نشأة جماعة الفرع الداودي
تأسست جماعة الفرع الداودي في عام 1935 على يد بنجامين رودريغيز، وهي فرع من الكنيسة السبتية الأدفنتستية. كان رودريغيز يعتقد أن الكنيسة الأدفنتستية قد انحرفت عن التعاليم الأصلية للكتاب المقدس، وأسس جماعته لتصحيح هذا الانحراف. بعد وفاة رودريغيز، تولى فلورنس هورست قيادة الجماعة، ثم خلفه في عام 1955 فيكتور هوتوف، الذي نقل الجماعة إلى جبل الكرمل بالقرب من واكو، تكساس.
في عام 1959، تولى ديفيد كوريش، واسمه الأصلي فيرنون هاول، قيادة الجماعة. اعتنق كوريش أفكارًا جديدة، وركز على أهمية نهاية العالم، وعودة المسيح، والتحضير لهذه الأحداث. جمع كوريش أتباعًا جددًا، ووسع نطاق الجماعة، وأعاد تسميتها بجماعة الفرع الداودي.
بناء مركز جبل الكرمل
في أوائل الثمانينيات، بدأ كوريش في شراء قطعة أرض بالقرب من أكسيل، تكساس، وبناء مركز جبل الكرمل الجديد. كان المركز يضم العديد من المباني، بما في ذلك مساكن للأتباع، وكنيسة، ومطبخ مركزي، ومستودعات لتخزين الأسلحة والذخائر. أصبح المركز بمثابة مجتمع مغلق، حيث يعيش الأتباع معًا، ويشاركون في الأنشطة الدينية والتدريب على استخدام الأسلحة. كان كوريش يمارس سلطة مطلقة على أعضاء الجماعة، ويفرض عليهم طاعة عمياء.
تراكم التوتر والمواجهة
بدأت السلطات في الاهتمام بجماعة الفرع الداودي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، بسبب تقارير عن تخزين الأسلحة، وسوء معاملة الأطفال، وممارسات جنسية مشبوهة داخل الجماعة. بدأت الحكومة الفيدرالية في التحقيق في أنشطة الجماعة، بما في ذلك مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات (ATF)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).
في 28 فبراير 1993، داهمت قوات ATF مركز جبل الكرمل في محاولة لتنفيذ أمر تفتيش والقبض على كوريش وبعض أتباعه بتهم تتعلق بالأسلحة النارية. اندلعت مواجهة مسلحة بين قوات ATF وأعضاء الجماعة، واستمرت لساعات. أسفرت المداهمة عن مقتل أربعة عملاء من ATF وستة من أتباع الفرع الداودي. بدأ بعد ذلك حصار طويل الأمد للمركز، استمر لمدة 51 يومًا.
الحصار والنتائج المأساوية
خلال فترة الحصار، حاولت السلطات التفاوض مع كوريش وأتباعه، لكن هذه المحاولات لم تنجح. تم قطع التيار الكهربائي والاتصالات عن المركز، واستخدمت السلطات مكبرات الصوت لإسماع رسائل لكوريش وأتباعه. في 19 أبريل 1993، شنت السلطات هجومًا على المركز، واستخدمت الغاز المسيل للدموع لإجبار السكان على الخروج. اندلع حريق في المبنى، وانتشر بسرعة، مما أدى إلى مقتل كوريش، وعدد كبير من أتباعه، بما في ذلك العديد من الأطفال.
لقد أسفر الحريق عن مقتل 76 شخصًا، بينهم 25 طفلاً. كانت هذه المأساة صدمة كبيرة للرأي العام الأمريكي، وأثارت جدلاً واسعًا حول سلوك الحكومة، وحرية الدين، وحق حمل السلاح. اتهم البعض السلطات باستخدام القوة المفرطة، بينما دافع آخرون عن تصرفاتهم، مشيرين إلى أن كوريش وأتباعه كانوا يشكلون خطرًا على المجتمع.
