في العصور القديمة. يعتبر اللاهوت الآشوري أن طبيعتي المسيح متحدتان في شخص واحد، وليستا مختلطتين أو منفصلتين.
من العقائد الأساسية في الكنيسة الآشورية الإيمان بالثالوث الأقدس (الله الآب والابن والروح القدس)، وبأهمية الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد). تعتمد الكنيسة على التقليد الرسولي، وتشمل هذا التقليد الكتابات الآبائية والقرارات الكنسية. تؤمن الكنيسة بالخلاص من خلال الإيمان بيسوع المسيح، وبأهمية الأسرار المقدسة، وخصوصًا سر المعمودية وسر القربان المقدس.
الطقوس والعبادة
تتميز الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق بليتورجيتها وطقوسها الخاصة. تقيم الكنيسة القداس الإلهي، وهو أهم طقس في العبادة المسيحية. تعتمد الكنيسة على الطقس السرياني الشرقي، الذي يتميز بجمالياته الروحية واللغوية. يتميز القداس الآشوري بتلاوة النصوص المقدسة، والتراتيل، والصلوات، واستخدام البخور، والشموع. يشارك المؤمنون في القداس من خلال الصلاة، والترتيل، وتلقي القربان المقدس.
تولي الكنيسة الآشورية أهمية كبيرة للصوم والصلاة. هناك فترات صوم محددة خلال السنة الليتورجية، مثل الصوم الكبير. يمارس المؤمنون الصوم كوسيلة للتوبة والتقرب إلى الله. كما تشجع الكنيسة على الصلاة الشخصية والجماعية. تقام الصلوات في الكنائس والأديرة، وكذلك في البيوت.
التاريخ والانقسامات
شهدت الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق عدة انقسامات عبر التاريخ. في القرن الخامس، حدث انقسام كبير بسبب الخلافات اللاهوتية حول طبيعة المسيح. انفصلت الكنيسة الآشورية عن الكنائس الأخرى التي تبنت موقفًا مختلفًا بشأن طبيعة المسيح. استمر هذا الانقسام لقرون، وأثر على العلاقات بين الكنائس المسيحية.
في العصور الحديثة، شهدت الكنيسة الآشورية انقسامات أخرى بسبب الخلافات حول القيادة، والتغيرات الاجتماعية والسياسية. أدت هذه الانقسامات إلى ظهور عدة طوائف كنسية تتقاسم التراث الآشوري، مثل الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، والكنيسة الآشورية في الشرق (التي يشار إليها غالبًا بالكنيسة الآشورية الرسولية). على الرغم من هذه الانقسامات، لا تزال هذه الكنائس تشترك في العديد من القواسم المشتركة، وتحافظ على تراثها الروحي والثقافي.
التحديات المعاصرة
تواجه الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق تحديات كبيرة في العصر الحديث. يعاني المسيحيون في الشرق الأوسط من الاضطهاد والتهجير بسبب الصراعات والتوترات السياسية. فقد الكثير من الآشوريين منازلهم ومجتمعاتهم، وأجبروا على الهجرة إلى بلدان أخرى. يؤثر هذا الوضع على بقاء الكنيسة وثقافتها.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الكنيسة تحديات داخلية. تحتاج الكنيسة إلى الحفاظ على هويتها الثقافية والروحية في ظل العولمة والتغيرات الاجتماعية. يجب على الكنيسة أن تتكيف مع التحديات المعاصرة، وأن تجد طرقًا جديدة للتواصل مع الشباب، ونقل الإيمان إلى الأجيال القادمة.
تسعى الكنيسة الآشورية إلى تعزيز الحوار والتعاون مع الكنائس الأخرى والمجتمعات الأخرى. تهدف الكنيسة إلى المساهمة في بناء السلام والعدالة في الشرق الأوسط، والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية. تعمل الكنيسة على الحفاظ على التراث الآشوري، والترويج للثقافة واللغة الآشورية.
