خلفية تاريخية
ينحدر أراونا من اليبوسيين، وهم شعب كنعاني سكنوا مدينة القدس قبل الفتح الإسرائيلي. كانت القدس، في ذلك الوقت، تُعرف باسم “يبوس”. كان اليبوسيون يسيطرون على المدينة حتى استولى عليها الملك داود.
بعد أن أقام داود مملكة موحدة لإسرائيل، قرر بناء هيكل للرب. ولكن، وفقًا للرواية الكتابية، لم يسمح الله لداود ببناء الهيكل بنفسه بسبب تورطه في الحروب وسفك الدماء. وبدلاً من ذلك، أُمر داود بأن يشتري بيدر أراونا ويقيم عليه مذبحًا للرب.
أراونا في سفر صموئيل الثاني
تصف قصة أراونا في سفر صموئيل الثاني (الإصحاح 24) كيف أرسل الله وباءً على إسرائيل بسبب إحصاء داود للشعب. ندم داود على خطيئته وطلب من الله أن يغفر له. أمر الله داود بأن يبني مذبحًا له في المكان الذي توقف فيه الملاك، والذي كان بيدر أراونا.
عندما ذهب داود إلى أراونا لكي يشتري منه البيدر، عرض أراونا على داود أن يعطيه البيدر والبقرة كقربان مجاني. لكن داود أصر على الشراء، قائلاً: “لست أصعد ذبائح للرب إلهي مجانية”. واشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة. وبنى داود مذبحًا للرب وقدم عليه محرقات وذبائح سلامة، فاستجاب الرب للصلاة وأوقف الوباء عن إسرائيل.
يُظهر هذا الحوار بين داود وأراونا كرم أراونا ورغبته في مساعدة داود في التكفير عن خطيئته. كما يُظهر إصرار داود على تقديم قربان لله من ماله الخاص، مما يدل على تقواه وإخلاصه.
أهمية بيدر أراونا
أصبح بيدر أراونا مكانًا مقدسًا. اختاره الله كموقع لبناء الهيكل، وهو أهم بيت عبادة لليهود. يُعتقد أن جبل موريا، حيث يقع بيدر أراونا، هو المكان الذي قدم فيه إبراهيم ابنه إسحاق كذبيحة (وفقًا للتقاليد اليهودية والمسيحية والإسلامية). وبالتالي، فإن هذا الموقع يحمل أهمية دينية كبيرة لثلاث ديانات إبراهيمية.
بعد أن اشترى داود البيدر، بدأ ابنه سليمان في بناء الهيكل عليه. أصبح الهيكل مركز العبادة اليهودية، وهو المكان الذي كان اليهود يقدمون فيه الذبائح ويصلون. دمر الهيكل في عدة مناسبات، ولكن أعيد بناؤه في كل مرة. آخر هيكل بني في هذا الموقع دمره الرومان عام 70 ميلادي.
بالإضافة إلى أهميته الدينية، يحمل بيدر أراونا أهمية تاريخية. إنه يمثل نقطة تحول في تاريخ إسرائيل، حيث انتقلت العاصمة الدينية والسياسية من الخيام المتنقلة إلى مدينة القدس.
الشخصيات الرئيسية في القصة
- أراونا: اليبوسي الذي يملك بيدر الحنطة على جبل موريا. يتميز بالكرم والتقوى.
- الملك داود: ملك إسرائيل الذي اشترى البيدر وأمر ببناء المذبح. يظهر كشخص متواضع وندم على أخطائه.
- الله: الذي أمر ببناء المذبح في بيدر أراونا، وأوقف الوباء عن إسرائيل.
الدروس المستفادة
تقدم قصة أراونا دروسًا مهمة حول التوبة، الكرم، التقوى، الأهمية الدينية للمقدسات. إنها تذكرنا بأهمية الاعتراف بالخطايا والبحث عن المغفرة. كما أنها تعلمنا قيمة العطاء والسخاء، وأهمية إخلاص العبادة.
تعلمنا القصة أيضًا عن أهمية الأماكن المقدسة ودورها في ربط الناس بالإيمان. إنها تشجعنا على تقدير المواقع الدينية واحترامها، والتعلم من تاريخها.
تأثير القصة
لعبت قصة أراونا دورًا مهمًا في تشكيل العقيدة اليهودية والمسيحية والإسلامية. إنها تذكرنا بأهمية العلاقة بين الله والإنسان، وأهمية الطاعة والتقوى. كما ألهمت القصة الفنانين والكتاب على مر العصور، مما أدى إلى إنتاج العديد من الأعمال الفنية والأدبية التي تدور حول هذا الموضوع.
تستمر قصة أراونا في التأثير على الناس اليوم، حيث تذكرنا بقيمة الإيمان والتوبة والكرم. إنها قصة خالدة عن التضحية والفداء والوعد الإلهي.
الجدل حول المكان
على مر السنين، كان هناك بعض الجدل حول الموقع الدقيق لبيدر أراونا. يعتقد البعض أنه يقع في المنطقة التي يقع فيها مسجد قبة الصخرة اليوم، بينما يعتقد آخرون أنه يقع في مكان آخر داخل مجمع الحرم القدسي الشريف. ومع ذلك، يتفق معظم العلماء على أن بيدر أراونا كان موجودًا بالفعل في جبل موريا، وأنه كان له دور أساسي في التاريخ الديني للقدس.
الرمزية
تعتبر قصة أراونا غنية بالرمزية. يمثل بيدر الحنطة نقطة التقاء بين الأرض والسماء، بين الإنسانية والإلهية. إن شراء داود للبيدر يدل على الرغبة في التكفير عن الذنوب وتقديم قربان لله. إن بناء الهيكل على هذا الموقع يمثل إقامة مملكة الله في الأرض.
تُظهر القصة أيضًا أهمية السلام والمصالحة. بإقامة مذبح للرب في بيدر أراونا، تمكن داود من تحقيق المصالحة مع الله وإنهاء الوباء الذي حل بالشعب. وهذا يدل على أن السلام مع الله يؤدي إلى السلام مع الآخرين.
الاستمرارية
تستمر قصة أراونا في التأثير على الناس اليوم. إنه مثال على أهمية التوبة والكرم والإيمان. إنها قصة عن الخلاص، وعن إيجاد العفو، وعن بناء علاقة مع الله.
تذكرنا هذه القصة بأن أماكن العبادة المقدسة تحمل قيمة خاصة في حياتنا. إنها أماكن نذهب إليها لنتقرب من الله ونتعلم عن تراثنا الديني. إنها أماكن يجب أن نحترمها ونحافظ عليها للأجيال القادمة.
خاتمة
باختصار، أراونا شخصية مهمة في الكتاب المقدس، ويرتبط اسمه بقصة ذات مغزى ديني وتاريخي كبير. يمثل بيدر الحنطة الذي كان يملكه موقعًا مقدسًا، أصبح فيما بعد موقعًا لبناء هيكل سليمان في القدس. تُعلمنا قصة أراونا دروسًا قيمة حول التوبة، والكرم، والتقوى، والأهمية الدينية للمقدسات، وتستمر في التأثير على الناس حتى يومنا هذا.
المراجع
- سفر صموئيل الثاني، الإصحاح 24 (الكتاب المقدس)
- أراونا (موسوعة بريتانيكا)
- جبل موريا (المكتبة اليهودية الافتراضية)
- سفر صموئيل الثاني، الإصحاح 24 (نسخة الملك جيمس)
“`