نشأته وبداياته المهنية
ولد ألكسندر كيبنيس في زنيبور، أوكرانيا، التي كانت في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية الروسية. بدأ دراسة الموسيقى في سن مبكرة، وتعلم العزف على البيانو والكمان. في البداية، لم يكن لديه طموحات في الغناء، لكن موهبته الصوتية بدأت تظهر في سن المراهقة. درس الغناء في وارسو ثم في برلين مع يوليوس غايبرت. كان غايبرت، وهو معلم صوت مشهور، هو الذي اكتشف إمكانات كيبنيس الكاملة ووجهه نحو مسيرة مهنية في الأوبرا.
بدأ كيبنيس مسيرته المهنية في عام 1915 في هامبورغ، حيث ظهر لأول مرة في دور فيلهلم في أوبرا “العيال” ليوجين ديلابورت. سرعان ما اكتسب شهرة بسبب صوته الرائع وحضوره المسرحي القوي. بعد فترة قصيرة في هامبورغ، انتقل إلى شتوتغارت، حيث واصل بناء سمعته كمغني أوبرا متميز.
النجاح في ألمانيا
ازدهرت مسيرة كيبنيس المهنية في ألمانيا خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. انضم إلى أوبرا الدولة البروسية في برلين في عام 1922، حيث أصبح أحد الدعائم الأساسية. قدم أداءات رائعة في العديد من الأدوار، بما في ذلك دور بوريس غودونوف في أوبرا “بوريس غودونوف” لموسورجسكي، ودور فيليب الثاني في أوبرا “دون كارلوس” لفيردي، ودور الملك مارك في أوبرا “تريستان وإيزولد” لفاجنر. اشتهر كيبنيس بقدرته على تجسيد شخصيات معقدة بعمق، وإضفاء إحساس بالإنسانية والصدق على أدائه.
خلال هذه الفترة، عمل كيبنيس مع بعض من أعظم قادة الأوركسترا في عصره، بما في ذلك فيلهلم فورتفانغلر وبرونو والتر. كما شارك في العديد من تسجيلات الأوبرا التي لا تزال تحظى بتقدير كبير حتى اليوم. عززت هذه التسجيلات سمعته كأحد أعظم أصوات الجهير في تاريخ الأوبرا.
الرحيل من ألمانيا
مع صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واجه كيبنيس، اليهودي، صعوبات متزايدة. على الرغم من شعبيته وشهرته، أجبر على مغادرة ألمانيا في عام 1935. انتقل أولاً إلى النمسا، ثم إلى الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة ومسيرته اللاحقة
في الولايات المتحدة، واصل كيبنيس مسيرته المهنية الناجحة. ظهر لأول مرة في دار الأوبرا متروبوليتان في نيويورك في عام 1940، حيث أصبح على الفور مفضلًا لدى الجمهور. قدم أداءات رائعة في مجموعة متنوعة من الأدوار، بما في ذلك دور ساراسترو في أوبرا “الناي السحري” لموزارت، ودور كونيغ فيليب في أوبرا “دون كارلوس” لفيردي، ودور غوفري في أوبرا “لورينغين” لفاجنر.
بقي كيبنيس في دار الأوبرا متروبوليتان حتى عام 1946. بعد ذلك، واصل تقديم الحفلات الموسيقية وظهور الضيوف في جميع أنحاء العالم. كما عمل كمعلم صوت، ونقل معرفته وخبرته إلى الأجيال الشابة من المغنين.
تميز صوت كيبنيس، وهو جهير غني وعميق، بنبرة دافئة وسلطة هائلة. كان لديه أسلوب غناء طبيعي وأنيق، مع قدرة على توصيل العاطفة والدراما ببراعة. كان معروفًا أيضًا بمهاراته التمثيلية الرائعة، والتي سمحت له بتجسيد شخصيات معقدة بشكل مقنع.
أدواره البارزة
تنوعت قائمة أدوار كيبنيس بشكل كبير، مما يدل على براعته كمغني. بعض من أشهر أدواره شملت:
- بوريس غودونوف (بوريس غودونوف لموسورجسكي): يُعتبر تجسيد كيبنيس لدور بوريس غودونوف أحد أبرز ما في تاريخ الأوبرا. لقد نقل ببراعة عذاب الملك الروسي وانهياره النفسي.
- فيليب الثاني (دون كارلوس لفيردي): أظهر كيبنيس قوة ونبل في دوره كملك إسبانيا المتزمت.
- ساراسترو (الناي السحري لموزارت): أظهر كيبنيس الدفء والحكمة في هذا الدور، مما جعله مفضلًا لدى الجمهور.
- الملك مارك (تريستان وإيزولد لفاجنر): أظهر كيبنيس العمق العاطفي في هذا الدور، مما جعله مؤثرًا بشكل خاص.
- غورمين (لورينغرين لفاجنر): قدم كيبنيس أداءً دراميًا وقويًا في هذا الدور، مما أضاف إلى تعقيد الشخصية.
إرثه
ترك ألكسندر كيبنيس إرثًا دائمًا في عالم الأوبرا. صوته، الذي يتميز بالدفء والعمق والقوة، لا يزال يحتفى به. ساهمت تسجيلاته في الحفاظ على أدائه الرائع للأجيال القادمة. كان أيضًا معلمًا قيمًا، حيث ساعد في تشكيل مسيرة العديد من المغنين الشباب.
أثر كيبنيس بشكل كبير على تطور فن الغناء الأوبرالي، وأصبح مثالًا يحتذى به للمغنين الطموحين في جميع أنحاء العالم. لقد أظهر أن الجمع بين الصوت الاستثنائي والتمثيل المقنع يمكن أن يخلق تجارب أوبرا لا تُنسى.
خاتمة
كان ألكسندر كيبنيس مغنيًا أوبيراليًا استثنائيًا، اشتهر بصوته الجهير القوي ومهاراته التمثيلية الرائعة. من خلال مسيرته المهنية التي امتدت لعدة عقود، قدم أداءات لا تُنسى في مجموعة متنوعة من الأدوار، من الأعمال الروسية إلى الأعمال الألمانية والإيطالية. على الرغم من مواجهته لصعوبات شخصية في حياته، إلا أنه ترك إرثًا دائمًا في عالم الأوبرا، ولا يزال صوته يحتفى به كواحد من أعظم أصوات الجهير في التاريخ.
المراجع
- Alexander Kipnis – Biography – Britannica
- Alexander Kipnis | Operaphile
- Alexander Kipnis | Biography & History | AllMusic
- Alexander Kipnis, Bass, Dies at 87 – The New York Times
“`