السياق العام
يبدأ إنجيل متى بسرد نسب يسوع، ثم يركز على ولادته وحياته المبكرة. يتبع ذلك موعظة يسوع على الجبل، والتي تقدم تعاليمه الأخلاقية والروحية الأساسية. في الفصل العاشر، يوجه يسوع تلاميذه الاثني عشر، ويعطيهم السلطة لطرد الأرواح الشريرة وشفاء المرضى، ويرسلهم في مهمة تبشيرية في إسرائيل. هذا الإرسال هو السياق المباشر لمتى 10:3.
في هذا السياق، يختار يسوع تلاميذه، ويسمي أسماءهم بشكل قاطع. يمثل هذا الاختيار وبدء المهمة نقطة تحول هامة في الرواية. يوضح هذا الفصل الانتقال من فترة تعليم يسوع العامة إلى مرحلة أكثر تركيزًا على تلاميذه. يعلمهم ويوجههم، ويبين لهم كيفية تنفيذ عمله.
تحليل الآية (متى 10:3)
يقول متى 10:3:
“فيلبس وبَرْثَلومَايُس وتوما ومتى العشار، ولبايوس المُلَقَّب تَدَّاؤس، وسمعان القانَوي.”
تشير هذه الآية إلى ذكر أسماء ستة من تلاميذ يسوع. تقدم الآية قائمة بأسماء التلاميذ، وتقدم كل اسم كجزء من قائمة أطول، وتبدأ بالقائمة الكاملة في الآيتين 2 و 3 من الإصحاح العاشر من إنجيل متى. هذه الأسماء لها أهمية كبيرة لأنها تحدد الأشخاص الذين تم اختيارهم بشكل مباشر للعمل مع يسوع، والذين سيصبحون قادة الكنيسة المسيحية المبكرة. إن ذكر الأسماء بحد ذاته له أهمية كبيرة؛ إذ يؤكد على الطبيعة الشخصية والخاصة لدعوة يسوع.
دعونا نلقي نظرة على كل اسم من هذه الأسماء:
- فيلبس: كان فيلبس واحدًا من أوائل الذين تبعوا يسوع. يظهر في الأناجيل كشخص نشط في جلب الآخرين إلى يسوع، بما في ذلك نثنائيل (يوحنا 1:43-46).
- بَرْثَلومَايُس: يُعتقد عمومًا أنه نفس الشخص المسمى نثنائيل في إنجيل يوحنا. يظهر في إنجيل يوحنا كشخص صادق ومتعطش للحق.
- توما: اشتهر توما بشكه، ولكنه في النهاية اعترف بإيمان يسوع بعد قيامته (يوحنا 20:24-29). يُعرف أيضًا باسم “توما التوأم”.
- متى العشار: هو كاتب هذا الإنجيل. كان يعمل كجابي ضرائب قبل أن يتبعه يسوع. يُظهر ذكره قدرة يسوع على قبول الناس من جميع مناحي الحياة.
- لبايوس المُلَقَّب تَدَّاؤُس: يُعرف أيضًا باسم يهوذا، ليس يهوذا الإسخريوطي.
- سمعان القانَوي: يُذكر أيضًا باسم سمعان الغيور. قد يشير هذا إلى انتمائه إلى حزب سياسي ثوري كان يهدف إلى الإطاحة بالحكم الروماني.
إن وجود هذه الأسماء في قائمة واحدة يمثل وحدة التلاميذ في مهمتهم المشتركة. على الرغم من اختلاف خلفياتهم وشخصياتهم، فقد اختارهم يسوع للعمل معًا وبناء كنيسته. تُظهر هذه القائمة أن يسوع اختار أشخاصًا من خلفيات متنوعة، مما يدل على أن دعوته مفتوحة للجميع.
الأهمية اللاهوتية
تُظهر هذه الآية عدة جوانب لاهوتية هامة:
- الاختيار الإلهي: إن ذكر أسماء التلاميذ هو دليل على اختيار الله وسيادته. لقد اختار يسوع هؤلاء الرجال بشكل خاص ليتبعوه وليكونوا قادة في ملكوته.
- التحول: إن اختيار متى العشار يمثل قوة الإنجيل في تغيير حياة الناس. لقد تحول متى من جابي ضرائب مكروه إلى تلميذ ليسوع، وهو مثال على قدرة الإنجيل على التغيير.
- الوحدة في التنوع: على الرغم من اختلاف خلفياتهم، فقد دعاهم يسوع جميعًا للوحدة في خدمته.
- السلطة والتبشير: إرسال التلاميذ يمثل بداية لخدمة تبشيرية واسعة.
