أصل التسمية والمفهوم الأساسي
تأتي تسمية “الثالثة الكبيرة السبعية” من حقيقة أنها تستند إلى سلسلة من التوافقيات الطبيعية التي يتم التعبير عنها من خلال نسبة رياضية تتضمن الرقم 7. يُشار إلى هذا النوع من النسب باسم “النسب السبعية” (Septimal ratios). على سبيل المثال، إذا كان لدينا نغمة أساسية، فإن الثالثة الكبيرة السبعية بالنسبة لهذه النغمة تقع عند تردد يعادل 9/7 من تردد النغمة الأساسية. هذا يعني أن الفاصلة أكبر قليلًا من الثالثة الكبيرة التقليدية، والتي تعتمد على نسبة 5/4 أو 8/5 في التوافقيات البحتة.
أما مصطلح “الثالثة الكبيرة الفائقة” الذي استخدمه بعض المنظرين الموسيقيين، مثل هيرمان فون هلمهولتز، فيهدف إلى إبراز الفرق بين هذه الفاصلة والثالثة الكبيرة العادية. يعكس هذا المصطلح الإحساس بأن الثالثة الكبيرة السبعية تتجاوز، أو “تفوق”، الثالثة الكبيرة التقليدية من حيث اتساعها أو طابعها الصوتي.
العلاقة بالهرمونية الطبيعية
ترتبط الثالثة الكبيرة السبعية ارتباطًا وثيقًا بالهرمونية الطبيعية (Natural harmonics). الهرمونية الطبيعية هي سلسلة من النغمات التي تنتج تلقائيًا عندما تهتز أي آلة موسيقية، مثل الوتر أو عمود الهواء في الأبواق. تتشكل هذه الهرمونية وفقًا لسلسلة من الترددات التي تتضاعف وفقًا لأعداد صحيحة بسيطة. على سبيل المثال، إذا كانت النغمة الأساسية هي 1، فإن الهرموني الثاني هو 2 (أوكتاف أعلى)، والهرموني الثالث هو 3 (خامسة مثالية فوق الأوكتاف)، وهكذا.
تظهر الثالثة الكبيرة السبعية في السلسلة الهرمونية، على الرغم من أنها لا تظهر بشكل مباشر مثل بعض الفواصل الأخرى. تنشأ الثالثة الكبيرة السبعية من خلال العلاقة بين الهرموني السابع والهرموني الرابع. هذا يوضح كيف أن هذه الفاصلة ليست مجرد بناء نظري، بل هي جزء طبيعي من الطيف الصوتي الذي يمكن أن تولده الآلات الموسيقية.
الفرق بين الثالثة الكبيرة السبعية والثالثة الكبيرة التقليدية
الفرق الأساسي بين الثالثة الكبيرة السبعية والثالثة الكبيرة التقليدية يكمن في الفاصلة الزمنية (interval) التي تحددها كل منهما. الثالثة الكبيرة التقليدية (التي غالبًا ما تستخدم في الموسيقى الغربية) تهدف إلى خلق تناغم صوتي مريح، ويتم تحقيق ذلك من خلال نسب بسيطة مثل 5/4 (في التوافقيات البحتة). الثالثة الكبيرة السبعية، من ناحية أخرى، تعتمد على نسبة 9/7، والتي تعتبر أكثر تعقيدًا من الناحية الرياضية.
يؤدي هذا الاختلاف في النسب إلى اختلافات صوتية ملحوظة. الثالثة الكبيرة السبعية تبدو أكثر انحرافًا من الثالثة الكبيرة التقليدية. إنها ليست متوافقة تمامًا مع نظام الضبط المعتدل (temperament)، مما يعني أنها قد تبدو غير منسجمة بعض الشيء في بعض السياقات. ومع ذلك، فإن هذا “النشاز” هو الذي يمنحها طابعها الفريد، ويمكن استخدامه بفعالية لخلق توتر وتعبير عاطفي.
