مكيرتيش بورتوكيان (Mekertich Portukalian)

نشأته وبداياته

ولد مكيرتيش بورتوكيان في القسطنطينية (إسطنبول حالياً) في 21 أكتوبر 1848. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس الأرمنية المحلية. أظهر اهتماماً مبكراً بالأدب والتاريخ واللغة الأرمنية، مما دفعه إلى التفوق في دراسته. بعد الانتهاء من تعليمه، بدأ مسيرته المهنية كمعلم في المدارس الأرمنية. كان شغفه بالتعليم واضحاً، وسعى إلى استخدام أساليب تدريس مبتكرة لجعل التعلم أكثر جاذبية للطلاب.

بدأ بورتوكيان في وقت مبكر في إدراك أهمية التعليم في الحفاظ على الهوية الأرمنية وتعزيزها. في ظل الحكم العثماني، كان الأرمن يواجهون تحديات كبيرة في الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم وديانتهم. رأى بورتوكيان أن التعليم هو الأداة الرئيسية لمواجهة هذه التحديات وتعزيز الوحدة الوطنية.

تأسيس مدرسة أرارات

كانت أهم إنجازات مكيرتيش بورتوكيان هي تأسيس مدرسة أرارات في عام 1868. كانت هذه المدرسة نموذجاً جديداً للتعليم الأرمني، حيث جمعت بين المناهج الدراسية الحديثة والتركيز على اللغة والثقافة الأرمنية. قدمت المدرسة تعليماً شاملاً للطلاب من جميع الخلفيات الاجتماعية، وركزت على تطوير مهاراتهم الفكرية والإبداعية.

تميزت مدرسة أرارات بأساليب التدريس المبتكرة واستخدام المواد التعليمية الحديثة. تم التركيز على تعليم اللغات الأرمنية والتركية والفرنسية، بالإضافة إلى العلوم والتاريخ والجغرافيا. كما أولت المدرسة اهتماماً خاصاً بالفنون والموسيقى والمسرح، مما ساهم في تنمية الحس الجمالي لدى الطلاب.

سرعان ما أصبحت مدرسة أرارات مركزاً مهماً للحياة الثقافية الأرمنية في القسطنطينية. استقطبت المدرسة أفضل المعلمين والطلاب، وأنتجت عدداً من الشخصيات البارزة التي تركت بصماتها في مجالات مختلفة. ساهمت المدرسة في إحياء اللغة والأدب الأرمني، وتعزيز الوعي الوطني والثقافي بين الأرمن.

مسيرته الصحفية

بالإضافة إلى عمله في مجال التعليم، كان مكيرتيش بورتوكيان صحفياً وكاتباً بارزاً. أسس وأدار العديد من الصحف والمجلات الأرمنية، والتي لعبت دوراً حيوياً في نشر الأفكار التقدمية وتعزيز الوعي الوطني. من بين هذه الصحف مجلة “أرارات”، التي نشرت مقالات حول الأدب والتاريخ والثقافة الأرمنية. كما قام بنشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات الأخرى، والتي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية.

من خلال كتاباته الصحفية، دافع بورتوكيان عن حقوق الأرمن وحرياتهم، وانتقد الظلم والتمييز الذي تعرضوا له في ظل الحكم العثماني. لعبت كتاباته دوراً هاماً في تشكيل الرأي العام الأرمني، وتعزيز التضامن الوطني. كما ساهمت في تعريف العالم بالثقافة والأدب الأرمني.

كان بورتوكيان يؤمن بأهمية الصحافة في بناء مجتمع مدني قوي ومزدهر. استخدم الصحافة كوسيلة لنشر التعليم والتوعية، وتعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف شرائح المجتمع. كانت صحفه ومجلاته منبراً للأصوات الأرمنية، ومكاناً للتعبير عن الآراء والأفكار المختلفة.

أعماله الأدبية

ترك مكيرتيش بورتوكيان إرثاً أدبياً غنياً. كتب العديد من المقالات والقصص والمسرحيات التي تناولت قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية. تميزت كتاباته بالأسلوب السهل والواضح، مما جعلها في متناول القراء من مختلف المستويات الثقافية. ركزت أعماله على إبراز الهوية الأرمنية، وتعزيز القيم الوطنية والثقافية.

