مقدمة
أُجريت انتخابات المجلس التشريعي في اليونان في 5 مارس 1933. أسفرت هذه الانتخابات عن فوز حزب الشعب الملكي كأكبر حزب في البرلمان اليوناني، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في المشهد السياسي اليوناني.
خلفية الأحداث
شهدت اليونان في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين فترة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. كانت البلاد تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى الانقسامات السياسية العميقة بين الملكيين والجمهوريين. تفاقمت هذه الانقسامات بسبب تدخل الجيش في السياسة، مما أدى إلى سلسلة من الانقلابات والإطاحات الحكومية.
في عام 1932، شهدت اليونان عدة حكومات قصيرة الأجل، وفشلت جميعها في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملحة. كان بانايوتيس تسالدريس، زعيم حزب الشعب، يحاول تشكيل حكومة مستقرة، لكنه واجه صعوبات جمة بسبب معارضة الأحزاب الأخرى، خاصة الحزب الليبرالي بقيادة إلفثيريوس فينيزيلوس.
النظام الانتخابي
أجريت انتخابات عام 1933 وفقًا لنظام التمثيل النسبي المعزز. كان هذا النظام يهدف إلى منح الحزب الأكبر ميزة في عدد المقاعد، مما يساعد على تشكيل حكومة مستقرة. ومع ذلك، فقد أدى أيضًا إلى استياء الأحزاب الصغيرة التي شعرت بأنها ممثلة تمثيلاً ناقصًا.
كانت عملية التصويت تجري عن طريق الاقتراع السري المباشر. يحق لجميع المواطنين اليونانيين الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 21 عامًا التصويت. لم يُسمح للنساء بالتصويت في ذلك الوقت.
الأحزاب المتنافسة
شهدت انتخابات عام 1933 تنافسًا بين عدة أحزاب رئيسية، بما في ذلك:
- حزب الشعب (Λαϊκό Κόμμα): حزب ملكي محافظ بقيادة بانايوتيس تسالدريس.
- الحزب الليبرالي (Κόμμα Φιλελευθέρων): حزب جمهوري ليبرالي بقيادة إلفثيريوس فينيزيلوس.
- حزب الزراعين (Αγροτικό Κόμμα): حزب يمثل مصالح المزارعين والفلاحين.
- الحزب الشيوعي اليوناني (Κομμουνιστικό Κόμμα Ελλάδας – ΚΚΕ): حزب يساري متطرف يدعو إلى الثورة الاشتراكية.
كان حزب الشعب وحزب الليبراليين هما القوتين السياسيتين الرئيسيتين في اليونان في ذلك الوقت، وكانا يمثلان وجهتي نظر متعارضتين بشأن مستقبل البلاد. كان حزب الشعب يدعو إلى عودة الملكية، بينما كان الحزب الليبرالي يؤيد بقاء الجمهورية.
نتائج الانتخابات
أسفرت انتخابات 5 مارس 1933 عن النتائج التالية:
- حزب الشعب: فاز بأكبر عدد من المقاعد، لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة.
- الحزب الليبرالي: حل في المرتبة الثانية بعدد كبير من المقاعد.
- الأحزاب الأخرى: حصلت على عدد قليل من المقاعد، ولم يكن لأي منها تأثير كبير على النتيجة النهائية.
نظرًا لأن حزب الشعب لم يحصل على الأغلبية المطلقة، فقد اضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى من أجل الحصول على دعم كاف في البرلمان. ومع ذلك، كانت هذه الحكومة الائتلافية ضعيفة وغير مستقرة، وسرعان ما واجهت صعوبات في الحكم.
تداعيات الانتخابات
كان لانتخابات عام 1933 تداعيات كبيرة على السياسة اليونانية. فقد أدت إلى:
- تزايد حدة الانقسامات السياسية: ازدادت حدة الانقسامات بين الملكيين والجمهوريين، مما أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي.
- محاولة انقلاب 1935: في عام 1935، قاد أنصار فينيزيلوس محاولة انقلاب فاشلة للإطاحة بالحكومة وإعادة الجمهورية.
