أصل كلمة البيعة ومعناها اللغوي
كلمة “بيعة” مشتقة من الفعل “باع”، وهي في اللغة تعني المبايعة والمعاهدة. وكأنّ من يبايع القائد أو الحاكم يبيع نفسه له، أي يعطيه ولاءه وطاعته. وتدل البيعة على الرضا والاختيار، والالتزام بالعهد والميثاق.
البيعة في القرآن الكريم والسنة النبوية
ورد ذكر البيعة في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها:
- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح: 10). هذه الآية تتحدث عن بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم على الموت في سبيل الله.
- قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 18). هذه الآية تؤكد على أهمية البيعة ورضا الله عن المؤمنين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي السنة النبوية، حث النبي صلى الله عليه وسلم على البيعة وأخذها من الناس، فقد بايع الرجال والنساء على الإسلام، وعلى السمع والطاعة في المعروف، وعلى عدم الشرك بالله، وعدم السرقة، وعدم الزنا، وعدم قتل الأولاد، وعدم الإتيان ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، وعدم عصيانه في معروف.
أنواع البيعة
تتنوع البيعة بحسب الغرض منها، ويمكن تقسيمها إلى الأنواع التالية:
- البيعة العامة: وهي البيعة التي يبايع فيها عموم المسلمين القائد أو الحاكم، وتعبر عن رضاهم به وقبولهم لحكمه.
- البيعة الخاصة: وهي البيعة التي يقدمها أهل الحل والعقد، وهم العلماء والوجهاء والقادة، وتعبر عن اختيارهم للقائد وترشيحهم له.
- بيعة الحرب: وهي البيعة التي يقدمها الجنود والقادة العسكريون للقائد، وتعبر عن ولائهم له والتزامهم بأوامره في الحرب.
- بيعة النساء: وهي البيعة التي يقدمها النساء للقائد، وتعبر عن التزامهن بأحكام الإسلام، وطاعته في المعروف.
شروط البيعة
يشترط في البيعة أن تكون صحيحة ومقبولة عدة شروط، منها:
- الرضا والاختيار: يجب أن تكون البيعة عن رضا واختيار من المبايع، دون إكراه أو إجبار.
- الأهلية: يجب أن يكون المبايع أهلاً للبيعة، بأن يكون بالغًا عاقلًا.
- المبايع له: يجب أن يكون المبايع له أهلاً للإمامة أو القيادة، بأن يكون مسلمًا عدلًا عالمًا شجاعًا قادرًا على القيام بأعباء الحكم.
- المعروف: يجب أن تكون البيعة على المعروف، أي على الالتزام بأحكام الإسلام، وطاعة القائد في المعروف.
- الإعلان: يجب أن تكون البيعة علنية، حتى يعلم بها الناس، ويكونوا على بينة من أمرهم.
أهمية البيعة
تكمن أهمية البيعة في:
- تحقيق الوحدة والتماسك: البيعة توحد المسلمين حول قائد واحد، وتزيل أسباب الفرقة والخلاف.
- تحقيق الاستقرار السياسي: البيعة تمنح القائد الشرعية اللازمة لحكمه، وتمنع الفوضى والاضطرابات.
- تحقيق العدل والأمن: البيعة تلزم القائد بالعدل والأمن، وتمنعه من الظلم والاستبداد.
- تحقيق التقدم والازدهار: البيعة توفر بيئة مناسبة للعمل والإنتاج، وتحفز على التقدم والازدهار.
- الحفاظ على الدين: البيعة تساعد على الحفاظ على الدين، وحمايته من الأعداء والمتربصين.
البيعة في التاريخ الإسلامي
لعبت البيعة دورًا هامًا في التاريخ الإسلامي، فمن خلالها تم اختيار الخلفاء الراشدين، وغيرهم من القادة والزعماء. وكانت البيعة تعبر عن رضا المسلمين بقادتهم، والتزامهم بنصرتهم والسمع والطاعة لهم في المعروف. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- بيعة أبي بكر الصديق: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة، وبايعوا أبا بكر الصديق خليفة للمسلمين.
