السيرة الذاتية والتعليم
ولدت هيلين لونغينو في الولايات المتحدة، وحصلت على درجة البكالوريوس في الفلسفة من كلية رادكليف في عام 1966. ثم حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة جونز هوبكنز في عامي 1969 و 1973 على التوالي. بدأت مسيرتها الأكاديمية بالتدريس في عدة جامعات مرموقة، بما في ذلك جامعة ولاية سان فرانسيسكو، وجامعة رايس، وجامعة مينيسوتا، وجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل. شغلت منصب أستاذة في الفلسفة والعلوم في جامعة ستانفورد، حيث تقاعدت منها.
أعمالها الفلسفية الرئيسية
تركزت أبحاث لونغينو بشكل أساسي على العلاقة بين العلم والمجتمع. وقد قدمت مساهمات مهمة في مجالات مثل فلسفة العلم النسوية، والنظرية المعرفية الاجتماعية، وأخلاقيات العلم. تميز عملها بالتركيز على دور القيم في العلم، وكيف تؤثر هذه القيم على عملية إنتاج المعرفة العلمية. من أهم أعمالها:
- “العلم كمعرفة اجتماعية” (Science as Social Knowledge): هذا الكتاب هو أحد أبرز أعمال لونغينو، حيث تقدم فيه نظرية معرفية للعلم تركز على أهمية الجوانب الاجتماعية في إنتاج المعرفة العلمية. تذهب لونغينو إلى أن العلم ليس مجرد نشاط فردي، بل هو عملية جماعية تتأثر بالقيم الاجتماعية والأخلاقية.
- “قيم العلم” (Values in Science): في هذا العمل، تستكشف لونغينو كيف تؤثر القيم على العلم. وهي تميز بين القيم التأسيسية (مثل الدقة والاتساق) والقيم الدستورية (التي تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والسياسية). وتجادل بأن القيم الدستورية تلعب دورًا حاسمًا في اختيار النظريات العلمية وتفسيرها.
- “وجهات نظر معرفية” (Cognitive Authority): تستكشف لونغينو مفهوم السلطة المعرفية وكيفية توزيعها في المجتمع. وهي تشير إلى أن الثقة في العلم تعتمد على وجود مجتمع علمي يمارس الرقابة المتبادلة على الأبحاث، مما يساعد على تقليل التحيزات والخطأ.
فلسفة العلم النسوية
تعتبر هيلين لونغينو شخصية بارزة في مجال فلسفة العلم النسوية. تهدف فلسفة العلم النسوية إلى تحليل وتقييم تأثير النوع الاجتماعي (الجندر) على العلم. ترى لونغينو أن العلوم ليست محايدة جنسانيًا، بل تتأثر بالتحيزات والافتراضات الثقافية التي تعكس وجهة نظر الذكور. تعمل أبحاثها على الكشف عن هذه التحيزات، وتقدم اقتراحات لكيفية تطوير علم أكثر إنصافًا. تهدف فلسفة العلم النسوية إلى:
- الكشف عن التحيزات: تحليل كيف تؤثر التحيزات الجنسانية والاجتماعية الأخرى على تصميم التجارب، وتفسير البيانات، واختيار الموضوعات البحثية.
- تعزيز التنوع: الدعوة إلى زيادة تمثيل النساء والأقليات الأخرى في العلوم، من أجل إثراء وجهات النظر وتعزيز الموضوعية.
- تطوير معايير أفضل: اقتراح معايير جديدة لتقييم المعرفة العلمية، تأخذ في الاعتبار قيمًا مثل الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
تؤكد لونغينو على أهمية إنشاء مجتمعات علمية تتيح الفرصة لتعدد وجهات النظر، حيث يمكن للعلماء من خلفيات مختلفة أن يشاركوا في النقاشات، ويتحققون من بعضهم البعض. هذا النهج، الذي يركز على الرقابة المتبادلة، يساعد على الحد من التحيزات وتطوير علم أكثر موضوعية.
القيم والعلم
تعتبر مساهمة لونغينو في دراسة القيم في العلم من أهم إنجازاتها. فهي ترى أن القيم لا يمكن تجنبها في العلم، وأنها تلعب دورًا حاسمًا في جميع مراحل البحث العلمي. تميز لونغينو بين نوعين من القيم:
- القيم التأسيسية: هي القيم التي يعتمد عليها العلم في بناء المعرفة (مثل الدقة، الاتساق، التماسك). وهي ضرورية لضمان أن تكون النظريات العلمية قابلة للاختبار، وتتوافق مع الأدلة التجريبية.
- القيم الدستورية: هي القيم التي تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والسياسية (مثل المساواة، والعدالة، والإنصاف). وتؤثر هذه القيم على اختيار النظريات، وتفسير البيانات، وتحديد أولويات البحث.