الكنيسة الآشورية الرسولية في العالم
انتشرت الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق في جميع أنحاء العالم، مع انتشار الشتات الآشوري. توجد أبرشيات وكنائس آشورية في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا. تلعب هذه الكنائس دورًا هامًا في الحفاظ على الهوية الآشورية والثقافة، وتقديم الدعم الروحي والاجتماعي للمؤمنين. تسعى هذه الكنائس إلى تعزيز التواصل بين الآشوريين في جميع أنحاء العالم.
دور المرأة في الكنيسة الآشورية
تلعب المرأة دورًا هامًا في الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق. تعمل النساء كراهبات، ومدرسات، ومتطوعات في الكنيسة. تساهم النساء في الأنشطة الليتورجية والاجتماعية للكنيسة. هناك وعي متزايد بأهمية تمكين المرأة في الكنيسة، وتوفير الفرص لها للمشاركة في القيادة والخدمة.
العلاقات المسكونية
تسعى الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق إلى تعزيز العلاقات المسكونية مع الكنائس الأخرى. تشارك الكنيسة في الحوار والتعاون مع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، والكنائس الكاثوليكية، والكنائس البروتستانتية. تهدف الكنيسة إلى بناء جسور من التفاهم والاحترام المتبادل، والعمل معًا من أجل الوحدة المسيحية. تشارك الكنيسة في العديد من المنظمات المسكونية، وتدعم الجهود المبذولة من أجل السلام والعدالة في العالم.
الآشورية واللغة السريانية
تعتبر اللغة السريانية جزءًا أساسيًا من التراث الآشوري. اللغة السريانية هي اللغة الليتورجية للكنيسة الآشورية، وتستخدم في القداس والصلوات والتراتيل. تعمل الكنيسة على الحفاظ على اللغة السريانية، وتعليمها للأجيال الشابة. يتم تدريس اللغة السريانية في المدارس والكنائس، ويتم استخدامها في وسائل الإعلام والإنتاج الثقافي. تشكل اللغة السريانية جزءًا لا يتجزأ من الهوية الآشورية.
الآشورية والثقافة
تلعب الكنيسة الآشورية دورًا هامًا في الحفاظ على الثقافة الآشورية. تدعم الكنيسة الفنون والحرف التقليدية، مثل الموسيقى، والرقص، والرسم، والنحت. تنظم الكنيسة المهرجانات والفعاليات الثقافية، التي تهدف إلى الاحتفال بالتراث الآشوري. تعمل الكنيسة على نشر الوعي بالتاريخ والثقافة الآشورية، والمساهمة في الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
الآشورية والتعليم
تهتم الكنيسة الآشورية بالتعليم. تدعم الكنيسة المدارس والجامعات، وتوفر الفرص التعليمية للشباب. تشجع الكنيسة على دراسة اللغة السريانية والتاريخ والثقافة الآشورية. تعمل الكنيسة على تطوير المناهج التعليمية التي تعكس القيم المسيحية والتراث الآشوري. تؤمن الكنيسة بأهمية التعليم في تمكين الشباب، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الآشوري.
الكنيسة الآشورية اليوم
لا تزال الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق تلعب دورًا حيويًا في حياة الآشوريين في جميع أنحاء العالم. تواصل الكنيسة تقديم الدعم الروحي والاجتماعي للمؤمنين، والمساهمة في الحفاظ على الهوية الآشورية. تواجه الكنيسة تحديات كبيرة، لكنها تظل ملتزمة برسالتها في نشر الإنجيل، وخدمة المجتمع، والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية. تستمر الكنيسة في التكيف مع التغيرات في العالم، والسعي نحو مستقبل أفضل.
خاتمة
الكنيسة الآشورية الرسولية في الشرق هي كنيسة مسيحية عريقة ذات تاريخ غني وتراث ثقافي فريد. حافظت الكنيسة على هويتها الروحية والثقافية على مر القرون، وواجهت تحديات كبيرة. اليوم، تواجه الكنيسة تحديات جديدة، لكنها تظل ملتزمة برسالتها في نشر الإنجيل، وخدمة المجتمع، والحفاظ على التراث الآشوري. من خلال فهم تاريخها، ومعتقداتها، وطقوسها، يمكننا تقدير أهمية هذه الكنيسة، ودورها في العالم.