خلفية تاريخية
في أوائل القرن التاسع عشر، كان هناك اهتمام متزايد بمسألة أصل الأمريكيين الأصليين. كان الأوروبيون قد استكشفوا القارة الأمريكية لعدة قرون، ولكن لم يتم بعد تحديد من هم السكان الأصليون، ولا من أين أتوا. ظهرت العديد من النظريات، بما في ذلك فكرة أنهم كانوا من نسل القبائل العشر المفقودة من إسرائيل. كان هذا الفكر مدعومًا بالعديد من أوجه التشابه الملحوظة بين الثقافة اليهودية القديمة وبعض جوانب ثقافة الأمريكيين الأصليين، مثل طقوسهم الدينية، وبناء المعابد، واستخدامهم للأسماء التي بدت مألوفة.
في هذا السياق، كتب إيثان سميث كتابه “رؤية العبرانيين”. كان سميث قسًا في بلدة بولتون، فيرمونت. كان أيضًا شخصية بارزة في الكنيسة التجمعية في عصره. اشتهر سميث بتعلقه الشديد بالكتاب المقدس. استخدمه في كل جوانب حياته، وكان يعتقد أنه يوفر إجابات لجميع الأسئلة. كان سميث مهتمًا بشكل خاص بمسألة أصل الأمريكيين الأصليين، وسعى لإيجاد إجابة في الكتاب المقدس.
ملخص الكتاب
جادل سميث في كتابه بأن الأمريكيين الأصليين هم في الواقع أحفاد القبائل العشر المفقودة من إسرائيل. استند سميث في حجته إلى مجموعة متنوعة من الأدلة، بما في ذلك:
- التشابه اللغوي: أشار سميث إلى التشابه بين بعض الكلمات العبرية وبعض الكلمات في لغات الأمريكيين الأصليين.
- التشابه الثقافي: أشار سميث إلى التشابه بين بعض العادات والتقاليد اليهودية القديمة وعادات وتقاليد الأمريكيين الأصليين، مثل الاحتفال بالأعياد الدينية، وبناء المعابد، واستخدام الرموز الدينية.
- النبوات الكتابية: فسر سميث بعض النبوات الكتابية على أنها تشير إلى هجرة القبائل العشر المفقودة إلى أمريكا.
زعم سميث أن القبائل العشر المفقودة قد هربت من الأسر الآشوري في القرن الثامن قبل الميلاد، وعبرت المحيط الهادئ للوصول إلى الأمريكتين. بعد وصولهم، تشتتوا في جميع أنحاء القارة، وأصبحوا يعرفون باسم الأمريكيين الأصليين. اعتقد سميث أن معرفة أصل الأمريكيين الأصليين يمكن أن تساعد في تبشيرهم بالمسيحية، وإحضارهم إلى حضن الإيمان.
أثر الكتاب وتلقيه
كان لكتاب “رؤية العبرانيين” تأثير كبير في عصره. أصبح الكتاب من الكتب الأكثر مبيعًا، وقرأه عدد كبير من الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة. أثار الكتاب جدلاً واسعًا، حيث أيّده البعض ورفضه آخرون. جادل المؤيدون بأن الكتاب قدم تفسيرًا مقنعًا لأصل الأمريكيين الأصليين، بينما جادل الرافضون بأنه كان غير علمي، ويفتقر إلى الأدلة.
أثر الكتاب بشكل كبير على حركة القديسين في الأيام الأخيرة، المعروفة أيضًا باسم المورمون. اعتنق مؤسس المورمونية، جوزيف سميث، نظرية إيثان سميث بأن الأمريكيين الأصليين هم من نسل القبائل العشر المفقودة من إسرائيل. استخدم جوزيف سميث هذه الفكرة كأساس لإيمانه بأن الأمريكيين الأصليين كانوا في يوم من الأيام شعبًا مختارًا، وأنهم بحاجة إلى استعادة إيمانهم بالمسيحية. أدرج جوزيف سميث أفكار إيثان سميث في كتاب المورمون، وهو الكتاب المقدس المركزي للمورمونية. أصبح كتاب المورمون يصف كيف هاجرت عائلة من اليهود من القدس إلى الأمريكتين، وكيف أصبحوا فيما بعد الأمريكيين الأصليين.
أهمية الكتاب اليوم
على الرغم من أن نظرية سميث قد تم دحضها إلى حد كبير من قبل العلماء الحديثين، إلا أن كتاب “رؤية العبرانيين” لا يزال مهمًا لعدة أسباب. أولاً، يوفر الكتاب رؤية ثاقبة للاهتمامات الفكرية والدينية في أوائل القرن التاسع عشر في أمريكا. يعكس الكتاب المناخ الفكري في ذلك الوقت، والذي تميز بالاهتمام بالكتاب المقدس، والبحث عن الحقيقة الدينية، والرغبة في فهم أصول الأمم. ثانيًا، يقدم الكتاب نظرة ثاقبة للتاريخ المبكر للمورمونية. كان لكتاب سميث تأثير كبير على جوزيف سميث، وساهم في تشكيل العقيدة المورمونية. ثالثًا، يوفر الكتاب مثالًا مثيرًا للاهتمام على كيفية استخدام التاريخ والدين لتفسير العالم.
اليوم، يعتبر كتاب “رؤية العبرانيين” عملًا كلاسيكيًا في مجال الأدب الديني والتاريخ الأمريكي. يدرسه العلماء والطلاب على حد سواء، وهو يلقي الضوء على تاريخ الفكر الأمريكي، وتاريخ المورمونية، وعلاقة الدين بالثقافة.
