تاريخ ومفهوم الاضطراب النمائي المعقد المتعدد
ظهر مفهوم MCDD في المقام الأول من خلال عمل الطبيب النفسي للأطفال، الدكتور آلان شوارتز. في الثمانينيات والتسعينيات، لاحظ شوارتز وجود مجموعة من الأطفال الذين أظهروا مزيجًا فريدًا من الصعوبات، بما في ذلك مشاكل في التفاعل الاجتماعي، والسلوك المتكرر، ومشاكل في المشاعر والسلوك. نظرًا لأن هؤلاء الأطفال لم يستوفوا بالضرورة معايير تشخيصات مثل التوحد أو الاضطراب ثنائي القطب، فقد صاغ شوارتز مصطلح “الاضطراب النمائي المعقد المتعدد” لوصف تجربتهم.
الفكرة الأساسية وراء MCDD هي أن بعض الأطفال يعانون من مزيج معقد من الأعراض التي تتداخل مع مجالات متعددة من النمو. غالباً ما يواجه هؤلاء الأطفال صعوبات في:
- التفاعل الاجتماعي: قد يواجهون صعوبة في تكوين علاقات، أو فهم الإشارات الاجتماعية، أو الاستجابة بشكل مناسب للتجارب الاجتماعية.
- التواصل: قد يكون لديهم تأخر في تطوير اللغة، أو صعوبة في استخدام اللغة للتواصل الفعال، أو صعوبة في فهم اللغة.
- التنظيم العاطفي: قد يعانون من تقلبات مزاجية شديدة، أو صعوبة في تهدئة أنفسهم، أو صعوبة في التعامل مع الإحباط.
- السلوك: قد يظهرون سلوكًا متكررًا أو نمطيًا، أو صعوبة في اتباع القواعد والتعليمات، أو مشاكل في الانتباه والتركيز.
أعراض الاضطراب النمائي المعقد المتعدد
نظرًا لأن MCDD ليس تشخيصًا رسميًا، فقد تختلف الأعراض المحددة للأطفال الذين يعانون منه. ومع ذلك، هناك بعض السمات الشائعة التي غالبًا ما تظهر:
- صعوبات في التفاعل الاجتماعي: قد يشمل ذلك صعوبة في بدء أو الحفاظ على التفاعلات الاجتماعية، أو صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية، أو تجنب الاتصال البصري.
- مشاكل في التواصل: قد تتراوح هذه المشاكل من تأخر اللغة إلى صعوبة في استخدام اللغة للتواصل الفعال، أو صعوبة في فهم اللغة.
- مشاكل في التنظيم العاطفي: قد يعاني الأطفال من تقلبات مزاجية شديدة، ونوبات غضب متكررة، وصعوبة في تهدئة أنفسهم.
- سلوكيات متكررة: قد يظهرون سلوكًا متكررًا أو نمطيًا، مثل تحريك اليدين أو هز الرأس، أو الاهتمام الشديد بأشياء معينة.
- صعوبات في السلوك: قد يعانون من صعوبة في اتباع القواعد والتعليمات، أو مشاكل في الانتباه والتركيز، أو صعوبة في الاندماج في الأنشطة الجماعية.
- القلق والاكتئاب: قد يكون الأطفال المصابون بـ MCDD أكثر عرضة للقلق والاكتئاب.
من المهم ملاحظة أن هذه الأعراض يمكن أن تحدث أيضًا في حالات أخرى، مثل التوحد، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، والاضطراب ثنائي القطب، واضطرابات المزاج الأخرى. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل تشخيص MCDD معقدًا.
تشخيص الاضطراب النمائي المعقد المتعدد
نظرًا لعدم وجود معايير تشخيصية رسمية لـ MCDD، فإن عملية التشخيص تكون معقدة. غالبًا ما يعتمد التشخيص على تقييم شامل يقوم به فريق من المتخصصين، بما في ذلك الأطباء النفسيين للأطفال، وعلماء النفس، وأخصائيي علاج النطق، والمعالجين المهنيين. يشمل التقييم عادةً:
- المقابلات: إجراء مقابلات مع الوالدين أو مقدمي الرعاية للحصول على تاريخ مفصل عن نمو الطفل وسلوكه.
- الملاحظة: ملاحظة الطفل في بيئات مختلفة، مثل المنزل والمدرسة، لتقييم سلوكه وتفاعلاته الاجتماعية.
- الاختبارات: إجراء اختبارات موحدة لتقييم القدرات المعرفية، واللغوية، والاجتماعية، والعاطفية.
- المعلومات من المدرسة: الحصول على معلومات من المعلمين حول سلوك الطفل وأدائه الأكاديمي.
