مقدمة
يشير مصطلح “البرلمان الاسكتلندي” إلى هيئتين تشريعيتين تاريخيتين ومعاصرتين في اسكتلندا. من المهم التمييز بينهما لفهم السياق التاريخي والسياسي لكل منهما. هاتان الهيئتان هما:
- برلمان اسكتلندا: وهو البرلمان الذي كان موجودًا قبل عام 1707، أي قبل اتحاد مملكتي اسكتلندا وإنجلترا.
- البرلمان الاسكتلندي: وهو البرلمان الحالي الذي تأسس في عام 1999 بعد استفتاء شعبي.
برلمان اسكتلندا (قبل عام 1707)
كان برلمان اسكتلندا، المعروف أيضًا باسم “إستيتس أوف سكوتلاند” (Estates of Scotland)، الهيئة التشريعية للمملكة المستقلة في اسكتلندا. يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، حيث تطور من مجلس المستشارين الملكيين ورجال الدين. لعب هذا البرلمان دورًا حاسمًا في تشكيل تاريخ اسكتلندا من خلال سن القوانين، وفرض الضرائب، واتخاذ القرارات السياسية الهامة.
التاريخ والتطور:
مر برلمان اسكتلندا بتطورات عديدة على مر القرون. في البداية، كان يتألف من ثلاثة فروع رئيسية:
- رجال الدين: ممثلو الكنيسة.
- النبلاء: الأفراد الذين يحملون ألقابًا نبيلة.
- البورغيس: ممثلو المدن والبلدات الملكية.
مع مرور الوقت، أصبح البرلمان أكثر تمثيلاً، حيث ضم ممثلين عن المقاطعات (شايرز) في القرن الخامس عشر. على الرغم من أن البرلمان لم يكن دائمًا ديمقراطيًا بالمعنى الحديث، إلا أنه كان منتدى هامًا لمناقشة القضايا الوطنية واتخاذ القرارات.
السلطات والمسؤوليات:
تمتع برلمان اسكتلندا بسلطات واسعة النطاق، بما في ذلك:
- سن القوانين: كان البرلمان مسؤولاً عن صياغة وإقرار القوانين التي تحكم اسكتلندا.
- فرض الضرائب: كان بإمكانه فرض الضرائب لتمويل الحكومة والجيش.
- الموافقة على المعاهدات: كان له دور في الموافقة على المعاهدات الدولية التي تؤثر على اسكتلندا.
- تقديم المشورة للملك: كان يقدم المشورة للملك أو الملكة بشأن مجموعة واسعة من القضايا.
نظام اللجان:
كان برلمان اسكتلندا يستخدم نظام اللجان للتعامل مع الأعمال التشريعية. كانت اللجان تتألف من أعضاء البرلمان الذين يتم اختيارهم بناءً على خبراتهم واهتماماتهم. كانت هذه اللجان مسؤولة عن دراسة مشاريع القوانين، وتقديم التوصيات، والتأكد من أن التشريعات المقترحة متوافقة مع القانون الاسكتلندي.
نهاية برلمان اسكتلندا:
انتهى وجود برلمان اسكتلندا في عام 1707 مع توقيع “قانون الاتحاد” (Acts of Union) الذي وحد مملكتي اسكتلندا وإنجلترا لتشكيل مملكة بريطانيا العظمى. تم حل البرلمان الاسكتلندي، وتم نقل سلطاته إلى برلمان بريطانيا العظمى في وستمنستر.
البرلمان الاسكتلندي (الحديث)
البرلمان الاسكتلندي الحديث هو الهيئة التشريعية المفوضة في اسكتلندا، تأسس بموجب “قانون اسكتلندا لعام 1998” (Scotland Act 1998) بعد استفتاء عام 1997. يقع مقره في هوليرود، إدنبرة.
التأسيس والعودة:
بعد قرون من الحكم المباشر من قبل برلمان المملكة المتحدة، أعاد البرلمان الاسكتلندي الحديث السلطة التشريعية إلى الشعب الاسكتلندي. كان إنشاء البرلمان استجابة لرغبة طويلة الأمد في حكم ذاتي أكبر في اسكتلندا.
السلطات والمسؤوليات:
يتمتع البرلمان الاسكتلندي بسلطة التشريع في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك:
- الصحة: إدارة نظام الصحة الوطني الاسكتلندي.
- التعليم: تحديد سياسات التعليم والإشراف على المدارس والجامعات.
- البيئة: حماية البيئة وتنفيذ سياسات الاستدامة.
- العدالة: إدارة نظام العدالة الجنائية والمدنية.
