سيستمين (Systemin)

اكتشاف سيستمين

تم اكتشاف سيستمين في أوائل الثمانينيات من قبل العلماء في جامعة واشنطن. بدأ البحث عندما لاحظ الباحثون أن أوراق نباتات الطماطم المصابة تتسبب في إطلاق استجابة دفاعية في الأوراق غير المصابة، حتى تلك الموجودة على نباتات أخرى. كان هذا يشير إلى وجود إشارة قابلة للانتقال يمكن أن تنبه النباتات الأخرى إلى خطر الإصابة.

أظهرت الدراسات أن هذه الإشارة هي ببتيد صغير، أطلق عليه اسم “سيستمين”. تم العثور على سيستمين لتوليد استجابة دفاعية في جميع أنحاء النبات المصاب، وكذلك في النباتات المجاورة. يمثل هذا الاكتشاف بداية جديدة في فهمنا لكيفية تواصل النباتات وكيفية دفاعها عن نفسها.

تركيب سيستمين

سيستمين هو عبارة عن سلسلة ببتيدية تتكون من 18 حمضًا أمينيًا. يتم تصنيعه من بروتين كبير يسمى “بروتين البريبرو سيستمين” (preprosystemin). يتم إنتاج هذا البروتين في خلايا معينة في النبات، وخاصة في اللحاء، وهو النسيج الذي ينقل السكر والمغذيات الأخرى في جميع أنحاء النبات.

عندما يتعرض النبات للإصابة، مثل هجوم الحشرات أو الجروح الميكانيكية، يتم تنشيط إنزيم يسمى “بروتييز” (protease). يعمل هذا الإنزيم على تكسير بروتين البريبرو سيستمين إلى سيستمين. ثم ينتقل سيستمين عبر اللحاء إلى أجزاء أخرى من النبات، حيث يتسبب في سلسلة من الاستجابات الدفاعية.

آلية عمل سيستمين

يعمل سيستمين عن طريق الارتباط بمستقبلات محددة على سطح الخلايا النباتية. يؤدي هذا الارتباط إلى تنشيط سلسلة من الأحداث داخل الخلية. تشمل هذه الأحداث ما يلي:

  • إطلاق حمض الجاسمونيك (Jasmonic acid): حمض الجاسمونيك هو هرمون نباتي آخر يعمل على تنشيط الجينات المسؤولة عن الدفاع عن النبات.
  • إنتاج مثبطات البروتياز (Proteinase inhibitors): تعمل مثبطات البروتياز على تعطيل الإنزيمات التي تستخدمها الحشرات لهضم الطعام. وهذا يجعل أوراق النبات أقل جاذبية للحشرات.
  • إنتاج مواد كيميائية متطايرة (Volatile compounds): تطلق النباتات مواد كيميائية متطايرة في الهواء. يمكن لهذه المواد جذب الحشرات المفترسة التي تهاجم الحشرات التي تهاجم النبات.
  • تعبير الجينات الدفاعية: يؤدي سيستمين إلى زيادة التعبير عن الجينات المشاركة في إنتاج المركبات الدفاعية الأخرى، مثل القلويدات والفينولات، والتي تجعل النبات سامًا أو غير صالح للأكل للحشرات.

تعتبر هذه الاستجابات الدفاعية حاسمة لبقاء النبات على قيد الحياة. عن طريق تنشيط هذه الاستجابات، يساعد سيستمين النبات على حماية نفسه من الأضرار التي تسببها الحشرات والأمراض.

أهمية سيستمين

سيستمين مهم لعدة أسباب:

  • الدفاع عن النباتات: يساعد سيستمين النباتات على الدفاع عن نفسها ضد الحشرات والآفات الأخرى.
  • التواصل بين الخلايا: يوضح سيستمين كيف تتواصل الخلايا داخل النباتات مع بعضها البعض.
  • فهم استجابات النباتات: يساعدنا سيستمين على فهم كيفية استجابة النباتات للإجهاد والضغوط البيئية.
  • التطبيقات الزراعية: يمكن استخدام المعرفة حول سيستمين لتطوير استراتيجيات جديدة لحماية المحاصيل من الآفات والأمراض.

أظهرت الأبحاث أن سيستمين يمكن أن يحفز إنتاج مجموعة متنوعة من المركبات الدفاعية في النباتات، بما في ذلك مثبطات البروتياز، والإنزيمات المضادة للفيروسات، والقلويدات. هذا يجعل سيستمين أداة قوية للدفاع عن النباتات من مجموعة واسعة من التهديدات.

