تاريخ العرش الإنجليزي
يعود تاريخ العرش الإنجليزي إلى قرون مضت، حيث تطور عبر مراحل مختلفة تعكس التغيرات السياسية والاجتماعية في إنجلترا. في العصور الوسطى، كان العرش ببساطة مقعدًا رمزيًا يجلس عليه الملك أثناء الاحتفالات والمراسم الرسمية. مع مرور الوقت، أصبح العرش أكثر تفصيلاً وزخرفة، مما يعكس تزايد قوة وهيبة الملكية.
أحد أقدم الأمثلة المعروفة للعرش الإنجليزي هو “حجر سكون” (Stone of Scone)، وهو حجر ضخم استخدم في تتويج ملوك اسكتلندا لعدة قرون. في عام 1296، استولى الملك إدوارد الأول ملك إنجلترا على الحجر ونقله إلى دير وستمنستر في لندن. تم وضع الحجر في قاعدة كرسي خشبي، وأصبح يُعرف باسم “كرسي التتويج”. لا يزال هذا الكرسي يستخدم في تتويج الملوك البريطانيين حتى اليوم.
على مر القرون، تم بناء عروش أخرى واستخدامها في مناسبات مختلفة. غالبًا ما كانت هذه العروش مصنوعة من مواد باهظة الثمن مثل الذهب والفضة والعاج، ومزينة بالجواهر والأحجار الكريمة. كانت العروش تُعتبر رموزًا للقوة والثروة، وغالبًا ما كانت تستخدم لإبهار الزوار الأجانب وإظهار عظمة الملكية الإنجليزية.
رمزية العرش
يحمل العرش الإنجليزي رمزية عميقة تتجاوز مجرد كونه مقعدًا. إنه يمثل السلطة السيادية للملك أو الملكة، والاستمرارية التاريخية للملكية، والوحدة الوطنية للمملكة المتحدة. عندما يجلس الملك أو الملكة على العرش، فإنهم لا يشغلون منصبًا فحسب، بل يجسدون أيضًا تاريخ وتقاليد الأمة.
غالبًا ما يرتبط العرش بالعدالة والقانون. في الماضي، كان الملوك يجلسون على العرش للاستماع إلى القضايا القانونية وإصدار الأحكام. حتى اليوم، يُعتبر العرش رمزًا لسلطة القانون والنظام في المملكة المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يمثل العرش الاستقرار والاستمرارية في أوقات التغيير. على مر القرون، مرت إنجلترا بالعديد من الأزمات والصراعات، لكن الملكية ظلت ثابتة نسبيًا. يعتبر العرش رمزًا لهذه الاستمرارية، ويذكر الناس بأهمية الحفاظ على التقاليد والقيم الوطنية.
كرسي التتويج
كرسي التتويج، الموجود في دير وستمنستر، هو أحد أهم العروش في تاريخ إنجلترا. تم بناء الكرسي في حوالي عام 1300 بأمر من الملك إدوارد الأول، وقد تم استخدامه في تتويج كل الملوك الإنجليز (والبريطانيين لاحقًا) منذ ذلك الحين، باستثناء الملكة ماري الأولى.
الكرسي مصنوع من خشب البلوط ومزخرف بزخارف مطلية بالذهب. في الأصل، كان الكرسي مطليًا بالكامل بالذهب، لكن مع مرور الوقت تدهورت الزخرفة. يوجد في قاعدة الكرسي حجر سكون، وهو حجر قديم لعب دورًا مهمًا في تتويج ملوك اسكتلندا.
خلال حفل التتويج، يجلس الملك أو الملكة على كرسي التتويج بينما يقوم رئيس أساقفة كانتربري بمسحه بالزيت المقدس وتتويجه. يعتبر هذا المشهد من أهم اللحظات في حفل التتويج، ويرمز إلى انتقال السلطة والسيادة إلى الملك الجديد.
العرش في الثقافة الشعبية
ظهر العرش الإنجليزي في العديد من الأعمال الأدبية والفنية والسينمائية. غالبًا ما يستخدم العرش كرمز للقوة والسلطة، ويمكن أن يمثل الطموح، والخيانة، والصراع على السلطة.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو سلسلة “صراع العروش” (Game of Thrones)، حيث يلعب العرش الحديدي دورًا مركزيًا في القصة. العرش الحديدي هو رمز للسلطة في ويستروس، ويتنافس العديد من الشخصيات على الجلوس عليه. تصور السلسلة العرش كرمز للطموح المطلق والفساد، وكيف يمكن أن يؤدي السعي وراء السلطة إلى تدمير الأفراد والممالك.
كما ظهر العرش الإنجليزي في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التاريخية. غالبًا ما تصور هذه الأعمال العرش كرمز للعظمة والفخامة، وتستخدمه لإضفاء إحساس بالدراما والأهمية على المشاهد.
الخلافة على العرش
يخضع ترتيب الخلافة على العرش الإنجليزي لقواعد صارمة تحدد من يحق له أن يصبح ملكًا أو ملكة. تاريخيًا، كان ترتيب الخلافة يعتمد على أقدمية الذكور، مما يعني أن الابن الأكبر للملك أو الملكة هو الذي يرث العرش. ومع ذلك، في عام 2013، تم تغيير القانون لإعطاء الأولوية للابن الأكبر بغض النظر عن الجنس.
حاليًا، ولي العهد هو الأمير ويليام، الابن الأكبر للملك تشارلز الثالث. بعد الأمير ويليام، يأتي أبناؤه الأمير جورج والأميرة شارلوت والأمير لويس في ترتيب الخلافة.
يخضع ترتيب الخلافة لتغييرات في حالة وفاة أحد الورثة أو إذا تزوج شخص ما من العائلة المالكة أو أنجب أطفالًا. تضمن هذه القواعد بقاء العرش في أيدي أولئك الذين يعتبرون مؤهلين للحكم.
العرش اليوم
على الرغم من أن السلطة السياسية للملكية قد تقلصت على مر القرون، إلا أن العرش الإنجليزي لا يزال رمزًا مهمًا للهوية الوطنية والوحدة في المملكة المتحدة. يلعب الملك أو الملكة دورًا رمزيًا في الحياة البريطانية، ويمثلون الأمة في المناسبات الرسمية ويقدمون الدعم للمجتمع.
لا يزال العرش يستخدم في حفلات التتويج والمناسبات الرسمية الأخرى. عندما يجلس الملك أو الملكة على العرش، فإنهم يذكرون الناس بتاريخ وتقاليد الأمة، وأهمية الحفاظ على الاستقرار والاستمرارية.
خاتمة
إن عرش إنجلترا ليس مجرد قطعة أثاث، بل هو رمز تاريخي وثقافي عميق الجذور يمثل السلطة، والسيادة، والاستمرارية الملكية. لقد تطور العرش عبر قرون من التاريخ، وشهد تغيرات سياسية واجتماعية كبيرة. اليوم، لا يزال العرش رمزًا مهمًا للهوية الوطنية والوحدة في المملكة المتحدة، ويذكر الناس بأهمية الحفاظ على التقاليد والقيم الوطنية.