خلفية تاريخية
نشأ علم نفس الذات كرد فعل على بعض جوانب النظرية النفسية التحليلية الكلاسيكية، والتي اعتبرها كوهوت في بعض الأحيان ضيقة الأفق وغير كافية في فهم التجارب الشخصية. في حين أن التحليل النفسي الكلاسيكي يركز على الصراعات اللاواعية والدوافع الجنسية والعدوانية، قدم كوهوت منظوراً مختلفاً يركز على أهمية العلاقات مع الآخرين (الذوات الموضوعية) وكيف تشكل هذه العلاقات شعور الفرد بالذات.
بدأ كوهوت في تطوير أفكاره في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، مستوحياً من عمل فرويد، لكنه وسع نطاق التركيز ليشمل دور التعاطف في التنمية النفسية. نشر كوهوت كتابه الرائد “تحليل الذات” عام 1971، والذي قدم فيه المفاهيم الأساسية لعلم نفس الذات. بعد ذلك، قام بتوسيع نطاق نظريته في أعمال لاحقة، بما في ذلك “استعادة الذات” (1977) و “كيف يشفي التحليل النفسي” (1984).
المفاهيم الأساسية
يقوم علم نفس الذات على عدد من المفاهيم الأساسية التي تختلف عن تلك الموجودة في نظريات التحليل النفسي الأخرى. وتشمل هذه المفاهيم:
- الذات: يعتبر علم نفس الذات الذات بمثابة جوهر شخصية الفرد، أي مركز التجربة الذاتية. هذه الذات تتطور من خلال التفاعلات مع الآخرين، وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة.
- الذوات الموضوعية: الذات الموضوعية هي الآخرون الذين ندركهم كأشخاص مستقلين، ولكنهم أيضاً يؤدون وظائف نفسية مهمة لنا. توفر الذوات الموضوعية هذه تجارب ضرورية للنمو النفسي، مثل التأييد والتقدير، والتي تساعد على تطوير الذات المتماسكة.
- الذات المتماسكة: هذه هي الذات التي لديها شعور مستقر بالهوية، والشعور بالكفاءة، والشعور بالقيمة الذاتية. تتطور الذات المتماسكة من خلال التفاعلات مع الذوات الموضوعية التي تستجيب بشكل مناسب لاحتياجات الذات.
- التعاطف: يعتبر التعاطف حجر الزاوية في علم نفس الذات. يعتقد كوهوت أن التعاطف هو القدرة على فهم وتجربة مشاعر الآخرين. من خلال التعاطف، يمكن للذوات الموضوعية أن تستجيب بشكل مناسب لاحتياجات الذات، مما يعزز النمو النفسي الصحي.
- الإنتقال المثالي: الإنتقال المثالي هو حاجة الطفل إلى رؤية الوالدين كشخصيات قوية وكاملة. يتيح هذا للطفل أن يشعر بالأمان والحماية، وأن يبدأ في تطوير شعور بالوحدة الذاتية.
- التقييم المرآوي: التقييم المرآوي هو حاجة الطفل إلى رؤية الوالدين يعكسون إحساسهم الخاص بقيمتهم. عندما يستجيب الوالدان بتقدير وتعاطف لمظاهر الطفل، فإنه يساعد الطفل على تطوير شعور بالثقة بالنفس.
- الذات ثنائية القطبية: يرى كوهوت أن الذات تتكون من قطبين: القطب الطموح (الذي يسعى إلى الإنجاز) والقطب المثالي (الذي يسعى إلى تحقيق الكمال). يجب أن يكون هناك توازن بين القطبين لكي تعمل الذات بشكل صحي.
تطبيقات علم نفس الذات في العلاج
يستخدم علم نفس الذات على نطاق واسع في العلاج النفسي، حيث يوفر إطاراً لفهم مشاكل المرضى ومساعدتهم على تحقيق النمو النفسي. يركز المعالجون الذين يتبعون نهج علم نفس الذات على بناء علاقة علاجية متعاطفة مع المريض، ويهدفون إلى توفير بيئة آمنة يمكن للمريض من خلالها استكشاف تجاربه والعمل على تحقيق الذات المتماسكة.
تتضمن بعض التطبيقات الرئيسية لعلم نفس الذات في العلاج:
- فهم اضطرابات الشخصية: يمكن لعلم نفس الذات أن يساعد في فهم اضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية، من خلال التركيز على مشاكل الذات التي يعاني منها الفرد.
- معالجة مشاكل احترام الذات: يساعد علم نفس الذات على معالجة مشاكل احترام الذات من خلال مساعدة المرضى على تطوير شعور أقوى بقيمتهم الذاتية.
- تحسين العلاقات: يساعد علم نفس الذات على تحسين العلاقات من خلال مساعدة المرضى على فهم احتياجاتهم النفسية وتطوير القدرة على التواصل بشكل أكثر فعالية.
