الثاتشرية وصعود المحافظين
وصلت مارغريت تاتشر، زعيمة حزب المحافظين، إلى السلطة في عام 1979، منهية بذلك فترة طويلة من الحكم العمالي. تبنت تاتشر سياسات اقتصادية ليبرالية عرفت باسم “الثاتشرية”، والتي تميزت بالخصخصة، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد، والحد من سلطة النقابات العمالية. كان الهدف من هذه السياسات هو تعزيز النمو الاقتصادي، وخفض التضخم، وزيادة الإنتاجية.
أدت سياسات تاتشر إلى تحولات كبيرة في الاقتصاد البريطاني. فقد تم خصخصة العديد من الصناعات الحكومية، مثل الاتصالات والطاقة والمياه. كما تم تقليل الإنفاق العام والضرائب. ومع ذلك، واجهت هذه السياسات معارضة شديدة من قبل النقابات العمالية، والتي نظمت إضرابات واسعة النطاق، وأبرزها إضراب عمال المناجم في منتصف الثمانينيات. على الرغم من هذه المعارضة، تمكنت تاتشر من الحفاظ على شعبيتها والحكم حتى عام 1990.
خلال فترة حكمها، شهدت المملكة المتحدة حرب الفوكلاند في عام 1982، والتي عززت من مكانة تاتشر وشعبيتها. كما شهدت البلاد تحولات اجتماعية كبيرة، حيث زادت معدلات البطالة في بعض المناطق، بينما شهدت مناطق أخرى ازدهارًا اقتصاديًا. انتهت فترة حكم تاتشر في عام 1990، بعد صراع على القيادة داخل حزب المحافظين.
حكم جون ميجور والانتقال
خلف جون ميجور، وزير الخزانة في عهد تاتشر، مارغريت تاتشر في منصب رئيس الوزراء. حاول ميجور الحفاظ على مسار الثاتشرية، مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة. واجه ميجور تحديات اقتصادية صعبة، بما في ذلك الركود الاقتصادي في أوائل التسعينيات. كما واجه صعوبات في الحفاظ على الوحدة داخل حزب المحافظين، بسبب الانقسامات حول قضايا مثل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
في عهد ميجور، وقعت المملكة المتحدة على معاهدة ماستريخت في عام 1992، والتي أدت إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي. أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعًا في بريطانيا، وأدت إلى انقسام حزب المحافظين. على الرغم من هذه التحديات، تمكن ميجور من الفوز بالانتخابات العامة في عام 1992، لكن شعبيته تراجعت في السنوات اللاحقة. خسر حزب المحافظين الانتخابات العامة في عام 1997، منهياً بذلك 18 عامًا من الحكم المتتالي.
صعود العمال بقيادة توني بلير
فاز حزب العمال بقيادة توني بلير بالانتخابات العامة في عام 1997، منهياً بذلك سنوات طويلة من الحكم المحافظ. تبنى بلير سياسة “الطريق الثالث”، التي جمعت بين بعض السياسات الاقتصادية الليبرالية وسياسات اجتماعية تقدمية. سعى بلير إلى تحديث حزب العمال والتخلص من صورته القديمة كحزب اشتراكي تقليدي.
خلال فترة حكم بلير، شهدت المملكة المتحدة فترة من الاستقرار الاقتصادي والازدهار. قام بلير بإصلاحات في قطاع الصحة والتعليم، وزاد الإنفاق العام على الخدمات العامة. كما لعبت المملكة المتحدة دورًا نشطًا في السياسة الخارجية، وشاركت في الحروب في أفغانستان والعراق. استمر بلير في منصب رئيس الوزراء حتى عام 2007، عندما استقال وسلم السلطة إلى جوردون براون.
فترة جوردون براون والأزمة المالية
خلف جوردون براون، وزير الخزانة في عهد بلير، توني بلير في منصب رئيس الوزراء في عام 2007. واجه براون تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك الأزمة المالية العالمية في عام 2008. اضطرت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات طارئة لإنقاذ البنوك والحد من آثار الأزمة.
