أدولف بيهني (Adolf Behne)

نشأته وبداياته المهنية

ولد أدولف بيهني في هامبورغ بألمانيا. درس الفن والتاريخ والفلسفة في ميونيخ وباريس. في بداية حياته المهنية، عمل كصحفي وكاتب مستقل، ونشر مقالات حول الفن والعمارة في العديد من المجلات والمنشورات الألمانية. سرعان ما اكتسب سمعة كواحد من أبرز النقاد الفنيين في عصره.

أعماله الفكرية ونقده الفني

تميزت كتابات بيهني بالتحليل العميق، والمنظور الاجتماعي، والالتزام بالحداثة. كان من أشد المؤيدين للعمارة الجديدة، التي اعتبرها تعبيرًا عن الروح العصرية. في كتابه “العمارة الجديدة والبورجوازية” (1919)، انتقد بيهني العمارة التقليدية، ورأى فيها انعكاسًا للقيم البالية للطبقة البرجوازية. دعا إلى تصميمات معمارية وظيفية وعملية تعكس احتياجات المجتمع الحديث. كان يؤمن بأن العمارة يجب أن تكون في متناول الجميع، وأن تخدم الصالح العام.

ركز بيهني على أهمية الوظيفة في التصميم المعماري، معتبرًا أن الشكل يجب أن يتبع الوظيفة. كان معجبًا بأسلوب باوهاوس (Bauhaus)، وأدرك أهمية هذا التيار في تطوير التصميم الحديث. دافع عن استخدام المواد الحديثة، مثل الزجاج والخرسانة والفولاذ، في البناء. كان يؤمن بأن الفن يجب أن يكون مرتبطًا بالحياة اليومية، وأن يعبر عن قيم الديمقراطية والمساواة.

إلى جانب عمله في مجال العمارة، كتب بيهني على نطاق واسع عن الفن التشكيلي. كان من أوائل من أدركوا أهمية التعبيرية الألمانية، ودافعوا عن أعمال الفنانين مثل إرنست لودفيج كيرشنر، وإريك هيكل، وماكس بيكمان. رأى في التعبيرية تعبيرًا عن التجارب النفسية والاجتماعية للعصر الحديث، ودافع عن حق الفنانين في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية.

نشاطه السياسي والاجتماعي

لم يكن بيهني ناقدًا فنيًا فحسب، بل كان أيضًا ناشطًا سياسيًا واجتماعيًا. كان مؤيدًا قويًا للديمقراطية، وانتقد بشدة صعود الفاشية في ألمانيا. شارك في العديد من الحركات والمنظمات التي تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. عارض بشدة معاداة السامية والتمييز العنصري. اضطر إلى مغادرة ألمانيا في عام 1933 بسبب معارضته للنظام النازي.

في المنفى، واصل بيهني الكتابة والتدريس. قام بالتدريس في العديد من الجامعات والمعاهد في الخارج، ونشر مقالات ومقالات حول الفن والعمارة. استمر في التعبير عن آرائه التقدمية، والدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. بعد الحرب العالمية الثانية، عاد إلى ألمانيا، وشارك في إعادة بناء الحياة الثقافية في البلاد.

مساهماته في الفكر المعماري

كان لبيهني تأثير كبير على تطور الفكر المعماري في القرن العشرين. ساهمت كتاباته في نشر الوعي بأهمية العمارة الحديثة، وفي تعزيز الفكر النقدي حول الفن والتصميم. كان له دور أساسي في إرساء أسس العمارة الوظيفية، وفي تحديد العلاقة بين العمارة والمجتمع. دافع عن دور العمارة في تحسين الحياة اليومية للناس.

دعا بيهني إلى تصميمات معمارية تعبر عن روح العصر الحديث، وتلبي احتياجات الناس. كان يؤمن بأهمية التخطيط الحضري، وأيد فكرة بناء مدن حديثة ومنظمة. كان يؤمن بأن العمارة يجب أن تكون في خدمة المجتمع، وأن تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.

أثرت أفكار بيهني على جيل كامل من المهندسين المعماريين والمصممين. ساهمت كتاباته في تشكيل المشهد المعماري في ألمانيا والعالم. لا تزال أفكاره ذات صلة حتى اليوم، حيث تلهم المهندسين المعماريين والمصممين في سعيهم لخلق بيئات مبنية مستدامة وعادلة.

أعماله البارزة

“العمارة الجديدة والبورجوازية” (Neue Sachlichkeit und Bürgerliche Gesellschaft, 1919)
“الوسطى: مجتمع الأصدقاء” (Mittelpunkt: Gemeinschaft, 1920)
“المنزل الجديد” (Das neue Haus, 1927)

إرثه

يُعتبر أدولف بيهني شخصية محورية في تاريخ الفن والعمارة في القرن العشرين. تركت كتاباته تأثيرًا دائمًا على الفكر النقدي، والتصميم المعماري، والتخطيط الحضري. كان له دور أساسي في تطوير العمارة الحديثة، وفي تعزيز الفكر التقدمي في الفن والمجتمع. تُدرس أعماله في الجامعات والمعاهد في جميع أنحاء العالم، ولا تزال تلهم المهندسين المعماريين والمصممين والفنانين.

تعتبر كتاباته مصدرًا قيمًا لفهم التحديات والفرص التي تواجهها المجتمعات الحديثة. ساهمت أفكاره في تشكيل رؤية جديدة للعلاقة بين الفن والمجتمع، ودافعت عن دور الفن في تحسين الحياة اليومية للناس. يُذكر بيهني كواحد من أبرز المفكرين في مجال الفن والعمارة في عصره، وإرثه مستمر في التأثير على العالم من حولنا.

خاتمة

كان أدولف بيهني شخصية متعددة الجوانب تركت بصمة واضحة في عالم الفن والعمارة. بصفته ناقدًا، ومؤرخًا، وناشطًا، دافع عن قيم الحداثة، والوظيفة الاجتماعية للفن، والديمقراطية. أثرت كتاباته على جيل كامل من المهندسين المعماريين والمصممين، ولا تزال أفكاره تلهمنا حتى اليوم في سعينا لخلق مجتمع أفضل وأكثر عدالة.

المراجع

“`