مقدمة
عبد البهاء (23 مايو 1844 – 28 نوفمبر 1921)، وُلد باسم عباس، هو الابن الأكبر لبهاء الله، مؤسس الديانة البهائية، وخليفته المعين. يعتبر عبد البهاء شخصية محورية في الدين البهائي، حيث يُنظر إليه على أنه المثال الكامل للبهائي، ومفسر موثوق لتعاليم بهاء الله، ومهندس رؤية بهائية للمجتمع العالمي.
حياته المبكرة
وُلد عباس في طهران، إيران، في الليلة التي أعلن فيها الباب دعوته. قضى سنواته الأولى في ظل اضطهاد مستمر، حيث تعرضت عائلته للاعتقال والسجن بسبب معتقداتهم البابية. كانت هذه الفترة حافلة بالصعوبات، لكنها شكلت شخصيته وأعدته للدور الذي سيقوم به لاحقًا في نشر الدين البهائي.
في عام 1852، عندما كان عمره ثماني سنوات، سُجن والده، بهاء الله، وتعرضت العائلة لمصادرة ممتلكاتها. شهد عبد البهاء معاناة والده والظروف القاسية التي واجهها السجناء البابيون. هذه التجارب تركت أثرًا عميقًا عليه، وعززت تصميمه على خدمة الإنسانية.
بعد إطلاق سراح بهاء الله من السجن، نُفي إلى بغداد، ثم إلى إسطنبول، وأخيرًا إلى عكا. رافق عبد البهاء والده في جميع هذه المنافي، وكان بمثابة السكرتير والمدافع عنه، وتحمل معه صعوبات السفر والإقامة في ظروف غير مستقرة.
دوره في الدين البهائي
بعد وفاة بهاء الله عام 1892، تولى عبد البهاء قيادة الدين البهائي وفقًا لوصية والده. أوصى بهاء الله بأن يكون عبد البهاء هو “مركز العهد والميثاق”، والمفسر الوحيد لتعاليمه. لعب عبد البهاء دورًا حاسمًا في توحيد البهائيين وتوجيههم بعد وفاة بهاء الله، وواجه العديد من التحديات في الحفاظ على وحدة الجامعة البهائية.
تميزت فترة قيادة عبد البهاء بنشر التعاليم البهائية على نطاق واسع، وتوسيع الجامعة البهائية لتشمل مناطق جديدة في جميع أنحاء العالم. قام عبد البهاء بالعديد من الرحلات إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث ألقى محاضرات وخطابات حول السلام العالمي والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، وغيرها من المبادئ البهائية.
رحلاته إلى الغرب
بين عامي 1911 و 1913، قام عبد البهاء برحلات تاريخية إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. زار لندن وباريس ونيويورك وغيرها من المدن الكبرى، حيث التقى بالعديد من الشخصيات البارزة من مختلف الخلفيات، بما في ذلك العلماء والفنانين والناشطين الاجتماعيين.
خلال هذه الرحلات، أكد عبد البهاء على أهمية الوحدة والتسامح والمحبة، ودعا إلى إقامة عالم يسوده السلام والعدل. تحدث عن الحاجة إلى التغلب على التحيزات والتمييز، والعمل معًا من أجل بناء مستقبل أفضل للإنسانية. لاقت كلماته صدى واسعًا، وأثرت في العديد من الأشخاص الذين سعوا إلى فهم أعمق للتعاليم البهائية.
تضمنت خطابات عبد البهاء في الغرب دعوات إلى:
- السلام العالمي: أكد على ضرورة إقامة سلام دائم بين الأمم، وحل النزاعات من خلال الحوار والتفاوض.
- الوحدة الإنسانية: دعا إلى الاعتراف بوحدة الجنس البشري، والتغلب على الاختلافات العرقية والدينية والثقافية.
- العدالة الاجتماعية: أكد على أهمية تحقيق العدالة والمساواة للجميع، والقضاء على الفقر والظلم.