- معالجة الصدمات: يمكن لعلم نفس الذات أن يكون فعالاً في علاج الصدمات من خلال مساعدة المرضى على استعادة شعورهم بالذات المتماسكة بعد التجارب المؤلمة.
- بناء التعاطف: يركز المعالجون على تطوير فهم عميق لتجارب المريض. يشمل هذا الفهم التعاطف مع مشاعر المريض واحتياجاته.
- توفير الذات الموضوعية: يلعب المعالج دور الذات الموضوعية للمريض، مما يوفر الخبرات التي ربما لم يحصل عليها المريض في مرحلة الطفولة المبكرة. يمكن أن يشمل ذلك التأييد، والتقدير، أو التضمين.
- تحليل التحويل والنقل المضاد: في علم نفس الذات، يُنظر إلى التحويل (كيف يرى المريض المعالج) والنقل المضاد (كيف يرى المعالج المريض) على أنهما أدوات مهمة في العلاج. يمكن للمعالج استخدام هذه العمليات لفهم احتياجات المريض وتوفير الدعم العاطفي المناسب.
مقارنة بعلم النفس التحليلي التقليدي
في حين أن علم نفس الذات يشارك بعض الأسس مع علم النفس التحليلي التقليدي، إلا أنه يختلف في عدة جوانب رئيسية:
- التركيز: يركز التحليل النفسي التقليدي على الصراعات اللاواعية والدوافع الجنسية والعدوانية، بينما يركز علم نفس الذات على تجارب الذات والعلاقات مع الآخرين.
- دور المعالج: في التحليل النفسي التقليدي، يُنظر إلى المعالج على أنه خبير محايد. في علم نفس الذات، يلعب المعالج دوراً أكثر نشاطاً في توفير التعاطف والدعم العاطفي.
- العلاقة العلاجية: في علم نفس الذات، تُعتبر العلاقة العلاجية في حد ذاتها تجربة علاجية. يركز المعالج على بناء علاقة آمنة وداعمة مع المريض.
- تفسير الأحلام: في علم نفس الذات، قد لا يركز المعالجون على تفسير الأحلام بنفس الطريقة التي يفعلها المحللون النفسيون التقليديون. بدلاً من ذلك، قد يستخدمون الأحلام كطريقة لفهم تجارب المريض الذاتية.
نقد علم نفس الذات
على الرغم من تأثيره الكبير، فقد واجه علم نفس الذات بعض الانتقادات. وتشمل هذه الانتقادات:
- التركيز المفرط على الذات: يرى بعض النقاد أن علم نفس الذات يركز بشكل مفرط على الذات وقد لا يهتم بما فيه الكفاية بالعوامل الخارجية التي تؤثر على سلوك الفرد.
- صعوبة القياس: قد يكون من الصعب قياس بعض المفاهيم الأساسية لعلم نفس الذات، مثل التعاطف والذات المتماسكة، بطرق موضوعية.
- الغموض: قد تكون بعض جوانب نظرية علم نفس الذات غامضة وصعبة الفهم.
- التطبيق المفرط: يرى بعض النقاد أن علم نفس الذات قد يكون تطبيقياً بشكل مفرط في تفسير جميع أنواع المشاكل النفسية.
التطورات الحديثة
لا يزال علم نفس الذات يتطور اليوم، مع ظهور العديد من التطورات والتعديلات. يواصل الباحثون استكشاف تطبيقات علم نفس الذات في مجالات جديدة، مثل:
- العلاج الجماعي: تطبيق مبادئ علم نفس الذات في العلاج الجماعي.
- علاج الأزواج: استخدام علم نفس الذات في مساعدة الأزواج على فهم احتياجات بعضهم البعض وتحسين علاقاتهم.
- علم النفس العصبي: استكشاف العلاقة بين علم نفس الذات وعلم النفس العصبي.
خاتمة
علم نفس الذات هو نظرية تحليل نفسي مهمة قدمت رؤية جديدة حول كيفية تطور الذات وكيفية تأثير العلاقات المبكرة على النمو النفسي. من خلال التركيز على التعاطف وتجارب الذات، يوفر علم نفس الذات إطاراً مفيداً لفهم مشاكل المرضى ومساعدتهم على تحقيق النمو النفسي. على الرغم من بعض الانتقادات، فقد أثر علم نفس الذات بشكل كبير على علم النفس العلاجي ولا يزال يلهم الباحثين والمعالجين في جميع أنحاء العالم.
المراجع
- Kohut, H. (1971). The analysis of the self: A systematic approach to the psychoanalytic treatment of narcissistic personality disorders. International Universities Press.
- Kohut, H. (1977). The restoration of the self. International Universities Press.
- Kohut, H. (1984). How does psychoanalysis cure? The University of Chicago Press.
- Wolf, E. S. (1988). Treating the self: Elements of clinical self psychology. The Guilford Press.