نشأته وبداية حياته المهنية
ولد فيكرت أبديتش في قرية فيليكا كوليدوشا بالقرب من بلدة كازين في البوسنة والهرسك، التي كانت آنذاك جزءًا من مملكة يوغوسلافيا. تلقى تعليمه في البوسنة، ثم درس في جامعة زغرب، حيث حصل على درجة علمية في الاقتصاد. بعد تخرجه، بدأ مسيرته المهنية في قطاع الأعمال، حيث أظهر مهارات قيادية وقدرة على إدارة المشاريع التجارية.
بدأ أبديتش مسيرته السياسية في يوغوسلافيا، حيث انتخب عمدة لبلدية كازين. في هذا المنصب، اكتسب شعبية من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية للمنطقة، وتنفيذ مشاريع بنية تحتية وتحسين مستوى معيشة السكان. كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه رجل عملي قادر على تحقيق نتائج ملموسة.
صعوده السياسي في يوغوسلافيا
صعد أبديتش إلى الشهرة السياسية في يوغوسلافيا كمدير ناجح لشركة “أغروكوميرتس” (Agrokomerc)، وهي شركة زراعية وصناعية مقرها في ولاية فيليكا كوليدوشا. نجحت “أغروكوميرتس” في التوسع بشكل كبير في عهد أبديتش، لتصبح واحدة من أكبر الشركات في يوغوسلافيا. وقد قام ببناء علاقات واسعة مع القادة السياسيين ورجال الأعمال، مما ساعده على تعزيز نفوذه.
في عام 1987، تورط أبديتش في فضيحة فساد كبيرة تتعلق بـ “أغروكوميرتس”، والتي شملت إصدار كميات كبيرة من السندات غير الموثوقة. على الرغم من أن أبديتش لم يُتهم رسميًا، إلا أن الفضيحة أدت إلى تدهور صورته العامة وإلى خسارته للنفوذ السياسي. ومع ذلك، فقد تمكن من الحفاظ على شعبيته في منطقة كازين.
الحرب البوسنية والهرسك
مع اندلاع الحرب في البوسنة والهرسك في أوائل التسعينيات، برز أبديتش مرة أخرى كشخصية سياسية. في عام 1990، فاز في الانتخابات كعضو في رئاسة البوسنة والهرسك، ممثلاً عن الحزب الديمقراطي للعمل. خلال الفترة الأولى من الحرب، حافظ أبديتش على علاقة متوترة مع قيادة الحزب الحاكمة، خاصة مع علي عزت بيغوفيتش، رئيس البوسنة والهرسك.
في عام 1993، أعلن أبديتش عن إنشاء “منطقة الحكم الذاتي في غرب البوسنة”، والتي شملت منطقة حول بلدة كازين. أدى هذا الإعلان إلى صراع مسلح بين أنصار أبديتش وقوات الجيش البوسني. اتُهم أبديتش بالتعاون مع القوات الصربية والكرواتية، الذين كانوا يقاتلون ضد الحكومة البوسنية. خلال هذا الصراع، ارتكبت جرائم حرب، بما في ذلك القتل والتعذيب والتهجير القسري، من قبل كلا الجانبين.
أدت أفعال أبديتش خلال الحرب إلى اتهامه بالخيانة والتعاون مع العدو. في عام 1994، وبعد سيطرة القوات الحكومية البوسنية على أراضي منطقة الحكم الذاتي في غرب البوسنة، فر أبديتش إلى كرواتيا.
محاكمته وإدانته
بعد انتهاء الحرب، عاد أبديتش إلى كرواتيا، حيث ظل يقيم هناك لسنوات عديدة. في عام 2002، اعتقلته السلطات الكرواتية بناءً على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن البوسنة والهرسك. اتُهم أبديتش بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قتل المدنيين وتعذيبهم، خلال صراع غرب البوسنة.
في عام 2002، بدأت محاكمة أبديتش في كرواتيا. أدين في عام 2003 وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا. خفف الحكم لاحقًا إلى 15 عامًا. قضى أبديتش جزءًا كبيرًا من عقوبته في سجن في كرواتيا. أثارت إدانته جدلاً كبيراً في البوسنة والهرسك، حيث انقسمت الآراء حول دوره في الحرب.
الإفراج عنه وعودته إلى الحياة السياسية
أطلق سراح أبديتش من السجن في عام 2012 بعد أن قضى ثلثي مدة عقوبته. بعد إطلاق سراحه، عاد إلى مسقط رأسه في البوسنة والهرسك. في عام 2016، ترشح أبديتش لمنصب عمدة بلدة فيليكا كوليدوشا وفاز بالانتخابات، مما أثار موجة من الجدل والإدانة.
أدى فوز أبديتش بالانتخابات إلى إدانة واسعة من قبل المنظمات الدولية والناجين من جرائم الحرب، الذين رأوا في ذلك إهانة للضحايا ورمزًا للإفلات من العقاب. ومع ذلك، حافظ أبديتش على شعبيته في منطقة كازين، حيث كان يعتبر رجلًا أنقذ المنطقة من الدمار خلال الحرب.
منذ عودته إلى الحياة السياسية، واجه أبديتش العديد من الانتقادات والاحتجاجات. ومع ذلك، فقد استمر في ممارسة عمله كعمدة لبلدة فيليكا كوليدوشا، مما يعكس الانقسامات العميقة التي لا تزال قائمة في المجتمع البوسني بشأن الماضي.
تقييم ميراثه
يعتبر فيكرت أبديتش شخصية مثيرة للجدل في البوسنة والهرسك. يُنظر إليه من قبل البعض على أنه رجل أعمال وسياسي ناجح قدم فوائد اقتصادية لمنطقته. بالنسبة لآخرين، يُنظر إليه على أنه مجرم حرب خان شعبه وتعاون مع القوات المعتدية. يمثل ميراثه الانقسامات العميقة التي لا تزال قائمة في البوسنة والهرسك بعد سنوات من الحرب.
لا يزال دور أبديتش في الحرب البوسنية موضوعًا للنقاش والجدل. أدت إدانته بجرائم الحرب إلى إدانته على نطاق واسع، في حين اعتبره البعض ضحية للمؤامرات السياسية. بغض النظر عن الآراء، فإن أفعاله خلال الحرب أثرت بشكل كبير على مسار الأحداث في البوسنة والهرسك، ولا تزال تترك أثرًا على المجتمع.
خاتمة
فيكرت أبديتش شخصية معقدة ومثيرة للجدل في تاريخ البوسنة والهرسك. برز في البداية كشخصية اقتصادية وسياسية ناجحة في يوغوسلافيا، ثم أصبح شخصية رئيسية خلال حرب البوسنة والهرسك. أدت قراراته خلال الحرب إلى اتهامه بارتكاب جرائم حرب وإدانته. بعد الإفراج عنه، عاد إلى الحياة السياسية، مما أثار جدلاً كبيرًا. يمثل ميراث أبديتش الانقسامات العميقة في المجتمع البوسني وتأثير الحرب على المنطقة.