تنغري: الإله السماوي الأكبر
تنغري (Tengri) هو الاسم الذي يطلق على الإله السماوي الأكبر في الديانة التركية والمغولية القديمة. يعتبر تنغري إلهاً خالقاً مهيمناً، يجسد السماء والسلطة المطلقة. إنه ليس مجرد إله، بل هو القوة الكونية التي تحكم الكون وتسيطر على مصائر البشر. في المعتقدات القديمة، كان تنغري يُعبد كحاكم أعلى، يمنح البركة والحماية، ويعاقب المخالفين.
يُصور تنغري عادةً على أنه كائن أزلي أبدي، لا بداية له ولا نهاية. إنه موجود قبل كل شيء، وسيبقى بعد كل شيء. يمتلك تنغري قوة لا حدود لها، وقدرة على فعل أي شيء. إنه يعرف كل شيء، ويرى كل شيء، ويسمع كل شيء. إنه العدل المطلق، والحكمة المطلقة، والرحمة المطلقة.
كانت عبادة تنغري جزءًا أساسيًا من حياة الشعوب التركية والمغولية القديمة. كانوا يقيمون الصلوات والطقوس الدينية تكريماً له، ويقدمون له القرابين والأضاحي. كانوا يعتقدون أن تنغري سيستجيب لصلواتهم، ويمنحهم النصر في المعارك، والخصب في الأرض، والبركة في الحياة.
لم يكن تنغري إلهاً منعزلاً، بل كان محاطًا بمجموعة من الآلهة والشياطين الأخرى. كانت هذه الكائنات الأخرى تعمل كوسطاء بين تنغري والبشر، وتنقل رسائله وإرادته. كان بعض هذه الكائنات خيرًا، يساعد البشر ويحميهم، بينما كان بعضها الآخر شريرًا، يحاول إغواء البشر وإلحاق الأذى بهم.
تختلف تفاصيل عبادة تنغري من منطقة إلى أخرى، ومن قبيلة إلى أخرى. ومع ذلك، هناك بعض العناصر المشتركة التي تميز هذه العبادة، مثل التركيز على السماء، وتقديم القرابين، وإقامة الطقوس الدينية.
التنغرية: الديانة القديمة
التنغرية (Tengrism) هي الديانة الروحية التوحيدية القديمة التي كانت سائدة بين الشعوب التركية والمغولية. تركز هذه الديانة على عبادة تنغري، الإله السماوي الأكبر، وتعتبره القوة المهيمنة في الكون. التنغرية ليست مجرد مجموعة من المعتقدات، بل هي طريقة حياة شاملة، تؤثر على جميع جوانب حياة الأفراد والمجتمعات.
تعتبر التنغرية ديانة طبيعية، بمعنى أنها تركز على العلاقة بين الإنسان والطبيعة. يعتقد التنغريون أن الطبيعة مقدسة، وأن جميع الكائنات الحية مرتبطة ببعضها البعض. إنهم يحترمون الطبيعة ويحافظون عليها، ويعتقدون أنهم جزء من نظام بيئي أكبر.
تشجع التنغرية على القيم الأخلاقية الرفيعة، مثل الصدق والعدل والشجاعة والكرم. يعتقد التنغريون أن هذه القيم ضرورية لتحقيق السعادة والازدهار في الحياة. كما تشجع التنغرية على التسامح والتعايش السلمي مع الآخرين، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية أو الدينية.
لا تمتلك التنغرية كتابًا مقدسًا رسميًا، ولكنها تعتمد على التقاليد الشفوية والأساطير الشعبية لنقل معتقداتها وقيمها. ومع ذلك، هناك بعض النصوص القديمة التي تعتبر مهمة بالنسبة للتنغريين، مثل كتاب “التاريخ السري للمغول” (The Secret History of the Mongols).
على الرغم من أن التنغرية كانت الديانة السائدة في آسيا الوسطى لعدة قرون، إلا أنها بدأت في الانحدار مع انتشار الديانات الأخرى، مثل الإسلام والمسيحية والبوذية. ومع ذلك، لا تزال التنغرية موجودة في بعض المناطق، ولا تزال تمارس من قبل عدد قليل من الأشخاص.
في السنوات الأخيرة، شهدت التنغرية إحياءً في بعض المناطق، حيث يسعى الناس إلى العودة إلى جذورهم الثقافية والدينية. يعتبر البعض التنغرية بديلاً جذابًا للديانات الأخرى، لأنها تركز على الطبيعة والقيم الأخلاقية والتسامح.
مفاهيم أساسية في التنغرية
- السماء (تنغري): تمثل القوة العليا والكون اللانهائي.
- الأرض (إيجي): تجسد الأمومة والخصوبة والطبيعة.
- الروح (كوت): القوة الحيوية التي تسكن الكائنات الحية.
- المصير (جايان): مسار الحياة الذي تحدده القوى الكونية.
- الأجداد (أرواح الأسلاف): يلعبون دورًا مهمًا في حماية العائلة والمجتمع.
طقوس وممارسات التنغرية
- تقديم القرابين: يتم تقديم القرابين إلى تنغري والأرواح الأخرى لطلب البركة والحماية.
- الصلوات والأدعية: يتم توجيه الصلوات والأدعية إلى تنغري لطلب المساعدة والتوجيه.
- الاحتفالات والمهرجانات: يتم الاحتفال بالمناسبات الدينية والاجتماعية من خلال المهرجانات والطقوس الخاصة.
- زيارة الأماكن المقدسة: يتم زيارة الأماكن المقدسة، مثل الجبال والأشجار والأنهار، للتواصل مع القوى الروحية.
التأثيرات الثقافية للتنغرية
تركت التنغرية بصمات واضحة على الثقافة التركية والمغولية، ولا تزال آثارها تظهر في العديد من جوانب الحياة، مثل الأدب والفن والموسيقى والعادات والتقاليد.
على سبيل المثال، ألهمت التنغرية العديد من القصص والأساطير التي تتحدث عن الأبطال الخارقين والمعارك العظيمة. كما أثرت التنغرية على الفن التركي والمغولي، حيث تظهر رموز التنغرية في العديد من اللوحات والمنحوتات والمجوهرات.
بالإضافة إلى ذلك، أثرت التنغرية على العادات والتقاليد التركية والمغولية، مثل احترام كبار السن، والكرم والضيافة، وحماية البيئة.
التنغرية اليوم
على الرغم من أن التنغرية لم تعد الديانة السائدة في آسيا الوسطى، إلا أنها لا تزال موجودة في بعض المناطق، ولا تزال تمارس من قبل عدد قليل من الأشخاص. في السنوات الأخيرة، شهدت التنغرية إحياءً في بعض المناطق، حيث يسعى الناس إلى العودة إلى جذورهم الثقافية والدينية.
يعتبر البعض التنغرية بديلاً جذابًا للديانات الأخرى، لأنها تركز على الطبيعة والقيم الأخلاقية والتسامح. كما يعتبرها البعض وسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للشعوب التركية والمغولية.
خاتمة
في الختام، “تنغري” ليس مجرد اسم لإله، بل هو مصطلح يمثل نظامًا دينيًا وفلسفيًا شاملاً، أثر بشكل كبير على تاريخ وثقافة الشعوب التركية والمغولية. سواء كان يُنظر إليه على أنه إله خالق أو قوة كونية، فإن تنغري يظل رمزًا مهمًا للتراث الروحي لهذه الشعوب.