العلاقة بين سيستمين وحمض الجاسمونيك

كما ذكرنا سابقًا، يلعب حمض الجاسمونيك دورًا رئيسيًا في مسار إشارات سيستمين. عندما يرتبط سيستمين بمستقبله، فإنه يحفز إنتاج حمض الجاسمونيك. يعمل حمض الجاسمونيك كمرسال ثانوي، وينشط الجينات المسؤولة عن الاستجابة الدفاعية. هذه العلاقة الوثيقة بين سيستمين وحمض الجاسمونيك تسلط الضوء على تعقيد شبكات الإشارات الهرمونية في النباتات.

في الواقع، يعمل سيستمين في المقام الأول على تنشيط مسارات إشارات حمض الجاسمونيك، مما يؤدي إلى إنتاج مثبطات البروتياز وغيرها من المركبات الدفاعية. بدون حمض الجاسمونيك، تكون استجابة النبات لسيستمين ضعيفة أو غائبة. ونتيجة لذلك، فإن مسار سيستمين وحمض الجاسمونيك ضروريان للدفاع عن النباتات ضد الإجهاد البيئي.

التحكم في إنتاج سيستمين

تخضع عملية إنتاج سيستمين للتحكم الدقيق. تشتمل بعض العوامل التي يمكن أن تؤثر على إنتاج سيستمين على:

  • الإصابة: عندما يتعرض النبات للإصابة، مثل هجوم الحشرات أو الجروح الميكانيكية، يزيد إنتاج سيستمين.
  • الإجهاد: يمكن أن يؤدي الإجهاد البيئي، مثل الجفاف أو درجات الحرارة القصوى، إلى زيادة إنتاج سيستمين.
  • العمر: تنتج النباتات الصغيرة عمومًا كميات أكبر من سيستمين مقارنة بالنباتات الأكبر سنًا.
  • الظروف البيئية: يمكن أن تؤثر ظروف النمو، مثل كمية الضوء والمغذيات، على إنتاج سيستمين.

هذا التحكم الدقيق يضمن أن يتم إنتاج سيستمين فقط عند الحاجة، مما يقلل من استهلاك الطاقة غير الضروري للنبات.

التطبيقات المحتملة لسيستمين في الزراعة

البحث في سيستمين وظيفته لديه القدرة على إحداث ثورة في الزراعة. بعض التطبيقات المحتملة تشمل:

  • تحسين مقاومة النباتات للآفات: يمكن استخدام سيستمين أو مركبات مماثلة لتحفيز الاستجابات الدفاعية في النباتات، مما يجعلها أكثر مقاومة للحشرات والأمراض.
  • الحد من استخدام المبيدات الحشرية: من خلال جعل النباتات أكثر قدرة على الدفاع عن نفسها، يمكن لسيستمين أن يقلل الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية، مما يقلل من التأثير البيئي ويزيد من سلامة الغذاء.
  • تحسين إنتاجية المحاصيل: من خلال حماية النباتات من الآفات والأمراض، يمكن لسيستمين أن يساعد في تحسين إنتاجية المحاصيل.
  • تطوير محاصيل مقاومة للإجهاد: يمكن استخدام المعرفة حول سيستمين لتطوير محاصيل أكثر قدرة على تحمل الإجهاد البيئي، مثل الجفاف والملوحة.

تستمر الأبحاث في سيستمين في الكشف عن آفاق جديدة لاستخدامه في الزراعة المستدامة. مع استمرار العلماء في فهم آلية عمل سيستمين، يمكنهم تطوير استراتيجيات جديدة لتعزيز صحة النباتات وزيادة إنتاجية المحاصيل مع تقليل التأثير البيئي.

الخلايا المستهدفة لسيستمين

بالإضافة إلى دوره في إطلاق استجابات دفاعية في جميع أنحاء النبات، يستهدف سيستمين خلايا معينة داخل النبات. وتشمل هذه الخلايا الخلايا البارانشيمية في الأوراق، والتي تشارك في تخزين الغذاء والتمثيل الضوئي، والخلايا الموجودة في اللحاء، والتي تنقل المغذيات في جميع أنحاء النبات. يستهدف سيستمين أيضًا خلايا معينة في الجذور، مما يشير إلى أن سيستمين قد يلعب دورًا في الدفاع عن نظام الجذر ضد الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض والحشرات.

