متى 10:5 (Matthew 10:5)

السياق العام

يأتي متى 10:5 في سياق أوسع، وهو الفصل العاشر من إنجيل متى. في هذا الفصل، يقوم يسوع باستدعاء تلاميذه الاثني عشر ويمنحهم السلطة لطرد الأرواح الشريرة وشفاء الأمراض. يجهزهم يسوع لمهمة الذهاب إلى “خراف إسرائيل الضالة” (متى 10:6). هذا يمثل نقطة تحول في خدمة يسوع، حيث يوسع نطاق عمله ليشمل تلاميذه.

الآية 5: النص والتفسير

نص متى 10:5 في الترجمة العربية هو: “هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: «إلى طريق الأمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا».”

لنفصل هذا النص إلى عدة نقاط رئيسية:

  • “هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع”: يشير هذا إلى التلاميذ الاثني عشر الذين اختارهم يسوع. يمثلون الأساس الذي ستبنى عليه الكنيسة. إرسالهم يعني تفويضهم بمهمة محددة.
  • “وأوصاهم قائلاً”: يوضح هذا أن يسوع يقدم لهم تعليمات وتوجيهات مهمة قبل إرسالهم. هذه التوجيهات تحدد نطاق مهمتهم الأولية.
  • “إلى طريق الأمم لا تمضوا”: هذا هو توجيه مقيد، يشير إلى أن التلاميذ في هذه المرحلة يجب ألا يذهبوا إلى الأمم (غير اليهود). هذا التقييد يعكس تركيز يسوع الأولي على إسرائيل.
  • “وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا”: السامريون كانوا يعيشون في منطقة بين اليهود، وكانوا يعتبرون من قبل اليهود أجانبًا بسبب اختلافاتهم الدينية والثقافية. منعهم من الدخول إلى مدن السامريين يعكس نفس التركيز الأولي على اليهود.

يوضح هذا النص بوضوح أن مهمة التلاميذ الأولية كانت موجهة خصيصًا إلى اليهود. هذا لا يعني أن يسوع استبعد الأمم والسامريين بشكل دائم، بل يشير إلى ترتيب زمني وتركيز استراتيجي. يظهر هذا في إنجيل متى نفسه، حيث يأمر يسوع تلاميذه في وقت لاحق بالذهاب إلى جميع الأمم (متى 28:19).

الأهمية اللاهوتية

متى 10:5 يحمل أهمية لاهوتية عميقة:

  • التركيز على إسرائيل: يعكس هذا النص تركيز يسوع الأولي على الشعب اليهودي، تحقيقًا للوعود الواردة في العهد القديم. يعتبر هذا جزءًا من خطة الله للخلاص.
  • التمهيد للإرسالية العالمية: على الرغم من التقييد الأولي، إلا أن هذا النص يمثل خطوة أولى نحو الإرسالية العالمية للكنيسة. يمهد هذا الترتيب الزمني الطريق لإعلان الإنجيل لجميع الأمم.
  • طبيعة القيادة: يظهر هذا النص طبيعة قيادة يسوع، حيث يختار ويجهز ويرسل تلاميذه. يوضح هذا نموذجًا للقيادة المسيحية.
  • التبشير المحدد: يوضح هذا النص أهمية التبشير المحدد والموجه. يوجه يسوع تلاميذه إلى جمهور معين في البداية، مما يدل على أهمية التخطيط والتركيز في نشر الرسالة.

تطبيقات عملية

على الرغم من أن التقييد الوارد في متى 10:5 يتعلق بمهمة التلاميذ الأولية، إلا أنه يمكن استخلاص بعض التطبيقات العملية:

  • التركيز على الجماعة: يمكن للمؤمنين أن يتعلموا من هذا النص أهمية التركيز على جماعات معينة في البداية، والعمل على بناء قاعدة صلبة قبل التوسع.
  • التخطيط الاستراتيجي: يعلم هذا النص أهمية التخطيط الاستراتيجي في نشر الإنجيل، وتحديد الجمهور المستهدف.
  • الأولوية في الخدمة: يمكن للمؤمنين أن يتعلموا من هذا النص أهمية تحديد الأولويات في الخدمة، والتركيز على المهام الأكثر إلحاحًا في البداية.

العلاقة بالنصوص الأخرى

لفهم متى 10:5 بشكل كامل، من الضروري النظر في علاقته بالنصوص الأخرى في الكتاب المقدس:

  • متى 28:19-20: في هذا النص، يوصي يسوع تلاميذه بالذهاب إلى جميع الأمم، مما يمثل توسعًا في نطاق مهمتهم. هذا يوضح أن التقييد الأولي في متى 10:5 كان مؤقتًا.
  • أعمال الرسل 1:8: في هذا النص، يقول يسوع لتلاميذه أنهم “سوف ينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض”. هذا النص يوضح تسلسل انتشار الإنجيل من أورشليم إلى العالم بأسره، وهو يتماشى مع التوجيهات في متى 10:5.
  • رسالة رومية: في رسالة بولس إلى أهل رومية، يؤكد بولس على أهمية الإنجيل لليهود والأمم على حد سواء.