تداعيات ما بعد المأساة
بعد الحريق، بدأت تحقيقات متعددة لتحديد أسباب الحريق والمسؤولية عن المأساة. خلصت التحقيقات إلى أن الحريق بدأ في عدة نقاط في المبنى، وأن كوريش وأتباعه هم الذين أشعلوا النار. ومع ذلك، لا تزال هناك نظريات مختلفة حول ما حدث، بما في ذلك اتهامات للحكومة بالتورط في إشعال الحريق.
أدت مأساة جبل الكرمل إلى تغييرات في سياسات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة. تم تشديد الإجراءات المتعلقة بالتعامل مع الجماعات الدينية، وتم إجراء مراجعات لعمليات إنفاذ القانون، والتكتيكات المستخدمة في المواقف المشابهة. كما ساهمت المأساة في زيادة الوعي العام بقضايا حرية الدين، وحق حمل السلاح، ودور الحكومة في التعامل مع الجماعات الدينية.
أصبح موقع مركز جبل الكرمل نقطة جذب سياحية مثيرة للجدل، حيث يزوره الناس للتذكر، والتأمل، ولإحياء ذكرى الضحايا. لا يزال النقاش حول أحداث جبل الكرمل مستمرًا حتى اليوم، حيث يرى البعض أن ما حدث كان مأساة، بينما يرى آخرون أنه كان نتيجة طبيعية لسلوك كوريش وأتباعه.
الدروس المستفادة
تعتبر مأساة جبل الكرمل درسًا مهمًا حول المخاطر المرتبطة بالتعصب الديني، والتسلط، والتطرف. كما أنها تبرز أهمية احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الدين والتعبير. يجب على المجتمعات أن تعمل على تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان المختلفة، وتجنب التحيز والتمييز. يجب على الحكومات أن تتصرف بحذر في تعاملها مع الجماعات الدينية، وأن تحترم حقوقهم، وأن تتجنب استخدام القوة المفرطة.
إن فهم ما حدث في جبل الكرمل يساعدنا على تجنب تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل، وتعزيز مجتمعات أكثر سلمًا وتسامحًا.
تأثير الأحداث على الفن والثقافة
ألهمت مأساة جبل الكرمل العديد من الأعمال الفنية والثقافية. تم إنتاج أفلام وثائقية وروائية، وكتب، وأعمال فنية، وموسيقية، تناولت الأحداث من وجهات نظر مختلفة. ساعدت هذه الأعمال في نشر الوعي العام بما حدث، وإثارة النقاش حول القضايا التي أثارتها المأساة.
من بين هذه الأعمال، فيلم “واكو” (Waco) الوثائقي، والمسلسل التلفزيوني الذي يحمل نفس الاسم، اللذان عرضا تفاصيل الأحداث، وأثارا تساؤلات حول دور الحكومة، وديفيد كوريش، وأتباعه. كما ألهمت الأحداث العديد من الكتاب والشعراء والفنانين، الذين عبروا عن مشاعرهم وأفكارهم حول المأساة.
نظرة على المستقبل
على الرغم من مرور سنوات عديدة على مأساة جبل الكرمل، إلا أن ذكراها لا تزال حية في الذاكرة الجمعية. يواصل الباحثون والمهتمون بدراسة هذه الأحداث، وتحليلها، ومحاولة فهم الأسباب التي أدت إليها. يهدف هذا العمل إلى تجنب تكرار مثل هذه المآسي، وتعزيز قيم السلام والتسامح والتعايش.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح موقع جبل الكرمل مكانًا للزيارة، حيث يمكن للزوار استكشاف الموقع، والتعرف على الأحداث التي وقعت فيه. ويوفر ذلك فرصة للتأمل في الماضي، وتعلم الدروس منه، والتطلع إلى مستقبل أفضل.
خاتمة
كان مركز جبل الكرمل موقعًا لمأساة مروعة أودت بحياة العديد من الأبرياء. تاريخ هذا الموقع معقد، ويشمل صعود جماعة دينية، وتراكم التوتر مع السلطات، وحصارًا دام 51 يومًا، ونهاية مأساوية. لا تزال الأحداث التي وقعت في جبل الكرمل تثير الجدل حتى اليوم، ولكنها تمثل أيضًا درسًا مهمًا حول مخاطر التعصب، والتطرف، وأهمية التسامح وحرية الدين.