نشأته وبداياته
ولد غوستافو إستيفا في مدينة مكسيكو في عام 1936. تلقى تعليمه في المكسيك وعمل في بداية حياته المهنية في القطاع العام. عمل في الحكومة المكسيكية، حيث شغل مناصب مختلفة في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية. ومع ذلك، سرعان ما بدأ يشعر بخيبة أمل تجاه النهج التقليدي للتنمية، والذي كان يركز على النمو الاقتصادي على حساب الجوانب الاجتماعية والبيئية.
بدأت تحولاته الفكرية في الستينيات والسبعينيات، حيث شهد إستيفا صعود الحركات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الحركات المناهضة للحرب وحركات الحقوق المدنية. أصبح مهتمًا بشكل متزايد بالنقد الراديكالي للتنمية الغربية، وتأثيراتها على المجتمعات المحلية والبيئة. تأثر إستيفا بشدة بأعمال المفكرين النقديين مثل إيفان إيليتش وأندريه غورز، اللذين دعوا إلى إيجاد طرق بديلة للعيش تتجاوز القيود المفروضة على الرأسمالية والتنمية الصناعية.
نقد التنمية والعولمة
كان إستيفا من أشد منتقدي مفهوم التنمية الغربية، الذي اعتبره مشروعًا استعماريًا يهدف إلى فرض قيم ونماذج غربية على بقية العالم. جادل إستيفا بأن التنمية، كما تمارسها المؤسسات الدولية والحكومات، غالبًا ما تؤدي إلى تدمير المجتمعات المحلية، وتهميش السكان الأصليين، وتدهور البيئة. رأى إستيفا أن التنمية تخلق نظامًا من التبعية، حيث تعتمد البلدان النامية على البلدان المتقدمة للحصول على المساعدة المالية والتكنولوجية، مما يؤدي إلى فقدان الاستقلال والسيادة.
ركز إستيفا على أهمية “الحياة الجيدة” أو “العيش الكريم“، وهي فلسفة تركز على الرفاهية الاجتماعية والبيئية بدلاً من النمو الاقتصادي. دافع عن إحياء الثقافات المحلية، والاقتصاد المحلي، والسياسة المحلية كوسيلة لمقاومة العولمة وبناء مجتمعات أكثر عدالة واستدامة. لقد آمن بأهمية إحياء القيم التقليدية والمعارف المحلية كوسيلة لمواجهة آثار التنمية الغربية.
انتقد إستيفا بشدة العولمة، معتبرًا أنها قوة مدمرة تقوض الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. جادل بأن العولمة تؤدي إلى تركز السلطة والثروة في أيدي الشركات متعددة الجنسيات، مما يؤدي إلى تدهور أوضاع العمال، وتدمير البيئة، وتفاقم عدم المساواة. دعا إلى بناء مجتمعات محلية قوية قادرة على مقاومة قوى العولمة وبناء بدائل قائمة على التضامن والتعاون.
مفاهيمه الأساسية
طوّر إستيفا عددًا من المفاهيم الأساسية التي شكلت أفكاره حول التنمية والعولمة. وتشمل هذه:
- التحول من التنمية (Des-Development): كان إستيفا من أوائل من دعا إلى “التحول من التنمية”، أي التخلي عن نموذج التنمية الغربية والبحث عن طرق بديلة للعيش. رأى أن التنمية، كما تمارسها المؤسسات الدولية والحكومات، غالبًا ما تكون ضارة، وتهدف إلى تدمير المجتمعات المحلية والبيئة.
- الاقتصاد المحلي: دافع إستيفا عن أهمية الاقتصاد المحلي، الذي يقوم على الإنتاج والاستهلاك المحليين، والتبادل المباشر بين المنتجين والمستهلكين، والاعتماد على الموارد المحلية. اعتبر الاقتصاد المحلي وسيلة لبناء مجتمعات أكثر استدامة ومرونة.
- السياسة المحلية: أكد إستيفا على أهمية السياسة المحلية، التي تركز على المشاركة الديمقراطية على المستوى المحلي، والمساءلة، وحقوق المواطنين. رأى أن السياسة المحلية هي وسيلة لمقاومة قوى العولمة وبناء مجتمعات أكثر عدالة وشمولية.
