نشأته وبداية حياته
ولد بايزيد الثاني في مدينة ديديموتيخو (Dimetoka) في تراقيا، وكان الابن الأكبر للسلطان محمد الفاتح. تلقى تعليمه على يد نخبة من العلماء والمفكرين في عصره، مما أكسبه ثقافة واسعة واهتمامًا بالفنون والعلوم. قبل توليه الحكم، شغل منصب والي أماصيا، حيث اكتسب خبرة إدارية وعسكرية قيمة.
توليه الحكم والصراع مع أخيه جم
بعد وفاة السلطان محمد الفاتح عام 1481، نشأ صراع على السلطة بين بايزيد وأخيه جم. كان جم يحظى بشعبية كبيرة بين الجيش، لكن بايزيد تمكن من الوصول إلى إسطنبول أولاً وإعلان نفسه سلطانًا. اضطر جم إلى الفرار إلى مصر المملوكية، ثم إلى جزيرة رودس، حيث احتجزه فرسان القديس يوحنا. استخدم بايزيد نفوذه السياسي والمالي لإبقاء جم قيد الأسر، خشية أن يعود ويشعل فتيل الحرب الأهلية. بقي جم في الأسر حتى وفاته في عام 1495.
السياسة الداخلية والخارجية
تميز عهد بايزيد الثاني بسياسة داخلية متوازنة تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار وتعزيز الاقتصاد. شجع التجارة والصناعة، ودعم الفنانين والعلماء. كما اهتم ببناء المساجد والمدارس والمستشفيات، مما ساهم في ازدهار الحياة الثقافية والعلمية في الدولة العثمانية.
أما على الصعيد الخارجي، فقد تجنب بايزيد الثاني خوض حروب واسعة النطاق، مفضلاً الحفاظ على السلام والاستقرار. ومع ذلك، لم يخل عهده من بعض الصراعات والتوترات، خاصة مع المماليك في مصر، والبندقية في البحر المتوسط، والمجر في البلقان. تمكن بايزيد من تحقيق بعض الانتصارات العسكرية، لكنه لم يسع إلى توسيع حدود الدولة بشكل كبير.
- العلاقات مع المماليك: شهدت العلاقات بين العثمانيين والمماليك توترًا بسبب سيطرة المماليك على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، ورغبة العثمانيين في بسط نفوذهم على المنطقة.
- الحرب مع البندقية: نشبت حرب بين العثمانيين والبندقية في الفترة من 1499 إلى 1503، انتهت بانتصار العثمانيين واستيلائهم على بعض المواقع الاستراتيجية في البحر الأدرياتيكي.
- التهديد الصفوي: في أواخر عهد بايزيد الثاني، ظهرت الدولة الصفوية في إيران كقوة صاعدة تهدد نفوذ العثمانيين في المنطقة. كان بايزيد الثاني يدرك خطورة هذا التهديد، لكنه لم يتخذ إجراءات حاسمة لمواجهته.
دعم اللاجئين اليهود
يُذكر بايزيد الثاني بدعمه للاجئين اليهود الذين فروا من إسبانيا بعد صدور مرسوم طردهم عام 1492. استقبل بايزيد اليهود المهاجرين بحفاوة، وسمح لهم بالاستقرار في مختلف أنحاء الدولة العثمانية. ساهم اليهود المهاجرون في ازدهار الاقتصاد والثقافة العثمانية، وقدموا خبراتهم في مجالات التجارة والصناعة والطب.
الفتنة الداخلية وعزله
في أواخر عهد بايزيد الثاني، تفاقمت الخلافات الداخلية بين أبنائه الثلاثة: أحمد، وقورقود، وسليم. كان كل منهم يسعى إلى تولي العرش من بعده. كان أحمد يحظى بدعم الجيش الإنكشاري، لكن سليم كان يتمتع بشعبية واسعة بين الشعب والعلماء. استغل سليم هذه الشعبية وقام بانقلاب على والده في عام 1512، وأجبره على التنازل عن العرش. توفي بايزيد الثاني بعد فترة وجيزة من عزله، أثناء توجهه إلى منفاه في ديميتوقا.
شخصيته وإنجازاته
كان بايزيد الثاني شخصية مثقفة ومحبة للفنون والعلوم. كان شاعرًا وخطاطًا ماهرًا، وقام برعاية العديد من الفنانين والعلماء. يُعتبر عهده فترة ازدهار ثقافي وعلمي في الدولة العثمانية. كما يُذكر بايزيد الثاني بأعماله الخيرية، وبنائه للمساجد والمدارس والمستشفيات.
من أبرز إنجازاته:
- إعادة بناء وتوسيع المسجد النبوي في المدينة المنورة.
- بناء العديد من المساجد والمدارس والمستشفيات في إسطنبول وغيرها من المدن العثمانية.
- تشجيع التجارة والصناعة، ودعم الفنانين والعلماء.
- استقبال اللاجئين اليهود من إسبانيا، ودمجهم في المجتمع العثماني.
خاتمة
بايزيد الثاني هو السلطان الثامن للدولة العثمانية، حكم في فترة شهدت استقرارًا داخليًا وازدهارًا ثقافيًا وعلميًا. على الرغم من أنه تجنب خوض حروب واسعة النطاق، إلا أنه تمكن من الحفاظ على استقرار الدولة وتعزيز اقتصادها. يُذكر بدعمه للفنون والعلوم، وأعماله الخيرية، واستقباله للاجئين اليهود من إسبانيا. انتهى عهده بصراع داخلي بين أبنائه أدى إلى عزله وتولي ابنه سليم الأول السلطة.