تطبيقات الثالثة الكبيرة السبعية في الموسيقى
يتم استخدام الثالثة الكبيرة السبعية في مجموعة متنوعة من الأنماط الموسيقية والتوليفات. إليك بعض الأمثلة:
- الموسيقى العربية التقليدية: في بعض أنماط الموسيقى العربية، يمكن أن تظهر فواصل قريبة من الثالثة الكبيرة السبعية، على الرغم من أنها لا تظهر بنفس الدقة الرياضية. يعتمد الموسيقيون على نظام المقامات والأبعاد (modes) الذي يمكن أن يتضمن فواصل دقيقة وميكروتونية.
- الموسيقى المعاصرة: يستخدم بعض الملحنين المعاصرين الثالثة الكبيرة السبعية عن قصد لإضفاء طابع صوتي غير تقليدي على أعمالهم. يساعد هذا في خلق تناغمات جديدة ومثيرة للاهتمام.
- موسيقى الجاز: في موسيقى الجاز، يمكن استخدام فواصل مثل الثالثة الكبيرة السبعية كجزء من بناء الكوردات المعقدة والممتدة. هذا يضيف لونًا إضافيًا إلى التناغم.
- التجارب الصوتية: قد يستخدم بعض الباحثين في الصوتيات والمهندسين الصوتيين الثالثة الكبيرة السبعية كأداة في التجارب الصوتية، سواء في توليف الأصوات أو في تصميم آلات موسيقية جديدة.
التحديات في استخدام الثالثة الكبيرة السبعية
على الرغم من الإمكانات الإبداعية للثالثة الكبيرة السبعية، إلا أن هناك بعض التحديات في استخدامها:
- الضبط: نظرًا لأن الثالثة الكبيرة السبعية لا تتوافق تمامًا مع نظام الضبط المعتدل، فقد يكون من الصعب ضبط الآلات الموسيقية عليها بدقة. يتطلب ذلك في بعض الأحيان استخدام آلات موسيقية مصممة خصيصًا أو تعديل نظام الضبط.
- التعود: قد يحتاج المستمعون إلى بعض الوقت للتعود على صوت الثالثة الكبيرة السبعية، حيث أنها قد تبدو غريبة في البداية بسبب اختلافها عن الثالثة الكبيرة التقليدية.
- القيود التقنية: في بعض الحالات، قد تكون هناك قيود تقنية على كيفية دمج الثالثة الكبيرة السبعية في التوليف الموسيقي، خاصة عند استخدام برامج التوليف أو معالجة الصوت.
أهمية دراسة الثالثة الكبيرة السبعية
تُعد دراسة الثالثة الكبيرة السبعية مفيدة لعدة أسباب:
- توسيع الفهم الموسيقي: تساعد دراسة هذه الفاصلة على توسيع الفهم الموسيقي، وتعزيز القدرة على تحليل وتفسير التناغمات المختلفة.
- الإبداع الموسيقي: تشجع على استكشاف طرق جديدة للتأليف الموسيقي، مما يفتح الباب أمام المزيد من التجارب الصوتية والإبداعية.
- فهم التاريخ الموسيقي: تمكن من فهم أفضل لكيفية تطور الموسيقى عبر التاريخ، وكيف استخدم الملحنون فواصل مختلفة للتعبير عن مشاعر وأفكار متنوعة.
- الوعي الصوتي: تزيد الوعي بالدقة الصوتية، وتساعد على تقدير التنوع في الأصوات والأنظمة الموسيقية المختلفة.
الخلاصة
الثالثة الكبيرة السبعية هي فاصلة موسيقية مميزة تقدم نظرة فريدة في عالم التناغم. على الرغم من أنها ليست شائعة الاستخدام مثل الثالثة الكبيرة التقليدية، إلا أنها تلعب دورًا مهمًا في بعض الأنماط الموسيقية، وتعزز فهمنا للعلاقات الهارمونية المعقدة. من خلال فهم طبيعة هذه الفاصلة، يمكن للموسيقيين والباحثين تعزيز إبداعهم الموسيقي واكتشاف أبعاد جديدة في عالم الصوت.
المراجع
- Septimal major third – Wikipedia
- The Septimal Major Third: An Introduction
- Intervals in Music Theory
- Harmonic Series – sizes.com
“`