- الحياة الجيدة: دعا إستيفا إلى مفهوم “الحياة الجيدة”، والذي يعطي الأولوية للرفاهية الاجتماعية والبيئية على النمو الاقتصادي. رأى أن الحياة الجيدة تتطلب إحياء الثقافات المحلية، والاقتصاد المحلي، والسياسة المحلية، والتضامن الاجتماعي.
أعماله ومساهماته
كتب إستيفا على نطاق واسع، ونشر العديد من الكتب والمقالات التي أثرت في الفكر المضاد للعولمة وحركات ما بعد التنمية. من أبرز أعماله:
- “التنمية: التاريخ والبديل” (Development: The History and the Alternative): في هذا الكتاب، يقدم إستيفا نقدًا شاملاً لمفهوم التنمية الغربية، ويقترح بدائل قائمة على الثقافات المحلية، والاقتصاد المحلي، والسياسة المحلية.
- “المرأة والتحول من التنمية” (Women and the De-Development): يركز هذا الكتاب على دور المرأة في بناء بدائل للتنمية الغربية، ويدعو إلى تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين.
- “العيش الكريم: في مجتمع ما بعد التنمية” (Buen Vivir: In a Post-Development Society): في هذا الكتاب، يستكشف إستيفا مفهوم “الحياة الجيدة” وكيف يمكن أن يوفر إطارًا لبناء مجتمعات أكثر استدامة وعدالة.
بالإضافة إلى كتاباته، كان إستيفا ناشطًا بارزًا شارك في العديد من الحركات الاجتماعية، بما في ذلك حركة “زابيستا” في المكسيك، وحركة “أبوينو” في إسبانيا، وحركات مناهضة العولمة في جميع أنحاء العالم. ساهم إستيفا في تأسيس العديد من المنظمات والمؤسسات التي تهدف إلى تعزيز التنمية البديلة، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية.
تأثيره وإرثه
ترك إستيفا إرثًا كبيرًا في الفكر المضاد للعولمة وحركات ما بعد التنمية. ساهمت أفكاره في تشكيل النقاش حول التنمية، والعولمة، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية. ألهمت أعماله جيلًا جديدًا من النشطاء والمفكرين الذين يسعون إلى بناء عالم أكثر عدالة وإنصافًا واستدامة. استمرت أفكاره في التأثير على الحركات الاجتماعية والمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم.
كان إستيفا شخصية محترمة ومؤثرة في مجتمعه. أشاد به العديد من المفكرين والنشطاء لعمق تفكيره، والتزامه بالعدالة الاجتماعية، وشجاعته في تحدي السلطة. ترك إرثًا من الأفكار والإلهام، وسيظل عمله يتردد صداه لسنوات قادمة.
المراحل الأخيرة
في سنواته الأخيرة، استمر إستيفا في الكتابة والتدريس والنشاط. كان نشطًا في العديد من المشاريع والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز التنمية البديلة والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. توفي إستيفا في 17 مارس 2022 في أوكسكوا، المكسيك، عن عمر يناهز 85 عامًا. رحيله خسارة كبيرة للعالم، لكن إرثه من الأفكار والإلهام سيستمر في التأثير على العالم.
خاتمة
كان غوستافو إستيفا مفكرًا وناشطًا مكسيكيًا ترك بصمة كبيرة في مجال التنمية البديلة والفكر المضاد للعولمة. من خلال كتاباته وأنشطته، تحدى إستيفا مفهوم التنمية الغربية، ودعا إلى إيجاد طرق بديلة للعيش تركز على الرفاهية الاجتماعية والبيئية. أثرت أفكاره على جيل كامل من النشطاء والمفكرين، ولا يزال إرثه حيًا ومؤثرًا حتى اليوم.
المراجع
- Gustavo Esteva – Wikipedia
- Gustavo Esteva – Transnational Institute
- Gustavo Esteva and his legacy: Decolonising development – openDemocracy
- Development : the history and the alternative / Gustavo Esteva, Madhu Suri Prakash
“`