- المساواة بين الجنسين: دعا إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الرجال والنساء، وتمكين المرأة من المشاركة في جميع جوانب الحياة.
- التعليم الشامل: أكد على أهمية توفير التعليم للجميع، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين.
مؤلفاته
ترك عبد البهاء إرثًا غنيًا من الكتابات والخطابات التي تعتبر مصدر إلهام وتوجيه للبهائيين في جميع أنحاء العالم. تشمل بعض أعماله الرئيسية:
- رسالة المدنية الإلهية: وهي رسالة موجهة إلى البهائيين في أمريكا الشمالية، تتناول موضوع بناء مجتمع بهائي مثالي.
- مقالة شخصية لمسافر: وهي سرد لرحلة عبد البهاء إلى الأرض المقدسة.
- مفاوضات عبد البهاء: وهي مجموعة من المحاضرات والخطابات التي ألقاها عبد البهاء خلال رحلاته إلى الغرب.
- رسائل عبد البهاء: وهي مجموعة كبيرة من الرسائل التي كتبها عبد البهاء إلى الأفراد والمجتمعات البهائية في جميع أنحاء العالم.
تتميز كتابات عبد البهاء بالوضوح والبساطة والعمق الروحي. تتناول هذه الكتابات مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك طبيعة الله، والغرض من الحياة، وأهمية الوحدة والتعاون، ودور الدين في المجتمع.
خدمته الإنسانية
عُرف عبد البهاء بحبه العميق للإنسانية، وتفانيه في خدمة الآخرين. كان يهتم بشكل خاص بالفقراء والمحتاجين، ويعمل على توفير المساعدة والدعم لهم. أسس العديد من المؤسسات الخيرية والإنسانية، وساهم في تحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم.
خلال الحرب العالمية الأولى، قام عبد البهاء بتنظيم جهود إغاثة واسعة النطاق في فلسطين، حيث قدم الغذاء والدواء والمأوى للمحتاجين، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم. حظي عمله الإنساني بتقدير كبير من قبل السلطات المحلية والدولية، وحصل على لقب فارس الإمبراطورية البريطانية في عام 1920 تقديرًا لخدماته.
مركزه في العهد البهائي
إن مركز عبد البهاء في العهد البهائي فريد من نوعه في تاريخ الأديان. لم يتم تعيينه فقط خليفة لبهاء الله، بل تم تعيينه أيضًا المفسر الوحيد لتعاليمه. وهذا يعني أن البهائيين يعتبرون تفسيرات عبد البهاء موثوقة ومعصومة، وأنها تشكل جزءًا لا يتجزأ من الكتابات البهائية المقدسة.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر عبد البهاء “المثال الكامل” للبهائي. وهذا يعني أن البهائيين يسعون إلى الاقتداء بحياته وأخلاقه، وأن يعتبرونه نموذجًا يحتذى به في سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين.
وفاته وإرثه
توفي عبد البهاء في حيفا، فلسطين، في 28 نوفمبر 1921. حضر جنازته حشود كبيرة من الناس من مختلف الأديان والأعراق، الذين أتوا لتوديعه والتعبير عن تقديرهم لحياته وخدماته.
ترك عبد البهاء إرثًا دائمًا من الحب والوحدة والسلام. ألهمت حياته وتعاليمه الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، وساهمت في بناء مجتمع عالمي أكثر عدلاً وسلامًا. يعتبر عبد البهاء شخصية محورية في الدين البهائي، وسيظل تأثيره ملموسًا لأجيال قادمة.
خاتمة
عبد البهاء، الابن الأكبر لبهاء الله، شخصية بارزة في التاريخ البهائي. دوره كمركز للعهد والميثاق، والمفسر الموثوق لتعاليم بهاء الله، والمثال الكامل للبهائي، جعله شخصية محورية في الدين البهائي. من خلال حياته وخدمته للإنسانية، ترك إرثًا دائمًا من الوحدة والسلام والعدالة الاجتماعية.