- بيعة عمر بن الخطاب: قبل وفاة أبي بكر الصديق، أوصى بأن يكون عمر بن الخطاب خليفة للمسلمين، فبايعه الصحابة.
- بيعة عثمان بن عفان: بعد وفاة عمر بن الخطاب، اجتمع أهل الشورى، واختاروا عثمان بن عفان خليفة للمسلمين، فبايعه الصحابة.
- بيعة علي بن أبي طالب: بعد مقتل عثمان بن عفان، بايع أهل المدينة علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين.
- بيعة عبد الملك بن مروان: بعد صلح الحسن بن علي مع معاوية بن أبي سفيان، انتقلت الخلافة إلى بني أمية، وبايع الناس عبد الملك بن مروان خليفة للمسلمين.
البيعة في العصر الحديث
في العصر الحديث، لا تزال البيعة تلعب دورًا هامًا في بعض الدول الإسلامية، حيث يتم من خلالها اختيار القادة والزعماء. ولكن، تختلف طرق البيعة وأساليبها باختلاف الأنظمة السياسية والثقافية.
ويرى بعض العلماء والمفكرين أن البيعة في العصر الحديث يجب أن تتوافق مع مبادئ الديمقراطية والشورى، وأن تكون عن طريق الانتخاب الحر والمباشر، وأن يكون للقائد المنتخب سلطات محددة، وأن يخضع للمساءلة والمحاسبة.
مخالفة البيعة ونكثها
تعتبر مخالفة البيعة ونكثها من الأمور المحرمة في الإسلام، لأنها تعتبر نقضًا للعهد والميثاق، وخيانة للأمانة. وقد حذر القرآن الكريم والسنة النبوية من مخالفة البيعة ونكثها، وتوعدا فاعلها بالعذاب الشديد.
ولكن، يجوز مخالفة البيعة ونكثها في حالات معينة، مثل:
- إذا ارتكب القائد كفرًا بواحًا، أو ظلمًا فاحشًا، أو فسقًا ظاهرًا.
- إذا عجز القائد عن القيام بأعباء الحكم، أو فقد أهليته.
- إذا استبد القائد بالحكم، ولم يستشر المسلمين.
وفي هذه الحالات، يجوز للمسلمين أن يخلعوا القائد، وأن يبايعوا قائدًا آخر، بشرط أن يكون ذلك عن طريق أهل الحل والعقد، وبطريقة سلمية، دون إراقة للدماء، أو إحداث للفتنة.
آداب البيعة
هناك العديد من الآداب التي ينبغي مراعاتها عند البيعة، ومنها:
- الإخلاص لله تعالى: يجب أن تكون البيعة خالصة لوجه الله تعالى، لا رياء ولا سمعة.
- الصدق والوفاء: يجب أن يكون المبايع صادقًا في بيعته، وفيًا بعهده.
- السمع والطاعة في المعروف: يجب على المبايع أن يسمع ويطيع للقائد في المعروف، لا في المعصية.
- النصح والإرشاد: يجب على المبايع أن ينصح القائد ويرشده إلى الخير، وأن يحذره من الشر.
- الدعاء للقائد: يجب على المبايع أن يدعو للقائد بالتوفيق والسداد، وأن يعينه على القيام بأعباء الحكم.
خاتمة
البيعة هي عهد وولاء وطاعة يقدمه الأفراد أو الجماعات لقائد أو حاكم، مع الالتزام بنصرته والسمع والطاعة له في المعروف. تعتبر البيعة من أهم الأسس التي تقوم عليها الدولة والمجتمع في الإسلام، حيث تعبر عن رضا الأفراد واختيارهم للقائد، وتمنحه الشرعية اللازمة لحكمهم. ويجب أن تكون البيعة صحيحة ومقبولة، وأن تتوافر فيها الشروط اللازمة، وأن يلتزم المبايع بآدابها. ومخالفة البيعة ونكثها من الأمور المحرمة في الإسلام، إلا في حالات معينة.