نشأته وتعليمه
ولد ميخايلو ماركوفيتش في بلغراد، يوغوسلافيا (صربيا حاليًا). أكمل دراسته في الفلسفة في جامعة بلغراد، حيث حصل على الدكتوراه في عام 1955. خلال دراسته، تأثر بالفكر الماركسي، لكنه سرعان ما بدأ في تطوير رؤيته النقدية الخاصة للماركسية الأرثوذكسية. بعد حصوله على الدكتوراه، واصل ماركوفيتش دراساته في لندن وباريس، حيث تعرض لأفكار فلسفية مختلفة، بما في ذلك الوجودية والبنيوية.
مدرسة بلغراد البراكسيسية
كان ماركوفيتش أحد الشخصيات المركزية في مدرسة بلغراد البراكسيسية، وهي مجموعة من الفلاسفة وعلماء الاجتماع اليوغوسلافيين الذين سعوا إلى تطوير ماركسية إنسانية تركز على الممارسة العملية (البراكسيس) والتحرر البشري. انتقدت المدرسة البراكسيسية بشدة البيروقراطية والمركزية في الأنظمة الاشتراكية القائمة، ودعت إلى نظام اشتراكي أكثر ديمقراطية وإنسانية.
تعتبر مجلة “Praxis” (الممارسة)، التي تم نشرها من قبل المجموعة، منبراً هاماً لتبادل الأفكار بين المفكرين الماركسيين من مختلف أنحاء العالم. لعب ماركوفيتش دورًا رئيسيًا في تحرير المجلة والمساهمة فيها بمقالات وأبحاث هامة.
أفكاره الفلسفية
ركزت فلسفة ماركوفيتش على عدة مواضيع رئيسية، بما في ذلك:
- الإنسان والحرية: أكد ماركوفيتش على أهمية الحرية الفردية والإبداع البشري كقيم أساسية. اعتقد أن الهدف من الاشتراكية يجب أن يكون تحرير الإنسان من جميع أشكال القمع والاستغلال، وتمكينه من تحقيق إمكاناته الكاملة.
- الممارسة (البراكسيس): شدد ماركوفيتش على أهمية الممارسة العملية في تغيير المجتمع. اعتقد أن الفلسفة يجب أن تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعمل الاجتماعي والسياسي، وأن المفكرين يجب أن يشاركوا بنشاط في النضال من أجل العدالة الاجتماعية.
- النقد الاجتماعي: قدم ماركوفيتش نقدًا لاذعًا للبيروقراطية والمركزية في الأنظمة الاشتراكية القائمة. جادل بأن هذه الأنظمة غالبًا ما تؤدي إلى قمع الحريات الفردية وخنق الإبداع البشري.
- الماركسية الإنسانية: سعى ماركوفيتش إلى تطوير ماركسية إنسانية تتجاوز الماركسية الأرثوذكسية، التي اعتبرها جامدة وحتمية. اعتقد أن الماركسية يجب أن تكون منفتحة على الأفكار الجديدة وأن تركز على القيم الإنسانية الأساسية.
مؤلفاته
نشر ماركوفيتش العديد من الكتب والمقالات الهامة، بما في ذلك:
- الجدلية والوجود (Dialectical Theory of Meaning): يعتبر هذا الكتاب من أهم أعماله المبكرة، حيث يقدم فيه تحليلاً شاملاً للجدل وعلاقته بالوجود والوعي.
- الإنسان والقيم (Humanism and Dialectic): يستكشف هذا الكتاب العلاقة بين الإنسانية والجدل، ويدافع عن رؤية إنسانية للاشتراكية.
- فلسفة الثورة (Philosophy of Revolution): يقدم هذا الكتاب تحليلاً فلسفياً للثورة وعلاقتها بالتحرر البشري.
- الاغتراب والوجود (Alienation and Social Philosophy): يتناول هذا الكتاب موضوع الاغتراب وعلاقته بالفلسفة الاجتماعية.
- الشرق والغرب (Yugoslavia: The Rise and Fall of Socialist Humanism: A Reader): يحلل هذا الكتاب صعود وسقوط الإنسانية الاشتراكية في يوغوسلافيا.
التأثير والنقد
كان لميخايلو ماركوفيتش تأثير كبير على الفكر الفلسفي والاجتماعي في يوغوسلافيا وخارجها. ألهمت أفكاره العديد من الحركات الاجتماعية والسياسية التي سعت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر البشري. ومع ذلك، تعرضت أفكاره أيضًا للنقد من قبل الماركسيين الأرثوذكس الذين اتهموه بالانحراف عن المبادئ الأساسية للماركسية.
في يوغوسلافيا، واجه ماركوفيتش صعوبات بسبب انتقاده للنظام السياسي. تم فصله من منصبه في الجامعة في عام 1975 وتم منعه من النشر لعدة سنوات. ومع ذلك، استمر في الكتابة والنشر في الخارج، وظل صوتًا هامًا في النقد الاجتماعي والفلسفي.
مشاركته السياسية
بالإضافة إلى عمله الفلسفي، كان ماركوفيتش نشطًا في السياسة. في التسعينيات، شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الصربي، الذي سعى إلى تعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في صربيا.
خلال حرب البوسنة، أثار ماركوفيتش جدلاً بسبب مواقفه القومية. دافع عن مصالح الصرب في البوسنة واتهم المجتمع الدولي بالتحيز ضدهم. أدت هذه المواقف إلى انتقادات حادة من قبل بعض زملائه السابقين وأنصاره.
السنوات الأخيرة
في السنوات الأخيرة من حياته، استمر ماركوفيتش في الكتابة والنشر. ركز بشكل خاص على قضايا العولمة والهوية الوطنية. توفي في بلغراد في 7 فبراير 2010 عن عمر يناهز 86 عامًا.
إرثه
لا يزال ميخايلو ماركوفيتش شخصية مثيرة للجدل، لكن لا يمكن إنكار تأثيره على الفكر الفلسفي والاجتماعي. تظل أفكاره حول الحرية الفردية والإبداع البشري والنقد الاجتماعي ذات صلة اليوم، وتستمر في إلهام المفكرين والناشطين في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
كان ميخايلو ماركوفيتش فيلسوفًا صربيًا بارزًا، اشتهر بكونه أحد أبرز منظري مدرسة بلغراد البراكسيسية. تميزت أفكاره بالجمع بين التحليل الماركسي للمجتمع والتأكيد على الحرية الفردية والإبداع البشري. على الرغم من الجدل الذي أثارته بعض مواقفه السياسية، إلا أن إرثه الفكري يظل هامًا ومؤثرًا، ولا تزال أفكاره تلهم المفكرين والناشطين الساعين إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر البشري.