بناءً على نتائج التقييم، سيقوم الفريق بتحديد ما إذا كان الطفل يفي بمعايير MCDD. نظرًا لعدم وجود معايير محددة، يعتمد التشخيص غالبًا على حكم الخبراء ومقارنة أعراض الطفل بالتوصيفات الموجودة في الأدبيات العلمية.
علاج الاضطراب النمائي المعقد المتعدد
نظرًا لأن MCDD ليس تشخيصًا رسميًا، لا توجد علاجات قياسية محددة. ومع ذلك، يمكن استخدام مجموعة متنوعة من التدخلات لدعم الأطفال الذين يعانون من الأعراض المرتبطة بـ MCDD. يعتمد العلاج على الاحتياجات المحددة للطفل وقد يشمل:
- العلاج السلوكي: يمكن أن يساعد العلاج السلوكي، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج السلوكي التطبيقي (ABA)، الأطفال على تعلم مهارات جديدة، وإدارة السلوكيات الصعبة، وتحسين التنظيم العاطفي.
- العلاج النفسي: يمكن أن يساعد العلاج النفسي، مثل العلاج الأسري والعلاج الفردي، الأطفال على فهم مشاعرهم، وتطوير آليات التكيف، وتحسين العلاقات.
- الأدوية: في بعض الحالات، يمكن وصف الأدوية لعلاج أعراض معينة، مثل القلق أو الاكتئاب أو صعوبات الانتباه. يجب أن يتم وصف الأدوية ومراقبتها من قبل طبيب نفساني للأطفال.
- العلاج الوظيفي: يمكن أن يساعد العلاج الوظيفي الأطفال على تطوير المهارات الحركية الدقيقة والمهارات الحسية اللازمة للمشاركة في الأنشطة اليومية.
- علاج النطق: يمكن أن يساعد علاج النطق الأطفال على تحسين مهاراتهم اللغوية والتواصلية.
- الدعم التعليمي: قد يحتاج الأطفال المصابون بـ MCDD إلى دعم تعليمي إضافي، مثل التعليم الخاص أو التعديلات في الفصول الدراسية، لمساعدتهم على النجاح في المدرسة.
من المهم أن يعمل الأطفال الذين يعانون من MCDD مع فريق من المتخصصين لتطوير خطة علاجية شاملة تلبي احتياجاتهم الفردية.
التحديات والجدل المحيط بـ MCDD
على الرغم من أن MCDD يمثل محاولة لفهم وتعريف مجموعة معقدة من المشاكل، إلا أنه يواجه العديد من التحديات والانتقادات:
- عدم وجود معايير تشخيصية واضحة: نظرًا لعدم وجود معايير تشخيصية رسمية، يمكن أن يختلف التشخيص بشكل كبير بين الأطباء والعيادات. هذا يمكن أن يؤدي إلى عدم الاتساق في التشخيص وصعوبة في المقارنة بين الدراسات البحثية.
- التداخل مع التشخيصات الأخرى: تتداخل أعراض MCDD بشكل كبير مع أعراض اضطرابات أخرى، مثل التوحد، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والاضطرابات المزاجية. هذا يمكن أن يجعل من الصعب التمييز بين MCDD والتشخيصات الأخرى، مما قد يؤثر على العلاج.
- الافتقار إلى الأدلة البحثية: هناك عدد قليل نسبيًا من الدراسات البحثية حول MCDD، مما يجعل من الصعب فهم أسباب وأعراض وعلاج هذه الحالة بشكل كامل.
- وصمة العار: قد يواجه الأطفال الذين يتم تشخيصهم بـ MCDD وصمة عار، خاصة إذا لم يفهم الآخرون هذا التشخيص.
الوضع الحالي لـ MCDD
في الوقت الحاضر، لا يزال MCDD فئة بحثية في المقام الأول. على الرغم من أنه غير معترف به كتشخيص رسمي، إلا أنه لا يزال يستخدم من قبل بعض الباحثين والعيادات. يتطلب هذا المفهوم مزيدًا من البحث لتحديد معايير تشخيصية واضحة، وفهم أفضل لأسباب وأعراض هذه الحالة، وتطوير علاجات فعالة.
بدلاً من MCDD، قد يستخدم الأطباء في الوقت الحالي تشخيصات أخرى، مثل اضطراب طيف التوحد، أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو اضطراب المزاج، أو اضطراب القلق، لوصف الأعراض التي تظهر على الطفل. يعتمد التشخيص الدقيق على الأعراض المحددة للطفل وتاريخه وتاريخ عائلته.
