نشأته وتعليمه
ولد يوسف حاييم سونينفيلد في مدينة بوميرن، التي كانت تابعة آنذاك للإمبراطورية النمساوية (بولندا حاليًا). تلقى تعليمه المبكر في العديد من المؤسسات الدينية التقليدية، بما في ذلك يشيفا فولزين في ليتوانيا. كان تلميذًا متميزًا، وأظهر موهبة مبكرة في دراسة التوراة والتلمود. كان يُعرف بذكائه الحاد، وفهمه العميق للشريعة اليهودية، وتفانيه في الممارسات الدينية.
في شبابه، انتقل سونينفيلد إلى المجر لمواصلة دراساته الدينية، حيث درس تحت إشراف بعض الحاخامات الأكثر احترامًا في عصره. شكلت هذه الفترة من دراساته رؤيته الدينية والقيادية. اكتسب تقديرًا كبيرًا لمعرفته الواسعة بالتوراة والتلمود، بالإضافة إلى قدرته على تطبيق المبادئ الدينية على قضايا الحياة اليومية.
الهجرة إلى القدس
في عام 1873، هاجر سونينفيلد إلى فلسطين، التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. كان لهذه الخطوة أهمية كبيرة في حياته، حيث أصبح مرتبطًا بشكل وثيق بتطوير المجتمع اليهودي الأرثوذكسي في القدس. وصل إلى القدس في وقت كان فيه المجتمع اليهودي يشهد تحولات كبيرة، حيث شهد نموًا سكانيًا كبيرًا وتزايدًا في التأثير العلماني.
عند وصوله إلى القدس، انضم سونينفيلد إلى مجتمع “بيث يسرائيل” الأرثوذكسي الناشئ. سرعان ما أصبح شخصية محورية في المجتمع، ولعب دورًا رئيسيًا في تأسيس المؤسسات الدينية والتعليمية. عمل على تعزيز دراسة التوراة، والحفاظ على التقاليد اليهودية، والدفاع عن نمط الحياة الأرثوذكسي في مواجهة التحديات الحديثة.
قيادته الدينية
أصبح سونينفيلد حاخامًا بارزًا ومحترمًا في القدس، وتميزت قيادته بالحكمة والتفاني. كان معروفًا بتواضعه، وتفانيه في خدمة مجتمعه، والتزامه الصارم بالشريعة اليهودية. عمل بلا كلل لتعزيز الوحدة والوئام داخل المجتمع اليهودي، والجمع بين مختلف الفصائل والآراء.
كان سونينفيلد من أشد المؤيدين للتعليم الديني التقليدي. أسس وأيد العديد من المدارس الدينية، بما في ذلك يشيفا “عيتس حاييم” (Eitz Chaim Yeshiva)، والتي أصبحت مركزًا رئيسيًا للدراسة الدينية في القدس. آمن بأهمية التعليم في الحفاظ على التراث اليهودي وضمان مستقبل المجتمع.
بالإضافة إلى دوره كقائد ديني، كان سونينفيلد أيضًا ناشطًا سياسيًا. شارك في الدفاع عن مصالح المجتمع اليهودي في القدس، والتفاوض مع السلطات العثمانية بشأن القضايا المتعلقة بالحقوق الدينية والممتلكات. كان له دور فعال في تأسيس “إداه حرديت” (Edah HaChareidis)، وهي منظمة أرثوذكسية متشددة لا تزال موجودة حتى اليوم، والتي تهدف إلى الحفاظ على نمط الحياة الأرثوذكسي المتشدد في إسرائيل.
تأسيس إداه حرديت
كان سونينفيلد أحد المؤسسين الرئيسيين لإداه حرديت (Edah HaChareidis)، وهي منظمة مجتمعية أرثوذكسية متشددة في القدس. تأسست هذه المنظمة في عام 1920 كبديل للمؤسسات الصهيونية التي اعتبرتها تتعارض مع القيم اليهودية التقليدية. هدفت إداه حرديت إلى الحفاظ على نمط الحياة الأرثوذكسي المتشدد، والوقوف في وجه ما اعتبرته التأثيرات العلمانية والحديثة.
لعب سونينفيلد دورًا حاسمًا في صياغة مبادئ وأهداف إداه حرديت. كان يرى أن الحفاظ على التقاليد اليهودية، والامتثال للشريعة اليهودية، أمران ضروريان لبقاء المجتمع اليهودي. عمل على تعزيز استقلالية إداه حرديت، ورفض أي تنازلات عن مبادئها الدينية.
بقي سونينفيلد زعيمًا روحيًا لإداه حرديت حتى وفاته في عام 1932. استمرت المنظمة في النمو والتأثير، وأصبحت قوة مهمة في الحياة الدينية والسياسية في إسرائيل.
إرثه وتأثيره
ترك يوسف حاييم سونينفيلد إرثًا دائمًا في عالم اليهودية الأرثوذكسية. يعتبره الكثيرون أحد أعظم الحاخامات والقادة في عصره. ساهمت قيادته وحكمته وتفانيه في تشكيل مستقبل المجتمع اليهودي في القدس، وتأثيره لا يزال محسوسًا حتى اليوم.
تميز إرث سونينفيلد بالتزامه الثابت بالشريعة اليهودية، وتعليمه الديني، وتفانيه في خدمة مجتمعه. كان مثالًا للتواضع، والتفاني، والقيادة الأخلاقية. ألهمت أفكاره وأفعاله أجيالًا من اليهود الأرثوذكس، ولا تزال تثير الإعجاب والاحترام.
