نشأته وتعليمه
نشأ سكريبنر في مدينة نيويورك، وتلقى تعليمه في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حيث حصل على درجة البكالوريوس في عام 1942. بعد ذلك، التحق بكلية الطب بجامعة ستانفورد، وحصل على شهادة الدكتوراه في الطب عام 1946. أكمل تدريبه في الطب الباطني في مستشفى سياتل العام، حيث طور اهتماماً خاصاً بأمراض الكلى.
ريادته في غسيل الكلى
كانت الفترة التي سبقت عمل سكريبنر فترة صعبة بالنسبة للمرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي. لم يكن هناك علاج فعال للحالات المزمنة، وكان المرضى يعتمدون على العلاجات الداعمة، والتي غالباً ما كانت غير كافية. في أوائل الستينيات، بدأ سكريبنر وزملاؤه في تطوير أول آلة غسيل كلى عملية ومتاحة على نطاق واسع.
كانت إحدى أكبر تحديات سكريبنر هي إيجاد طريقة موثوقة للوصول إلى الدورة الدموية للمريض بشكل متكرر. في ذلك الوقت، كان الوصول إلى الأوعية الدموية يمثل مشكلة كبيرة. قام سكريبنر، بالتعاون مع المهندس ويليام كوينتون، بتطوير تحويلة سكرينر-كوينتون، وهي جهاز يسمح بالوصول المتكرر إلى الدورة الدموية عن طريق ربط شريان وريد تحت الجلد. هذا الاختراع كان بمثابة اختراق حاسم، لأنه سمح للمرضى بالخضوع لجلسات غسيل الكلى بانتظام.
في عام 1960، بدأ سكريبنر وفريقه في مستشفى سياتل العام في إجراء غسيل الكلى على المرضى المصابين بالفشل الكلوي المزمن. كان هذا بمثابة بداية حقبة جديدة في علاج أمراض الكلى، حيث أتاح لآلاف المرضى البقاء على قيد الحياة والازدهار.
تأثيره على رعاية المرضى
لم يكن اختراع سكريبنر لغسيل الكلى مجرد تقدم طبي؛ بل كان تغييراً جذرياً في رعاية المرضى. قبل ذلك، كان الفشل الكلوي بمثابة حكم بالإعدام. بفضل غسيل الكلى، أصبح لدى المرضى أمل في حياة أطول وأكثر صحة. أصبحوا قادرين على العودة إلى العمل، والذهاب إلى المدرسة، وقضاء الوقت مع عائلاتهم.
أدرك سكريبنر أيضاً أهمية الرعاية المستمرة لمرضى الكلى. أسس سكريبنر برنامج غسيل الكلى المستمر، وهو برنامج يوفر الرعاية الشاملة للمرضى، بما في ذلك غسيل الكلى، ونظام غذائي خاص، ورعاية نفسية واجتماعية. كان هذا النموذج بمثابة سابقة للعديد من برامج رعاية الكلى الأخرى التي تلت ذلك.
إسهاماته الإضافية
بالإضافة إلى عمله الرائد في غسيل الكلى، ساهم سكريبنر أيضاً في العديد من المجالات الأخرى في طب الكلى. كان رائداً في استخدام غسيل الكلى البريتوني، وهو نوع من غسيل الكلى يستخدم بطانة البطن لتصفية الدم. كما أجرى أبحاثاً حول أسباب وعلاج أمراض الكلى، وساعد في تدريب أجيال من أطباء الكلى.
كان سكريبنر مدافعاً قوياً عن حقوق المرضى. آمن بأن جميع المرضى، بغض النظر عن خلفيتهم الاقتصادية أو الاجتماعية، يجب أن يتمكنوا من الحصول على أفضل رعاية طبية ممكنة. لقد عمل بلا كلل لضمان حصول المرضى على العلاج الذي يحتاجونه، وكان صوته مسموعاً في السياسات الصحية على المستوى الوطني.
الجوائز والتكريمات
حصل بلدينج سكريبنر على العديد من الجوائز والتكريمات على مدار حياته المهنية، تقديراً لعمله الرائد في مجال طب الكلى. من بين هذه الجوائز:
- جائزة لاسكر-ديبيكي للبحوث الطبية السريرية (1979)
- جائزة إيرفينغ إس. كوبر (1982)
- وسام الشرف من الجمعية الوطنية للكلى (1996)
إرثه
يُذكر بلدينج هيبارد سكريبنر كواحد من أهم الشخصيات في تاريخ طب الكلى. كان عمله الرائد في غسيل الكلى بمثابة تحول في رعاية المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى. لقد أتاح لآلاف الأشخاص فرصة العيش لفترة أطول وأكثر صحة، وترك إرثاً دائماً في مجال الرعاية الصحية.