عندما يرتبط سيستمين بمستقبلاته في هذه الخلايا، فإنه يؤدي إلى سلسلة من التغييرات البيوكيميائية التي تؤدي إلى تنشيط الدفاعات. وتشمل هذه التغييرات إنتاج مثبطات البروتياز، والتي تمنع هضم البروتينات بواسطة الحشرات، وإنتاج مواد كيميائية متطايرة، والتي تجذب الحشرات المفترسة.

التحورات في مسار سيستمين

أظهرت الدراسات أن تعطيل مسار إشارات سيستمين يمكن أن يجعل النباتات أكثر عرضة للهجمات الحشرية. على سبيل المثال، تم تحديد الطفرات في الجينات التي تشفر مستقبلات سيستمين أو الإنزيمات المشاركة في إنتاج حمض الجاسمونيك والتي تضعف قدرة النبات على الاستجابة للإصابة. تظهر هذه الدراسات أهمية مسار سيستمين في الدفاع عن النباتات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر التغيرات في التعبير الجيني على حساسية النباتات لسيستمين. على سبيل المثال، قد تنتج النباتات التي تفرط في التعبير عن الجينات التي تشفر مستقبلات سيستمين استجابة دفاعية أكثر قوة للإصابة. هذه المعرفة يمكن أن تفتح طرقًا جديدة لتحسين مقاومة المحاصيل للحشرات والأمراض.

الفرق بين سيستمين والهرمونات النباتية الأخرى

على الرغم من أن سيستمين هو هرمون نباتي، إلا أنه يختلف عن الهرمونات النباتية الأخرى بعدة طرق. على سبيل المثال، يعتبر حمض الجاسمونيك و الإيثيلين هرمونات نباتية تلعب دورًا مهمًا في الدفاع عن النباتات، ولكن يتم إنتاجها بشكل مختلف ويتم تنشيطها بواسطة محفزات مختلفة. بينما يتم إنتاج سيستمين استجابة للإصابة، يتم إنتاج الإيثيلين استجابة للإجهاد، مثل الجفاف أو الفيضانات. حمض الجاسمونيك يشارك في كل من الدفاع عن النباتات والنمو والتطور.

بالإضافة إلى ذلك، يختلف سيستمين عن الهرمونات النباتية الأخرى في آليته للعمل. على سبيل المثال، ترتبط الجبريلينات والأوكسينات بمستقبلات على سطح الخلايا النباتية، بينما يدخل سيستمين إلى الخلية ويرتبط بمستقبلاته داخل السيتوبلازم. هذه الاختلافات تسلط الضوء على التنوع في شبكات الإشارات الهرمونية في النباتات.

التحديات والاتجاهات المستقبلية للبحث في سيستمين

على الرغم من التقدم الكبير في فهمنا لسيستمين، لا تزال هناك تحديات في البحث المستقبلي. وتشمل هذه التحديات:

  • تحديد جميع الجينات والبروتينات المشاركة في مسار سيستمين.
  • فهم كيفية تفاعل سيستمين مع الهرمونات النباتية الأخرى.
  • تطوير استراتيجيات جديدة لاستخدام سيستمين في الزراعة.

تشمل الاتجاهات المستقبلية للبحث في سيستمين ما يلي:

  • استخدام تقنيات الجينوميات والبروتينات لفهم مسار سيستمين بشكل أفضل.
  • تطوير نباتات معدلة وراثيًا تنتج مستويات أعلى من سيستمين.
  • استكشاف إمكانية استخدام سيستمين في السيطرة على الآفات والأمراض.

مع استمرار العلماء في استكشاف تعقيد مسار سيستمين، فإنه سيقدم رؤى قيمة حول كيفية دفاع النباتات عن نفسها وسيفتح آفاقًا جديدة للزراعة المستدامة.

خاتمة

سيستمين هو هرمون ببتيدي نباتي يلعب دورًا حاسمًا في الدفاع عن النباتات ضد الحشرات والأمراض. يتم إنتاجه استجابة للإصابة وينتقل عبر النبات لإطلاق سلسلة من الاستجابات الدفاعية. يتضمن مسار إشارات سيستمين إنتاج حمض الجاسمونيك ومثبطات البروتياز، وإنتاج مواد كيميائية متطايرة، وتعبير الجينات الدفاعية. يمكن أن يؤدي فهم سيستمين إلى تحسين مقاومة المحاصيل للآفات والأمراض وتقليل استخدام المبيدات الحشرية. يعتبر البحث في سيستمين مجالًا واعدًا للزراعة المستدامة والمحافظة على البيئة.

المراجع

“`