الفرق بين MCDD والتوحد
نظرًا لأن العديد من أعراض MCDD تتداخل مع أعراض التوحد، فمن المهم فهم الفرق بينهما. التوحد هو اضطراب عصبي نمائي يتميز بصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل، بالإضافة إلى السلوكيات المتكررة والاهتمامات المقيدة. يشمل التشخيص عادةً صعوبة في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وصعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية، والاهتمامات أو الأنشطة المقيدة والمتكررة. بينما قد تظهر بعض الأعراض المتشابهة، هناك اختلافات رئيسية:
- معايير التشخيص: التوحد له معايير تشخيصية محددة مدرجة في DSM-5 و ICD-11. MCDD ليس له معايير تشخيصية محددة.
- التركيز على التفاعل الاجتماعي: في التوحد، غالبًا ما تكون صعوبات التفاعل الاجتماعي هي السمة المميزة. في MCDD، يمكن أن تكون صعوبات التفاعل الاجتماعي موجودة، ولكنها قد تكون أقل تركيزًا من المشكلات الأخرى.
- السلوكيات المتكررة: السلوكيات المتكررة موجودة في كل من التوحد و MCDD. ومع ذلك، قد تكون السلوكيات المتكررة في MCDD أقل وضوحًا أو أقل أهمية من السلوكيات المتكررة في التوحد.
- العلاج: بينما قد تتداخل بعض التدخلات المستخدمة لعلاج التوحد مع العلاجات المستخدمة في MCDD، إلا أن العلاجات المحددة قد تختلف.
من الضروري أن يتم تشخيص الأطفال من قبل متخصصين مؤهلين لتحديد التشخيص الدقيق وتطوير خطة علاجية مناسبة.
نصائح للآباء والأمهات
إذا كان طفلك يعاني من أعراض قد تشير إلى MCDD أو حالة أخرى، فهناك عدة خطوات يمكنك اتخاذها:
- احصل على تقييم شامل: اطلب تقييمًا شاملاً من فريق من المتخصصين لتحديد التشخيص الدقيق واحتياجات طفلك.
- ابحث عن الدعم: انضم إلى مجموعات الدعم أو تحدث إلى مستشار أو معالج للحصول على الدعم العاطفي والمعلومات.
- كن مدافعًا عن طفلك: تعرف على حقوق طفلك، وتعاون مع المدرسة لتوفير الدعم التعليمي المناسب.
- تعلم قدر الإمكان: اقرأ عن MCDD والحالات الأخرى ذات الصلة، وتعلم كيفية دعم طفلك بشكل أفضل.
- اعتني بنفسك: رعاية طفل يعاني من صعوبات يمكن أن تكون مرهقة. تأكد من الاعتناء بصحتك الجسدية والعقلية للحفاظ على طاقتك وتقديم الدعم المناسب لطفلك.
الاعتبارات المستقبلية
مستقبل MCDD غير مؤكد. هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد معايير تشخيصية واضحة، وفهم أفضل لأسباب وأعراض هذه الحالة، وتطوير علاجات فعالة. بالإضافة إلى ذلك، من المهم تقييم ما إذا كان MCDD هو بالفعل فئة تشخيصية مفيدة، أو ما إذا كان من الأفضل للأطفال الذين يعانون من هذه الأعراض أن يتم تشخيصهم وفقًا لتشخيصات أخرى، مثل التوحد أو اضطرابات المزاج أو اضطراب القلق.
يجب على الباحثين أيضًا أن يركزوا على فهم العوامل البيولوجية والاجتماعية والنفسية التي تساهم في تطور MCDD. يمكن أن يساعد هذا في تحديد التدخلات المبكرة التي قد تمنع أو تقلل من شدة الأعراض.
خاتمة
الاضطراب النمائي المعقد المتعدد (MCDD) هو فئة بحثية لوصف الأطفال الذين يعانون من مزيج معقد من الصعوبات في التفاعل الاجتماعي، والتواصل، والتنظيم العاطفي، والسلوك. على الرغم من أنه ليس تشخيصًا رسميًا، إلا أنه يوفر إطارًا لفهم هؤلاء الأطفال الذين قد لا تتناسب أعراضهم مع التشخيصات الأخرى. يتطلب تشخيص MCDD تقييمًا شاملاً من قبل فريق من المتخصصين. العلاج يعتمد على الاحتياجات الفردية للطفل وقد يشمل العلاج السلوكي، والعلاج النفسي، والأدوية، والعلاج الوظيفي، وعلاج النطق، والدعم التعليمي. هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم MCDD بشكل أفضل وتطوير علاجات فعالة.
المراجع
- Schwartz, A. H. (1998). A proposed diagnostic category: Multiple complex developmental disorder. Journal of the American Academy of Child & Adolescent Psychiatry, 37(10), 1034-1042.
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.).
- World Health Organization. (2022). International classification of diseases, 11th revision (ICD-11).
- Autism Speaks.