تجادل لونغينو بأن القيم الدستورية تلعب دورًا مهمًا في العلم، وأن تجاهل هذه القيم يمكن أن يؤدي إلى تحيزات، وتضليل، وحتى الظلم الاجتماعي. ترى أن العلم يجب أن يكون مسؤولًا أمام المجتمع، وأن يأخذ في الاعتبار الآثار الاجتماعية المحتملة للبحث العلمي.
النظرية المعرفية الاجتماعية
تركز النظرية المعرفية الاجتماعية على الدور الذي تلعبه العوامل الاجتماعية في إنتاج المعرفة. تؤكد لونغينو على أن المعرفة العلمية ليست مجرد نتاج للعقل الفردي، بل هي نتاج للتفاعل الاجتماعي والتعاون بين العلماء. وتشير إلى أن:
- العلم عملية جماعية: المعرفة العلمية تتشكل من خلال التفاعل بين العلماء، من خلال المناقشات، والمراجعات، والتعاون.
- الرقابة المتبادلة: يراقب العلماء بعضهم البعض، ويراجعون أعمال بعضهم البعض، مما يساعد على التحقق من صحة النتائج العلمية.
- التنوع المعرفي: وجود وجهات نظر مختلفة بين العلماء يساعد على الحد من التحيزات، وتعزيز الموضوعية.
ترى لونغينو أن هذا النهج يساعد على تطوير علم أكثر دقة وموثوقية. وتشدد على أهمية بناء مجتمعات علمية تشجع على التنوع، والتعاون، والنقد البناء.
أخلاقيات العلم
تهتم لونغينو أيضًا بقضايا أخلاقيات العلم. وهي تعتقد أن العلم يجب أن يكون مسؤولًا أخلاقيًا، وأن يأخذ في الاعتبار الآثار الاجتماعية المحتملة للبحث العلمي. وتشير إلى أن:
- العلم والمجتمع: يجب على العلماء أن يكونوا على دراية بالعلاقة بين العلم والمجتمع، وأن يأخذوا في الاعتبار القيم الاجتماعية والأخلاقية في عملهم.
- المسؤولية الاجتماعية: على العلماء أن يتحملوا مسؤولية نتائج أبحاثهم، وأن يعملوا على ضمان استخدام العلم بطرق مفيدة للمجتمع.
- الشفافية والمساءلة: يجب أن يكون العلم شفافًا وخاضعًا للمساءلة، وأن يسمح للجمهور بالمشاركة في عملية اتخاذ القرارات العلمية.
تؤكد لونغينو على أهمية وضع معايير أخلاقية واضحة للعلم، وتعزيز السلوك الأخلاقي بين العلماء. وهي ترى أن هذا يساعد على بناء الثقة في العلم، وتعزيز دوره في خدمة المجتمع.
التأثير والتراث
تركت هيلين لونغينو بصمة كبيرة في مجال فلسفة العلم، وخاصةً في مجالات فلسفة العلم النسوية، والنظرية المعرفية الاجتماعية، وأخلاقيات العلم. أثرت أعمالها على العديد من الباحثين والعلماء، ولا تزال أفكارها ذات أهمية كبيرة في فهمنا للعلم وعلاقته بالمجتمع. تساهم أبحاثها في:
- زيادة الوعي: حول دور القيم في العلم، وكيف يمكن للتحيزات أن تؤثر في البحث العلمي.
- تعزيز التنوع: في العلوم، والدعوة إلى تمثيل أكبر للنساء والأقليات الأخرى في هذا المجال.
- تطوير معايير أفضل: لتقييم المعرفة العلمية، والتي تأخذ في الاعتبار قيمًا مثل الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
يستمر عمل لونغينو في إلهام الباحثين والطلاب، وتشجيعهم على التفكير النقدي في العلاقة بين العلم والمجتمع. وتبقى مساهماتها في مجال الفلسفة العلمية ذات أهمية بالغة في عالمنا المعاصر.
خاتمة
هيلين لونغينو هي فيلسوفة علم أمريكية تركت بصمة كبيرة في مجال فلسفة العلوم. ركزت أبحاثها على دور القيم الاجتماعية والسياسية في إنتاج المعرفة العلمية، وعلى تأثير التحيزات الجنسانية والاجتماعية الأخرى على البحث العلمي. تعتبر لونغينو شخصية مؤثرة في مجال الدراسات النسوية في العلوم، حيث قدمت مساهمات كبيرة في فهم العلاقة المعقدة بين العلم والمجتمع. تهدف أعمالها إلى تعزيز علم أكثر إنصافًا ومسؤولية اجتماعية. يعتبر عملها مرجعًا أساسيًا للباحثين والطلاب المهتمين بفلسفة العلم، وأخلاقيات العلم، والدراسات النسوية.
المراجع
- Stanford Encyclopedia of Philosophy – Feminism and Science
- Wikipedia – Helen Longino
- PhilPeople – Helen Longino
- Science as Social Knowledge by Helen Longino
“`