انتقادات وملاحظات
على الرغم من شعبيته وتأثيره، واجه كتاب “رؤية العبرانيين” العديد من الانتقادات. اتهم النقاد سميث بأنه انتقائي في استخدامه للأدلة، وأنه يختار فقط الأدلة التي تدعم نظريته، ويتجاهل الأدلة التي تتعارض معها. اتهموه أيضًا بإساءة تفسير النصوص الكتابية، وإساءة فهم الثقافة الأمريكية الأصلية. اعتبر العديد من العلماء الحديثين نظرية سميث غير علمية، ولا تستند إلى أي دليل قوي.
ومع ذلك، حتى نقاد سميث يعترفون بأهمية كتابه. يمثل الكتاب مثالًا مهمًا على كيفية محاولة الناس في أوائل القرن التاسع عشر فهم العالم من حولهم. كما أنه يوفر رؤية ثاقبة للتاريخ المبكر للمورمونية، وكيف تأثرت هذه الحركة بالظروف الثقافية والاجتماعية في ذلك الوقت.
العلاقة بالكتاب المقدس والمورمونية
أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في “رؤية العبرانيين” هو تأثيره على حركة القديسين في الأيام الأخيرة. كان جوزيف سميث، مؤسس المورمونية، مفتونًا بنظرية سميث حول أصل الأمريكيين الأصليين. تبنى سميث فكرة أن الأمريكيين الأصليين هم من نسل القبائل العشر المفقودة من إسرائيل، وأنهم بحاجة إلى استعادة إيمانهم بالمسيحية. أدرج سميث هذه الأفكار في كتاب المورمون، الذي يروي قصة عائلة يهودية هاجرت من القدس إلى الأمريكتين، وكيف أصبحوا فيما بعد الأمريكيين الأصليين. بالنسبة للمورمون، يمثل كتاب المورمون الكتاب المقدس الآخر، ويساعد في شرح العلاقة بين الكتاب المقدس والأمريكيين الأصليين.
يستخدم المورمون هذه الرواية لشرح تاريخ الأمريكيين الأصليين، وتفسير الغرض من وجودهم. كما أنهم يعتبرون أنفسهم ملتزمين بمهمة تبشير الأمريكيين الأصليين، وإحضارهم إلى معرفة المسيح. من خلال فهم أصولهم، يمكن للمورمون أن يروا أنفسهم مرتبطين بالأمريكيين الأصليين من خلال التاريخ الديني والثقافي المشترك.
تعتبر هذه العلاقة بين “رؤية العبرانيين” والمورمونية مثالًا على كيفية تأثير الأفكار الدينية على تشكيل الحركات الدينية الجديدة. يوضح كيف يمكن لأفكار معينة أن تتكيف مع سياقات اجتماعية وثقافية مختلفة، وكيف يمكن أن تكتسب معاني جديدة وقوة تأثير جديدة. كما يسلط الضوء على دور الكتاب المقدس في هذه العملية، وكيف يمكن استخدامه لتبرير المعتقدات والممارسات المختلفة.
رؤية إيثان سميث للعالم
كان إيثان سميث يمتلك رؤية خاصة للعالم. لقد رأى العالم من خلال عدسة الكتاب المقدس، وكان يعتقد أن الكتاب المقدس يوفر إجابات لجميع الأسئلة. كان لديه إيمان عميق بالكتاب المقدس، وكان يعتقد أنه هو المصدر النهائي للحقيقة. لقد رأى أيضًا العالم من خلال عدسة التبشيرية، وكان يعتقد أن مهمة المسيحيين هي نشر الإنجيل في جميع أنحاء العالم.
كانت رؤية سميث للعالم متفائلة. لقد اعتقد أن العالم يتحسن، وأن المسيحية ستنتشر في جميع أنحاء العالم. كان لديه إيمان كبير بالتقدم، وكان يعتقد أن البشرية في طريقها إلى مستقبل أفضل. كانت رؤية سميث للعالم رؤية دينية، وتفاؤلية، وتبشيرية.
التأثير المستمر
على الرغم من أن “رؤية العبرانيين” لم تعد تعتبر نظرية علمية مقبولة، إلا أن تأثيرها لا يزال ملموسًا. يستمر الكتاب في إلهام المناقشات حول أصول الأمريكيين الأصليين، وتاريخ المورمونية، وعلاقة الدين بالثقافة. يعكس الكتاب أيضًا الاهتمامات الفكرية والدينية في أوائل القرن التاسع عشر في أمريكا. يذكرنا الكتاب بأن الماضي معقد، وأن الأفكار يمكن أن تنتشر وتتغير بطرق غير متوقعة.
لا يزال الكتاب يدرس في الجامعات والكليات، ويقرأه العلماء والطلاب على حد سواء. إنه مثال على كيفية تأثير الأفكار على التاريخ، وكيف يمكن أن تستمر في التأثير على حياتنا اليوم. الكتاب يدعونا إلى التفكير النقدي في أصولنا، وقيمنا، ومعتقداتنا.
خاتمة
في الختام، “رؤية العبرانيين” لإيثان سميث هو كتاب مهم ومثير للجدل في الأدب الديني والتاريخ الأمريكي. قدم سميث نظرية مفادها أن الأمريكيين الأصليين هم أحفاد القبائل العشر المفقودة من إسرائيل. على الرغم من أن نظريته لم تثبت صحتها علميًا، إلا أن الكتاب كان له تأثير كبير في عصره، وأثر بشكل خاص على حركة القديسين في الأيام الأخيرة. لا يزال الكتاب يدرس ويقرأ اليوم، ويوفر رؤية ثاقبة للاهتمامات الفكرية والدينية في أوائل القرن التاسع عشر في أمريكا، ويعكس العلاقة المعقدة بين الدين والثقافة والتاريخ.