على الرغم من جهوده، لم يتمكن براون من استعادة الثقة العامة في حزب العمال. خسر حزب العمال الانتخابات العامة في عام 2010، منهياً بذلك 13 عامًا من الحكم العمالي. شهدت فترة حكم براون أيضًا جدلاً حول حرب العراق، والإنفاق العام، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
الائتلاف الحكومي وحكم المحافظين مجدداً
بعد الانتخابات العامة في عام 2010، لم يتمكن أي من الحزبين الرئيسيين من الحصول على الأغلبية المطلقة. تشكل ائتلاف حكومي بين حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الليبراليين، بقيادة ديفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين. تبنى الائتلاف سياسات تقشفية، بهدف خفض الدين العام وتقليل الإنفاق الحكومي.
شهدت فترة حكم كاميرون استفتاءً تاريخيًا في عام 2016، حيث صوتت المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست). أدى هذا القرار إلى اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة، وإلى تغييرات في القيادة في كل من حزب المحافظين وحزب العمال. استقال كاميرون في أعقاب الاستفتاء، وخلفته تيريزا ماي في منصب رئيس الوزراء.
بريكست وتحديات ما بعد الاستفتاء
واجهت تيريزا ماي تحديات كبيرة في تنفيذ عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. حاولت ماي التفاوض على اتفاق خروج مع الاتحاد الأوروبي، لكنها واجهت معارضة من مختلف الأطراف. فشلت ماي في الحصول على موافقة البرلمان على اتفاق الخروج، واستقالت في عام 2019.
خلف بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين، تيريزا ماي في منصب رئيس الوزراء. تمكن جونسون من الفوز بالانتخابات العامة في عام 2019، وحصل على أغلبية كبيرة. وقعت المملكة المتحدة على اتفاق خروج مع الاتحاد الأوروبي في عام 2020، وخرجت رسميًا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020. واجهت حكومة جونسون تحديات أخرى، بما في ذلك جائحة كوفيد-19، والتي أدت إلى أزمة صحية واقتصادية. استقال جونسون في عام 2022 بعد سلسلة من الفضائح السياسية.
صعود ليز تراس وفترة ريشي سوناك
خلف بوريس جونسون، ليز تراس في منصب رئيس الوزراء في عام 2022. اتبعت تراس سياسات اقتصادية ليبرالية متطرفة، مما أدى إلى اضطرابات في الأسواق المالية وانهيار شعبيتها. استقالت تراس بعد ستة أسابيع فقط في منصبها، مما جعلها أقصر رئيس وزراء خدمة في تاريخ المملكة المتحدة. خلف ريشي سوناك، وزير الخزانة السابق، تراس في منصب رئيس الوزراء. يواجه سوناك تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى محاولة استعادة الاستقرار والثقة في الحكومة بعد فترة من الاضطرابات السياسية.
التحديات الحالية والمستقبلية
تواجه المملكة المتحدة حاليًا العديد من التحديات، بما في ذلك التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، تواجه البلاد تحديات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. مستقبل المملكة المتحدة يعتمد على قدرتها على معالجة هذه التحديات، والحفاظ على الوحدة الوطنية، والتكيف مع التغيرات العالمية.
- الاقتصاد: يجب على الحكومة معالجة التضخم، وارتفاع أسعار الطاقة، وتعزيز النمو الاقتصادي.
- الرعاية الصحية: نظام الصحة الوطني (NHS) يواجه ضغوطًا كبيرة، ويتطلب إصلاحات وتحسينات.
- التعليم: يجب ضمان توفير تعليم جيد لجميع الأطفال، وتقليل الفجوات التعليمية.
- العلاقات الخارجية: يجب على المملكة المتحدة الحفاظ على علاقات جيدة مع الشركاء الدوليين، والتكيف مع عالم متغير.
- بريكست: تحتاج الحكومة إلى إدارة تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبناء علاقات تجارية جديدة.
خاتمة
شهدت المملكة المتحدة في الفترة من عام 1979 حتى الوقت الحاضر تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة. من الثاتشرية إلى صعود حزب العمال، ثم إلى بريكست، واجهت البلاد تحديات كبيرة وتغيرات جذرية. لا تزال المملكة المتحدة تواجه العديد من التحديات في الوقت الحاضر، ويتوقف مستقبلها على قدرتها على معالجة هذه التحديات، والتكيف مع التغيرات العالمية. تاريخ المملكة المتحدة الحديث هو قصة صراع وتكيف مستمر، وهي قصة مستمرة في التطور.