خلفية تاريخية
شهد القرن الثامن عشر في أوروبا تحولات اجتماعية وثقافية كبيرة، حيث بدأت الأفكار التنويرية في الانتشار، مما أدى إلى تحدي الأعراف التقليدية. في إيطاليا، كانت البندقية (فينيسيا) لا تزال مدينة مزدهرة، لكنها كانت تواجه تحديات اقتصادية وسياسية. في هذا السياق، كتب جولدوني مسرحيته “البخلاء”، والتي تعكس التوتر بين القيم القديمة والجديدة.
كارلو جولدوني، المولود في فينيسيا عام 1707، كان من أبرز كتاب المسرح في عصره. اشتهر بتحويل المسرح الإيطالي من الكوميديا المرتجلة (Commedia dell’arte) إلى شكل أكثر واقعية ومرتبة. كان جولدوني يهدف إلى تصوير الحياة اليومية للناس العاديين، وتقديم نقد اجتماعي من خلال أعماله.
شخصيات المسرحية
تتميز مسرحية “البخلاء” بمجموعة متنوعة من الشخصيات، كل منها يمثل نوعًا معينًا من الشخصيات في المجتمع الفينيسي. من أبرز الشخصيات:
- سيمون: الشخصية الرئيسية، وهو رجل عجوز ومتقشف يمثل البخيل التقليدي. هو والد إحدى الشابات، ويتعامل مع الزواج بحذر شديد.
- كانتاري: أحد أصدقاء سيمون، وهو أيضًا بخيل ويتشارك معه في نفس الآراء حول الزواج والمال.
- ريكاردو: صديق آخر لسيمون، وهو أيضًا عضو في مجموعة البخلاء.
- ماريا: ابنة سيمون، وهي شابة جميلة ترغب في الزواج من الشاب فيليبو.
- فيليندو: صديق فيليبو، وهو شاب يحاول مساعدة فيليبو في الفوز بقلب ماريا.
- فيليبو: شاب يحب ماريا ويتمنى الزواج منها، لكنه يواجه معارضة من والدها وأصدقائه.
ملخص الحبكة
تدور أحداث المسرحية حول مجموعة من الرجال المسنين المتشائمين في فينيسيا، والذين يطلق عليهم “البخلاء”. هؤلاء الرجال، بقيادة سيمون، يعارضون فكرة الزواج لشبابهم، ويعتبرون أن الزواج يمثل إهدارًا للمال. يدخل فيليبو في حب مع ماريا ابنة سيمون، ويحاول إقناع سيمون بالموافقة على الزواج.
تتعقد الأمور عندما يحاول البخلاء التدخل في شؤون الزواج، ويحاولون إيجاد طريقة لتجنب دفع المهر. ومع ذلك، فإن الشباب، بدعم من الأصدقاء، يضعون خطة للتغلب على البخلاء وإقناعهم بالموافقة على الزواج. تتضمن هذه الخطة سلسلة من المؤامرات والمفاجآت التي تؤدي في النهاية إلى تغيير وجهة نظر البخلاء.
تتخلل المسرحية العديد من المشاهد الكوميدية التي تسخر من سلوك البخلاء، وتبرز مدى تشدد آرائهم. يستخدم جولدوني اللغة العامية الفينيسية في حوارات الشخصيات، مما يضيف إلى الواقعية والفكاهة في المسرحية.
الموضوعات الرئيسية
تتناول مسرحية “البخلاء” العديد من الموضوعات الهامة التي لا تزال ذات صلة حتى اليوم:
- الجشع والبخل: تصور المسرحية الجشع والبخل كصفات سلبية تؤثر على العلاقات الإنسانية. يمثل البخلاء الجشع، ويتم تصويرهم على أنهم غير قادرين على الاستمتاع بالحياة بسبب تركيزهم المفرط على المال.
- الزواج والحب: تستكشف المسرحية العلاقة بين الزواج والحب، وتنتقد القيود الاجتماعية التي تعيق الشباب من الزواج. تسلط المسرحية الضوء على أهمية الحب والتفاهم في الزواج.