من بين أعماله الأدبية البارزة مجموعة من القصص القصيرة التي صورت حياة الأرمن في القسطنطينية والمناطق الأخرى من الإمبراطورية العثمانية. قدمت هذه القصص صورة واقعية للحياة اليومية للأرمن، وسلطت الضوء على التحديات التي واجهوها. كما كتب بورتوكيان عدداً من المسرحيات التي عرضت على مسارح القسطنطينية، والتي لاقت إقبالاً كبيراً من الجمهور.

كان بورتوكيان رائداً في الأدب الأرمني الحديث. ساهمت أعماله في تطوير اللغة والأدب الأرمني، وساعدت في الحفاظ على التراث الثقافي الأرمني. لا تزال أعماله تُقرأ وتُدرس حتى اليوم، وتعتبر جزءاً مهماً من الأدب الأرمني الكلاسيكي.

إسهاماته في النهضة الأرمنية

كان مكيرتيش بورتوكيان شخصية محورية في النهضة الثقافية الأرمنية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. عمل على تعزيز التعليم والصحافة والأدب الأرمني، وساهم في إحياء الوعي الوطني والثقافي بين الأرمن. كان يؤمن بأهمية الثقافة والتعليم في تحقيق التقدم والازدهار للأرمن.

من خلال عمله في التعليم، قام بورتوكيان بتدريب جيل جديد من القادة والمثقفين الأرمن. ساهمت مدرسة أرارات في إعداد الطلاب ليصبحوا مواطنين مسؤولين ومشاركين فاعلين في المجتمع. كما شجعت المدرسة على تطوير مهاراتهم القيادية والإبداعية.

من خلال عمله في الصحافة، استخدم بورتوكيان الصحافة كوسيلة لنشر الأفكار التقدمية وتعزيز الوعي الوطني. لعبت صحفه ومجلاته دوراً هاماً في تشكيل الرأي العام الأرمني، وتعزيز التضامن الوطني. كما ساهمت في تعريف العالم بالثقافة والأدب الأرمني.

من خلال أعماله الأدبية، ترك بورتوكيان إرثاً أدبياً غنياً. ساهمت كتاباته في تطوير اللغة والأدب الأرمني، وساعدت في الحفاظ على التراث الثقافي الأرمني. لا تزال أعماله تُقرأ وتُدرس حتى اليوم، وتعتبر جزءاً مهماً من الأدب الأرمني الكلاسيكي.

تأثيره وإرثه

ترك مكيرتيش بورتوكيان تأثيراً كبيراً على المجتمع الأرمني. يعتبر من رواد النهضة الثقافية الأرمنية، وقد ساهم بشكل كبير في تطوير التعليم والصحافة والأدب الأرمني. كان له دور فعال في الحفاظ على الهوية الوطنية الأرمنية وتعزيزها.

يُذكر بورتوكيان لتأسيسه مدرسة أرارات، التي أصبحت نموذجاً للتعليم الأرمني الحديث. ألهمت المدرسة العديد من المدارس الأخرى في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية. كما يُذكر بورتوكيان لعمله في الصحافة، حيث أسس وأدار العديد من الصحف والمجلات التي لعبت دوراً حيوياً في نشر الأفكار التقدمية وتعزيز الوعي الوطني.

لا يزال إرث بورتوكيان حياً حتى اليوم. تُدرس أعماله في المدارس والجامعات الأرمنية، وتُحتفى به كأحد أبرز الشخصيات في التاريخ الأرمني. يعتبر رمزاً للتعليم والتقدم الثقافي، ويلهم الأجيال الجديدة من الأرمن.

وفاته

توفي مكيرتيش بورتوكيان في أكتوبر 1921. على الرغم من وفاته، إلا أن إرثه لا يزال حياً في قلوب الأرمن. يعتبر مثالاً يحتذى به في التفاني في خدمة المجتمع وتعزيز التعليم والثقافة. تذكر الأجيال الأرمنية إسهاماته في النهضة الثقافية الأرمنية، وتعتبره من الشخصيات التاريخية البارزة.

خاتمة

كان مكيرتيش بورتوكيان شخصية محورية في التاريخ الأرمني، ترك إرثاً دائماً في مجالات التعليم والصحافة والأدب. من خلال تأسيسه مدرسة أرارات، ساهم في تطوير التعليم الأرمني الحديث. كما لعب دوره في الصحافة في تعزيز الوعي الوطني والثقافي. تركت أعماله الأدبية بصمة في الأدب الأرمني الكلاسيكي. يعتبر بورتوكيان رمزاً للنهضة الثقافية الأرمنية، ولا يزال إرثه يلهم الأجيال القادمة.

المراجع

“`