ساهم سكريبنر في تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع الفشل الكلوي، وساعد على خلق أمل جديد للمرضى في جميع أنحاء العالم. لقد أحدثت رؤيته وشغفه بالتميز تغييراً حقيقياً في حياة الكثيرين. إرثه لا يزال مستمراً في التأثير على أطباء الكلى والباحثين والمرضى حتى يومنا هذا.
التحديات الأخلاقية والاجتماعية
لم يكن إدخال غسيل الكلى مجرد تقدم طبي، بل أثار أيضاً تحديات أخلاقية واجتماعية جديدة. في البداية، كان غسيل الكلى مكلفاً ومحدوداً. كان على الأطباء اتخاذ قرارات صعبة بشأن من يجب عليه الحصول على العلاج. أدى هذا إلى نقاشات حادة حول العدالة في الرعاية الصحية.
لحل هذه المشكلة، ساهم سكريبنر في تأسيس لجنة غسيل الكلى في سياتل، وهي أول لجنة من نوعها في الولايات المتحدة. تهدف هذه اللجنة إلى اتخاذ قرارات بشأن من يحصل على العلاج بناءً على مجموعة من المعايير الطبية والاجتماعية. أصبحت هذه اللجنة نموذجاً للجان مماثلة في جميع أنحاء العالم.
تطوير تقنيات غسيل الكلى
على الرغم من أن تحويلة سكريبنر-كوينتون كانت بمثابة اختراق، إلا أنها لم تكن مثالية. كان على المرضى الخضوع لعملية جراحية لوضع التحويلة، وكانت عرضة للعدوى والجلطات الدموية. على مر السنين، تم تطوير تقنيات جديدة لتحسين الوصول إلى الدورة الدموية. يتضمن ذلك القسطرة الوريدية المركزية والناسور الشرياني الوريدي، وهو اتصال جراحي بين الشريان والوريد.
كما تطورت تقنيات غسيل الكلى نفسها. أصبحت الآلات أكثر كفاءة وأكثر أماناً. تم تطوير أغشية ترشيح الدم الجديدة التي تزيل السموم بشكل أكثر فعالية. أدت هذه التطورات إلى تحسين نوعية حياة المرضى الذين يخضعون لغسيل الكلى بشكل كبير.
غسيل الكلى اليوم
اليوم، أصبح غسيل الكلى علاجاً شائعاً للفشل الكلوي. هناك الآلاف من مراكز غسيل الكلى في جميع أنحاء العالم، ويعيش الملايين من الأشخاص حياة صحية بفضل هذا العلاج. على الرغم من التطورات في طب الكلى، لا يزال غسيل الكلى يمثل عبئاً على المرضى، ويتطلب جلسات متكررة في المستشفى أو العيادة.
يبحث الباحثون باستمرار عن طرق جديدة لتحسين غسيل الكلى. وتشمل هذه التقنيات الجديدة التي تهدف إلى جعل العلاج أكثر راحة وفعالية، بالإضافة إلى تطوير علاجات جديدة للفشل الكلوي، مثل زراعة الكلى والأدوية الجديدة.
أهمية زراعة الكلى
تعتبر زراعة الكلى حالياً أفضل علاج للفشل الكلوي. وهي توفر للمرضى جودة حياة أفضل بكثير من غسيل الكلى. ومع ذلك، هناك نقص في الأعضاء المتبرع بها، مما يجعل الحصول على زراعة تحدياً صعباً بالنسبة للعديد من المرضى.
يعمل الباحثون على تطوير تقنيات جديدة لزيادة عدد الأعضاء المتبرع بها، بما في ذلك استخدام الأعضاء من المتبرعين الأحياء، والبحث عن طرق لتقليل رفض الجسم للأعضاء المزروعة. كما أنهم يبحثون عن طرق لتطوير أعضاء بديلة في المختبر.
مستقبل طب الكلى
يشهد طب الكلى تطورات سريعة. يتوقع الخبراء أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التقدم في علاج الفشل الكلوي. وتشمل هذه التطورات:
- علاجات جديدة لتحسين وظائف الكلى
- تقنيات جديدة لغسيل الكلى أكثر فعالية وأقل إزعاجاً
- تطوير أعضاء اصطناعية
- تحسين تقنيات زراعة الكلى
يستمر عمل بلدينج هيبارد سكريبنر في إلهام الباحثين والأطباء والمرضى في جميع أنحاء العالم. إرثه هو تذكير بأهمية الابتكار والتفاني في تحسين الرعاية الصحية.
خاتمة
كان بلدينج هيبارد سكريبنر رائداً في مجال طب الكلى، وساهم بشكل كبير في تطوير غسيل الكلى، مما أحدث ثورة في علاج الفشل الكلوي. لقد مكن اختراعه المرضى من العيش لفترة أطول وأكثر صحة، وترك إرثاً دائماً في مجال الرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، ساهم في تطوير تقنيات الوصول إلى الأوعية الدموية وتحسين رعاية المرضى بشكل عام. استمرت إسهاماته في التأثير على طب الكلى حتى يومنا هذا.