من خلال النظر في هذه النصوص، يمكننا أن نفهم أن متى 10:5 يمثل جزءًا من خطة الله الأكبر للخلاص، والتي بدأت بالتركيز على إسرائيل ثم امتدت إلى العالم بأسره.

التحديات والأسئلة

يثير متى 10:5 بعض التحديات والأسئلة:

  • لماذا التركيز على إسرائيل في البداية؟ يرجع ذلك إلى الوعود التي قطعها الله لإبراهيم وذريته، والتي كانت جزءًا من خطة الله للخلاص.
  • هل يعني هذا أن الأمم كانوا مستبعدين؟ لا، بل كان هذا مجرد ترتيب زمني. في وقت لاحق، أوصى يسوع تلاميذه بالذهاب إلى جميع الأمم.
  • كيف يجب على المؤمنين أن يفهموا هذه الآية اليوم؟ يجب أن يفهموا أهمية التخطيط الاستراتيجي والتركيز في الخدمة، مع إدراك أن رسالة الإنجيل موجهة إلى جميع الناس.

المقارنة مع الأناجيل الأخرى

من المفيد مقارنة متى 10:5 مع النصوص الموازية في الأناجيل الأخرى:

  • مرقس 6:7-13: يروي مرقس إرسال التلاميذ الاثني عشر، ولكنه لا يذكر نفس القيود التي ذكرت في متى 10:5.
  • لوقا 9:1-6: يروي لوقا إرسال التلاميذ، ولكنه أيضًا لا يذكر نفس القيود.

هذه الاختلافات الطفيفة في الروايات تبرز أهمية دراسة السياق العام لكل إنجيل وفهم وجهة نظر الكاتب.

التأثير على الكنيسة المبكرة

أثرت توجيهات يسوع في متى 10:5 بشكل كبير على الكنيسة المبكرة:

  • التبشير في أورشليم واليهودية: تبعت الكنيسة المبكرة توجيهات يسوع من خلال التركيز على التبشير في أورشليم واليهودية أولاً.
  • التحول التدريجي إلى الأمم: مع انتشار الإنجيل، بدأت الكنيسة في التوسع ليشمل الأمم، كما يتضح من قصة تحول الأمم في سفر أعمال الرسل.
  • الصراع حول الختان: واجهت الكنيسة بعض الصعوبات في قبول الأمم، كما يتضح من الصراع حول الختان في الكنيسة المبكرة.

يوضح هذا أن توجيهات يسوع في متى 10:5 لم تكن مجرد توجيهات لحظية، بل شكلت الأساس لانتشار الإنجيل في جميع أنحاء العالم.

التفسيرات التاريخية

قدم العديد من العلماء تفسيرات تاريخية لمتى 10:5:

  • التركيز على يهودية يسوع: يرى بعض العلماء أن هذا النص يعكس تركيز يسوع على كونه يهوديًا، ورغبته في تحقيق وعود العهد القديم لشعبه.
  • الاستراتيجية التبشيرية: يرى آخرون أن هذا النص يعكس استراتيجية تبشيرية، حيث كان يسوع يهدف إلى بناء قاعدة قوية في إسرائيل قبل التوسع إلى الأمم.
  • تأثير الأدب اليهودي: يقترح بعض العلماء أن هذا النص قد تأثر بالأدب اليهودي في ذلك الوقت، والذي غالبًا ما كان يركز على إسرائيل كشعب الله المختار.

تساعدنا هذه التفسيرات على فهم السياق التاريخي والثقافي الذي كتب فيه إنجيل متى.

الرسالة الروحية

بغض النظر عن التفسيرات التاريخية، تحمل متى 10:5 رسالة روحية قوية:

  • الطاعة: يدعو هذا النص المؤمنين إلى الطاعة لتوجيهات الله، حتى لو كانت تبدو مقيدة في البداية.
  • الصبر: يدعو هذا النص المؤمنين إلى الصبر، مع إدراك أن خطة الله تتكشف على مراحل.
  • الرؤية العالمية: يدعو هذا النص المؤمنين إلى تبني رؤية عالمية، مع إدراك أن رسالة الإنجيل موجهة إلى جميع الناس.

تعلمنا هذه الرسالة أن نثق في قيادة الله وأن نكون مستعدين لاتباع توجيهاته، حتى لو كانت مختلفة عما نتوقعه.

خاتمة

متى 10:5 هو نص محوري في إنجيل متى يقدم توجيهات واضحة لتلاميذ يسوع قبل إرسالهم في مهمتهم. يركز النص على توجيههم إلى “خراف إسرائيل الضالة” في البداية، مما يعكس تركيز يسوع الأولي على الشعب اليهودي. ومع ذلك، يمهد هذا الترتيب الطريق للإرسالية العالمية للكنيسة، كما يتضح من النصوص الأخرى في العهد الجديد. يحمل هذا النص أهمية لاهوتية وعملية عميقة، ويدعو المؤمنين إلى الطاعة والصبر والرؤية العالمية في خدمتهم.

المراجع

“`