- الجيل القديم والجيل الجديد: تصور المسرحية الصراع بين الأجيال، وتعكس التغيرات الاجتماعية والثقافية التي كانت تحدث في ذلك الوقت. يمثل البخلاء الجيل القديم، بينما يمثل الشباب الجيل الجديد الذي يسعى إلى التحرر من القيود التقليدية.
- المجتمع الفينيسي: تقدم المسرحية صورة واقعية للمجتمع الفينيسي في القرن الثامن عشر، وتبرز عاداته وتقاليده. يستخدم جولدوني اللغة العامية الفينيسية في الحوارات، مما يضيف إلى واقعية المسرحية.
أسلوب جولدوني
يعتبر كارلو جولدوني من رواد المسرح الواقعي في إيطاليا. يتميز أسلوبه بالخصائص التالية:
- الواقعية: يهدف جولدوني إلى تصوير الحياة اليومية للناس العاديين، وتقديم نقد اجتماعي من خلال أعماله.
- اللغة العامية: يستخدم جولدوني اللغة العامية في حوارات الشخصيات، مما يضيف إلى الواقعية والفكاهة في المسرحية.
- الشخصيات النمطية: يستخدم جولدوني شخصيات نمطية تمثل أنواعًا مختلفة من الشخصيات في المجتمع.
- النقد الاجتماعي: ينتقد جولدوني بعض جوانب المجتمع، مثل الجشع والبخل والقيود الاجتماعية على الزواج.
أهمية المسرحية وتأثيرها
تُعد مسرحية “البخلاء” من أبرز أعمال جولدوني، وقد حققت نجاحًا كبيرًا في عصره. لا تزال المسرحية تُعرض حتى اليوم في جميع أنحاء العالم، وتُترجم إلى العديد من اللغات. ساهمت المسرحية في:
- تطوير المسرح الإيطالي: ساعدت المسرحية في تطوير المسرح الإيطالي من الكوميديا المرتجلة إلى شكل أكثر واقعية ومرتبة.
- تصوير الحياة الفينيسية: قدمت المسرحية صورة واقعية للحياة الفينيسية في القرن الثامن عشر.
- النقد الاجتماعي: قدمت المسرحية نقدًا لاذعًا للمجتمع، وساهمت في إثارة النقاش حول القضايا الاجتماعية.
- إلهام الفنانين: ألهمت المسرحية العديد من الفنانين، بما في ذلك الكتاب والمخرجين والممثلين.
الاقتباسات الشهيرة
تتميز مسرحية “البخلاء” بالعديد من الاقتباسات الشهيرة التي تعكس روح المسرحية وموضوعاتها. من بين هذه الاقتباسات:
- “المال يجعل العالم يدور.” (Money makes the world go round)
- “الزواج هو قفص ذهبي.” (Marriage is a golden cage)
- “البخل هو أسوأ من الفقر.” (Avarice is worse than poverty)
التراث والإرث
تركت مسرحية “البخلاء” إرثًا دائمًا في عالم الأدب والمسرح. ألهمت المسرحية العديد من الأعمال الفنية الأخرى، ولا تزال تُدرس وتُعرض في جميع أنحاء العالم. تساهم المسرحية في فهمنا للمجتمع الفينيسي في القرن الثامن عشر، وتقدم نقدًا لاذعًا للقيم الاجتماعية التي لا تزال ذات صلة حتى اليوم. تعتبر “البخلاء” عملًا كلاسيكيًا يجمع بين الفكاهة والعمق، ويستحق القراءة والمشاهدة.
خاتمة
مسرحية “البخلاء” لكارلو جولدوني هي عمل فني كلاسيكي يصور ببراعة عالم البخل والتشاؤم في فينيسيا في القرن الثامن عشر. من خلال شخصياتها الغنية وحبكتها الجذابة، تقدم المسرحية نقدًا اجتماعيًا لاذعًا وتعكس الصراع بين الأجيال والقيم المتغيرة. إنها شهادة على قدرة جولدوني على التقاط جوهر الحياة الإنسانية، مما يجعلها تحظى بتقدير كبير حتى يومنا هذا.
المراجع
- موسوعة بريتانيكا – كارلو جولدوني
- ويكيبيديا – البخلاء
- SparkNotes – ملخص البخلاء
- موقع كارلو جولدوني الرسمي – البخلاء (بالإيطالية والإنجليزية)
“`