- النقل: تطوير وصيانة البنية التحتية للنقل.
- الزراعة: دعم الصناعة الزراعية وتعزيز التنمية الريفية.
ومع ذلك، يحتفظ برلمان المملكة المتحدة بالسيطرة على بعض الأمور، مثل الدفاع والشؤون الخارجية والسياسة النقدية.
التركيبة والانتخابات:
يتكون البرلمان الاسكتلندي من 129 عضوًا منتخبًا يعرفون باسم “أعضاء البرلمان الاسكتلندي” (MSPs). يتم انتخاب الأعضاء باستخدام نظام التمثيل النسبي المختلط، الذي يجمع بين الدوائر الانتخابية الفردية والقوائم الإقليمية.
- 73 عضوًا: يتم انتخابهم مباشرة من الدوائر الانتخابية الفردية.
- 56 عضوًا: يتم انتخابهم من خلال القوائم الإقليمية لضمان تمثيل أوسع للأحزاب السياسية.
تجرى الانتخابات البرلمانية الاسكتلندية كل خمس سنوات، ما لم يتم حل البرلمان قبل ذلك.
عملية التشريع:
تتبع عملية التشريع في البرلمان الاسكتلندي خطوات مماثلة لتلك الموجودة في البرلمانات الأخرى. تبدأ العملية بتقديم مشروع قانون، يليه النقاش والتعديل والتصويت. إذا تم إقرار مشروع القانون بأغلبية الأصوات، فإنه يصبح قانونًا.
اللجان البرلمانية:
تلعب اللجان البرلمانية دورًا حيويًا في عملية صنع القرار في البرلمان الاسكتلندي. تقوم هذه اللجان بفحص مشاريع القوانين المقترحة، وإجراء التحقيقات، وتقديم التوصيات إلى البرلمان بأكمله.
العلاقة مع الحكومة الاسكتلندية:
الحكومة الاسكتلندية، بقيادة الوزير الأول، مسؤولة أمام البرلمان الاسكتلندي. يجب على الحكومة أن تحظى بثقة البرلمان لكي تبقى في السلطة. يمكن للبرلمان محاسبة الحكومة من خلال طرح الأسئلة، وإجراء المناقشات، والتصويت على اقتراحات حجب الثقة.
أهمية البرلمان الاسكتلندي الحديث
يمثل البرلمان الاسكتلندي الحديث علامة فارقة في تاريخ اسكتلندا، حيث أعاد السلطة التشريعية إلى الشعب الاسكتلندي. لقد مكن اسكتلندا من تطوير سياساتها الخاصة في مجموعة واسعة من المجالات، مما يعكس الاحتياجات والأولويات الفريدة للبلاد. كما عزز المشاركة الديمقراطية والمساءلة في الحكم.
تأثير البرلمان الاسكتلندي:
منذ تأسيسه، كان للبرلمان الاسكتلندي تأثير كبير على حياة الشعب الاسكتلندي. لقد سن قوانين تعالج مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك:
- حظر التدخين في الأماكن العامة: كانت اسكتلندا من أوائل الدول في العالم التي حظرت التدخين في الأماكن العامة المغلقة.
- إلغاء رسوم الدراسة الجامعية: جعلت اسكتلندا التعليم الجامعي مجانيًا للطلاب الاسكتلنديين.
- تنفيذ سياسات طموحة بشأن تغير المناخ: وضعت اسكتلندا أهدافًا طموحة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
النقاش حول الاستقلال:
لعب البرلمان الاسكتلندي أيضًا دورًا رئيسيًا في النقاش حول استقلال اسكتلندا. في عام 2014، نظم البرلمان استفتاءً على الاستقلال، حيث صوتت أغلبية ضئيلة لصالح البقاء في المملكة المتحدة. ومع ذلك، لا يزال النقاش حول الاستقلال قضية سياسية بارزة في اسكتلندا.
خاتمة
في الختام، يمثل “البرلمان الاسكتلندي” مفهومًا مزدوجًا يشمل كلاً من البرلمان التاريخي الذي سبق عام 1707، والبرلمان الحديث الذي تأسس في عام 1999. بينما لعب برلمان اسكتلندا القديم دورًا محوريًا في تشكيل تاريخ المملكة المستقلة، فإن البرلمان الحديث يمثل عودة السلطة التشريعية للشعب الاسكتلندي، مما يمكنه من تطوير سياساته الخاصة في مجالات حيوية. فهم التمييز بينهما ضروري لفهم كامل للتاريخ السياسي لاسكتلندا وتطورها.