بالإضافة إلى قيادته الدينية، ترك سونينفيلد أيضًا إرثًا من الأعمال الكتابية. كتب العديد من المقالات والمقالات التي تناولت مجموعة واسعة من القضايا الدينية والأخلاقية. نُشرت كتاباته بعد وفاته، ولا تزال تُدرس على نطاق واسع وتُستشهد بها.
أعماله ومؤلفاته
بالإضافة إلى قيادته الدينية، ترك سونينفيلد أيضًا إرثًا من الأعمال الكتابية التي تسلط الضوء على فكره وعمق معرفته بالشريعة اليهودية. شملت أعماله:
- شرح على التلمود: قدم سونينفيلد شرحًا معمقًا لبعض أجزاء التلمود، مما ساعد على توضيح الأفكار المعقدة والقضايا القانونية.
- فتاوى (إجابات على الأسئلة الشرعية): قدم سونينفيلد إجابات على مجموعة متنوعة من الأسئلة الشرعية، مما يعكس معرفته الواسعة بالشريعة اليهودية.
- مقالات في الشؤون الدينية والأخلاقية: كتب سونينفيلد مقالات تتناول قضايا دينية وأخلاقية مختلفة، مما يوضح رؤيته الدينية وقيادته الفكرية.
نُشرت العديد من كتابات سونينفيلد بعد وفاته، ولا تزال تُدرس على نطاق واسع وتُستشهد بها من قبل العلماء والحاخامات في جميع أنحاء العالم.
علاقته بالصهيونية
كان موقف يوسف حاييم سونينفيلد من الحركة الصهيونية معقدًا. على الرغم من أنه لم يكن من المؤيدين المتحمسين للحركة الصهيونية السياسية، إلا أنه كان مؤيدًا للاستيطان اليهودي في فلسطين لأسباب دينية. كان يؤمن بأن استيطان الأرض المقدسة يمثل خطوة مهمة في تحقيق الخلاص اليهودي، ولكنه عارض بعض جوانب الحركة الصهيونية التي اعتبرها تتعارض مع القيم اليهودية التقليدية.
كان سونينفيلد يعارض بشكل خاص الحركة الصهيونية العلمانية، والتي اعتبرها تهديدًا للهوية اليهودية التقليدية. كان يخشى أن تؤدي هذه الحركة إلى تآكل القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع اليهودي. ومع ذلك، اعترف بأهمية بناء المؤسسات اليهودية في فلسطين، وعمل مع الصهاينة في بعض المجالات التي اعتبرها ضرورية لبناء المجتمع اليهودي.
شكل موقفه من الصهيونية جزءًا من إرثه المعقد. على الرغم من معارضته لبعض جوانب الحركة الصهيونية، إلا أنه ساهم في بناء المجتمع اليهودي في فلسطين، وأصبح شخصية محورية في الحياة الدينية والسياسية في القدس.
حياته الشخصية
كان يوسف حاييم سونينفيلد متزوجًا وأنجب أطفالًا. عرفت عائلته بالتزامها الشديد بالشريعة اليهودية والتقاليد. كان مثالًا للحياة المتدينة، وعُرف بتواضعه وتفانيه في خدمة مجتمعه.
على الرغم من مكانته كقائد ديني بارز، إلا أن سونينفيلد حافظ على أسلوب حياة متواضع. كان معروفًا ببساطته وتفانيه في دراسة التوراة والصلاة. كان يُنظر إليه على أنه شخصية يمكن الوصول إليها، وكان يستقبل الناس من جميع الخلفيات للاستشارة والمساعدة.
وفاته
توفي يوسف حاييم سونينفيلد في القدس في 26 فبراير 1932، عن عمر يناهز 83 عامًا. أقيمت له جنازة مهيبة حضرها الآلاف من الأشخاص من جميع أنحاء المجتمع اليهودي. تم دفنه في مقبرة جبل الزيتون في القدس.
ترك سونينفيلد وراءه إرثًا دائمًا. كان تأثيره على المجتمع اليهودي الأرثوذكسي في القدس هائلاً، واستمرت أفكاره وأفعاله في إلهام الأجيال القادمة. يعتبره الكثيرون أحد أعظم الحاخامات والقادة في عصره.
خاتمة
يوسف حاييم سونينفيلد شخصية محورية في تاريخ اليهودية الأرثوذكسية. لعب دورًا حاسمًا في بناء وتطوير المجتمع اليهودي الأرثوذكسي في القدس، وأثرت قيادته وتفانيه في جوانب مختلفة من الحياة اليهودية. من خلال تعليمه الديني، وقيادته الدينية، وتأسيسه لإداه حرديت، ترك إرثًا دائمًا لا يزال يتردد صداه في العالم اليهودي حتى اليوم. كان رجلًا استثنائيًا، وكان تأثيره على المجتمع اليهودي في القدس لا يمحى.
المراجع
- مكتبة إسرائيل الوطنية – أرشيف سونينفيلد
- ياد فاشيم – معلومات عن سونينفيلد
- المكتبة اليهودية الافتراضية – مقال عن سونينفيلد
- متحف بيت هاتفوست – معلومات عن سونينفيلد
“`