الحياة المبكرة والنشأة
ولد يوحنا في مدينة ماتيرا، في منطقة بازيليكاتا الإيطالية، في حوالي عام 1070. ولد لعائلة نبيلة، وتلقى تعليمه المبكر في محيط عائلته. نشأ يوحنا في بيئة متدينة، مما أثر بشكل كبير على اختياره المستقبلي. في شبابه، شعر يوحنا بدعوة قوية للحياة الدينية، مما دفعه إلى التخلي عن حياة الرفاهية التي نشأ فيها.
في سن مبكرة، ترك يوحنا عائلته وانضم إلى دير بندكتي في منطقة بوليا. هناك، بدأ حياته كراهب، ملتزمًا بقواعد القديس بندكت. أظهر يوحنا تفانيًا كبيرًا في صلواته وأعماله الرهبانية، وسرعان ما اكتسب سمعة طيبة بين إخوته الرهبان. ومع ذلك، لم يكن راضيًا عن الوضع الراهن للرهبنة في ذلك الوقت، وشعر بالحاجة إلى إصلاح ديني أعمق.
الإصلاح الرهباني وتأسيس دير بولسانو
شعر يوحنا بالإحباط من بعض جوانب الحياة الرهبانية التي اعتبرها متراخية أو متأثرة بفساد المجتمع. رأى أن هناك حاجة إلى العودة إلى المبادئ الأصلية للحياة الرهبانية، مع التركيز على الفقر والطاعة والصلاة. قرر يوحنا أن يسعى لتحقيق هذا الإصلاح من خلال تأسيس دير جديد يتبع قواعد أكثر صرامة.
في عام 1090، أسس يوحنا ديرًا جديدًا في منطقة بولسانو، بالقرب من مدينة تارانتو. اختار هذه المنطقة بسبب عزلتها وبعدها عن التأثيرات الدنيوية. أطلق على هذا الدير اسم “دير القديس يوحنا في بولسانو”. في هذا الدير، فرض يوحنا نظامًا رهبانيًا صارمًا، مع التركيز على الفقر، والزهد، والعمل اليدوي، والصلاة المستمرة. كان الرهبان يعيشون حياة بسيطة، ويعتمدون على عمل أيديهم في كسب الرزق.
سرعان ما اكتسب دير بولسانو سمعة طيبة بسبب تقواه وتقشفه. بدأ الرهبان من الأديرة الأخرى بالانضمام إليه، مما أدى إلى انتشار أفكار يوحنا الإصلاحية. أسس يوحنا أديرة أخرى في جميع أنحاء جنوب إيطاليا، وأصبح لديه عدد كبير من الأتباع الذين اتبعوا أسلوب حياته.
أعمال يوحنا وتعليمه
بالإضافة إلى تأسيس الأديرة، كان يوحنا معلمًا ومبشرًا. كان يلقي العظات بانتظام، ويشجع الناس على التوبة والتخلي عن الخطيئة. كان يركز على أهمية الصلاة، ومحبة الله، والرحمة تجاه الآخرين. اعتبر يوحنا أن العمل هو شكل من أشكال الصلاة، وحث الرهبان على العمل بجد.
كتب يوحنا عددًا من الرسائل والتعاليم الروحية التي انتشرت على نطاق واسع. تضمنت كتاباته إرشادات حول الحياة الرهبانية، والتعليمات حول الصلاة، والتأملات في الكتاب المقدس. ساعدت كتاباته على نشر أفكاره الإصلاحية وتوجيه الرهبان والأتباع في حياتهم اليومية.
تميز يوحنا أيضًا بعمله في مجال مساعدة الفقراء والمرضى. أمر الرهبان بتقديم الرعاية للمحتاجين، وتوفير الطعام والملابس للمشردين. يعتقد يوحنا أن خدمة الآخرين هي جزء أساسي من الحياة المسيحية، وعمل على تطبيق هذا المبدأ في كل جوانب حياته.
تأثيره وإرثه
ترك يوحنا الماتيراني إرثًا دائمًا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. يعتبر مؤسسًا لسلسلة من الأديرة التي لعبت دورًا كبيرًا في الإصلاح الرهباني في جنوب إيطاليا. ساهمت أفكاره وتعاليمه في تجديد الحياة الروحية للعديد من الرهبان والمؤمنين.
تميزت رؤية يوحنا بالتركيز على العودة إلى المبادئ الأساسية للحياة الرهبانية، مثل الفقر والطاعة والصلاة. كان يعتقد أن الرهبنة يجب أن تكون نموذجًا للحياة المسيحية، وأن الرهبان يجب أن يكونوا قدوة للآخرين. ترك يوحنا بصمة واضحة في تاريخ الرهبنة، وألهم العديد من القديسين والرهبان على مر العصور.
بعد وفاته، اعتبر يوحنا قديسًا، وتم تكريمه في الكنيسة الكاثوليكية. يعتبر شفيعًا للعديد من المدن والأبرشيات في جنوب إيطاليا. لا يزال إرثه يتردد صداه حتى اليوم، ويذكره الناس بتفانيه في خدمة الله والإنسانية.
وفاته
توفي يوحنا الماتيراني في عام 1139 في دير بولسانو. بعد وفاته، تم إعلان قداسته، وأصبح يعتبر قديسًا في الكنيسة الكاثوليكية. يحتفل بيوم عيده في 27 يونيو.
تركت وفاته فراغًا كبيرًا في قلوب أتباعه، لكن إرثه استمر في النمو. استمرت الأديرة التي أسسها في الازدهار، واستمرت أفكاره في التأثير على الحياة الرهبانية. يعتبر يوحنا الماتيراني شخصية مهمة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وإسهاماته في الإصلاح الرهباني لا تزال محل تقدير حتى اليوم.
خاتمة
يوحنا الماتيراني كان راهبًا بندكتيًا ورجل دين مؤثرًا في القرن الحادي عشر والثاني عشر. أسس دير بولسانو وساهم في الإصلاح الرهباني في جنوب إيطاليا. تميزت حياته بالتقوى والزهد والعمل من أجل مساعدة الفقراء. يعتبر قديسًا في الكنيسة الكاثوليكية، ولا يزال إرثه يلهم المؤمنين حتى اليوم.
المراجع
- Saint John of Matera – Encyclopedia Britannica
- Saint John of Matera – Catholic Online
- St. John of Matera – The Catholic Encyclopedia
- John of Matera – Wikipedia
“`