المقارنة مع الإنجيل الأخرى
تذكر الأناجيل الأخرى، مرقس ولوقا، قائمة بأسماء التلاميذ الاثني عشر. على الرغم من وجود بعض الاختلافات في ترتيب الأسماء، إلا أن القوائم تتفق بشكل عام. على سبيل المثال، في مرقس 3:16-19، تتشابه الأسماء مع تلك المذكورة في متى، مع بعض الاختلافات الطفيفة في الترتيب. في لوقا 6:13-16، تظهر قائمة أخرى مشابهة. هذا يدل على أن الروايات الإنجيلية الثلاثة (متى ومرقس ولوقا، المعروفة مجتمعة باسم الأناجيل المتزامنة) تشترك في نفس الأساس التاريخي والأحداث الرئيسية في حياة يسوع.
الاختلافات في ترتيب الأسماء قد تشير إلى وجهات نظر مختلفة للمؤلفين، أو إلى اختلافات في المصادر التي استخدموها. ومع ذلك، فإن الإجماع العام على أسماء التلاميذ يؤكد على أهمية هؤلاء الرجال في تاريخ المسيحية.
التأثير على القارئ
يُمكن أن يكون لهذا المقطع تأثير كبير على القارئ، خاصةً في سياق قراءة الكتاب المقدس. إنه يذكّرنا بما يلي:
- أهمية العلاقة الشخصية مع يسوع: إن اختيار أسماء معينة يدل على أن يسوع يهتم بكل شخص على حدة.
- القدرة على التغيير: قصة متى تعلمنا أن التغيير ممكن، وأنه لا يوجد أحد بعيد عن نعمة الله.
- أهمية الوحدة في الإيمان: على الرغم من اختلافاتنا، يمكننا أن نعمل معًا لتحقيق هدف مشترك.
- الحث على التبشير: يمثل إرسال التلاميذ دعوة لنا جميعًا لمشاركة الإنجيل مع الآخرين.
هذا المقطع يذكرنا أيضًا بأن الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب تاريخي، بل هو دعوة شخصية لنا للرد على دعوة الله في حياتنا.
السياق الثقافي والتاريخي
لفهم متى 10:3 بشكل كامل، من الضروري النظر في السياق الثقافي والتاريخي في زمن يسوع. كان المجتمع اليهودي في القرن الأول متنوعًا، مع العديد من المجموعات السياسية والدينية المختلفة. كان الحكم الروماني يمثل تحديًا مستمرًا، وكان هناك توتر بين اليهودية التقليدية والتأثيرات الهيلينية.
إن اختيار يسوع لتلاميذه من خلفيات متنوعة يعكس قدرته على تجاوز الحواجز الثقافية والاجتماعية. كما أن إرسالهم في مهمة تبشيرية كان يمثل تحديًا للسلطات الدينية والسياسية في ذلك الوقت.
إن معرفة هذه الخلفية تساعدنا على فهم التحديات التي واجهها التلاميذ، وكيف أن عملهم كان له تأثير كبير على العالم من حولهم.
الرسالة الأساسية
الرسالة الأساسية لمتى 10:3 هي أن الله يدعو الناس من جميع مناحي الحياة، ويمنحهم القوة والقدرة على تغيير العالم من حولهم. هذه الآية تؤكد على أهمية الإيمان، والطاعة، والعمل معًا كجسد واحد. إنها تذكرنا بأننا لسنا وحدنا في رحلتنا الروحية، وأن الله معنا دائمًا.
إن اختيار يسوع لتلاميذه هو نموذج لنا جميعًا. إنه يدعونا إلى أن نتبعه، وأن نخدم الآخرين، وأن نشارك الإنجيل مع العالم. إن متى 10:3 هو تذكير قوي لنا بأننا جزء من قصة أكبر، وأن لدينا دورًا نلعبه في تحقيق ملكوت الله على الأرض.
تطبيقات معاصرة
لا يزال لمتى 10:3 صدى في عصرنا الحديث. يمكننا تطبيق الدروس المستفادة من هذا المقطع في حياتنا اليومية بطرق عديدة:
- التعاون: يجب أن نتعلم كيف نعمل مع الآخرين، بغض النظر عن اختلافاتنا.
- الخدمة: يجب أن نكرس أنفسنا لخدمة الآخرين، كما فعل التلاميذ.
- التغيير: يجب أن نؤمن بأن التغيير ممكن، وأن نسعى جاهدين لنكون أفضل الناس.
- المشاركة: يجب أن نشارك إيماننا مع الآخرين، ونساعدهم على الاقتراب من الله.
إن قراءة وفهم متى 10:3 يمكن أن تساعدنا على أن نصبح مسيحيين أفضل، وأشخاصًا أفضل بشكل عام.
خاتمة
متى 10:3 هي آية بسيطة، لكنها تحمل في طياتها معاني عميقة. إنها تذكّرنا بأهمية اختيار الله، وقدرته على تغيير حياة الناس، وأهمية الوحدة في التنوع. إنها تدعونا إلى أن نتبع يسوع، وأن نخدم الآخرين، وأن نشارك الإنجيل مع العالم. هذه الآية هي جزء من قصة أكبر، وهي قصة الإيمان والأمل والحب. إنها قصة لا تزال تتردد صداها في قلوب المؤمنين في جميع أنحاء العالم.