- صعود الديكتاتورية: في عام 1936، استغل الجنرال إيوانيس ميتاكساس حالة عدم الاستقرار السياسي لفرض ديكتاتورية عسكرية على البلاد.
أدت انتخابات عام 1933 إلى فترة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية في اليونان، والتي بلغت ذروتها في فرض الديكتاتورية. كانت هذه الديكتاتورية بمثابة نهاية مؤقتة للديمقراطية في اليونان، وأثرت بشكل كبير على تاريخ البلاد في العقود اللاحقة.
محاولة انقلاب 1935
بعد نتائج انتخابات 1933، ازدادت التوترات السياسية في اليونان بشكل ملحوظ. شعر أنصار إلفثيريوس فينيزيلوس، زعيم الحزب الليبرالي، بأن الانتخابات قد زُورت وأن الحكومة الجديدة غير شرعية. تصاعدت هذه المشاعر لتصل إلى ذروتها في محاولة انقلاب فاشلة في مارس 1935.
قاد هذه المحاولة ضباط عسكريون موالون لفينيزيلوس، بهدف الإطاحة بالحكومة وإعادة الجمهورية. ومع ذلك، تم قمع الانقلاب بسرعة من قبل القوات الحكومية الموالية، وتم القبض على العديد من المتآمرين، بمن فيهم فينيزيلوس نفسه.
تمت محاكمة فينيزيلوس وحُكم عليه بالإعدام، ولكن تم تخفيف الحكم لاحقًا إلى السجن المؤبد. ومع ذلك، تمكن فينيزيلوس من الفرار من السجن والذهاب إلى المنفى في الخارج. توفي فينيزيلوس في باريس عام 1936.
كان لفشل محاولة الانقلاب تداعيات كبيرة على السياسة اليونانية. فقد أدى إلى:
- تطهير الجيش: قامت الحكومة بتطهير الجيش من الضباط الموالين لفينيزيلوس، مما أضعف المؤسسة العسكرية.
- تزايد نفوذ اليمين المتطرف: أدى فشل الانقلاب إلى تزايد نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة التي كانت تدعو إلى فرض نظام استبدادي.
- تمهيد الطريق للديكتاتورية: أدت حالة عدم الاستقرار السياسي والفوضى التي أعقبت محاولة الانقلاب إلى تمهيد الطريق لفرض الديكتاتورية في عام 1936.
صعود الديكتاتورية الميتاكساسية
في عام 1936، استغل الجنرال إيوانيس ميتاكساس حالة عدم الاستقرار السياسي والفوضى التي كانت تعم البلاد لفرض ديكتاتورية عسكرية. أعلن ميتاكساس حالة الطوارئ، وعلق العمل بالدستور، وحل البرلمان، وقمع الحريات السياسية.
أسس ميتاكساس نظامًا استبداديًا مستوحى من الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية. قام بحظر الأحزاب السياسية، وقمع المعارضة، وفرض الرقابة على الصحافة، وأنشأ جهازًا أمنيًا قويًا لمراقبة المواطنين وقمع أي شكل من أشكال المعارضة.
تبنى ميتاكساس سياسة خارجية محايدة في بداية الحرب العالمية الثانية، لكنه سرعان ما انحاز إلى الحلفاء بعد أن غزت إيطاليا اليونان في عام 1940. قاد ميتاكساس المقاومة اليونانية ضد الغزو الإيطالي، وحقق انتصارات مهمة في البداية. ومع ذلك، توفي ميتاكساس في عام 1941، وتولت ألمانيا النازية غزو اليونان واحتلالها.
استمرت الديكتاتورية الميتاكساسية حتى عام 1941، عندما احتلت ألمانيا النازية اليونان. كانت هذه الديكتاتورية بمثابة نهاية مؤقتة للديمقراطية في اليونان، وتركت آثارًا عميقة على المجتمع اليوناني.
تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية
لعبت الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في عام 1929 دورًا كبيرًا في زعزعة الاستقرار السياسي في اليونان وتسهيل صعود الديكتاتورية. تسببت الأزمة في:
- ارتفاع معدلات البطالة: فقد العديد من اليونانيين وظائفهم بسبب إغلاق المصانع والشركات.
- انخفاض الأجور: اضطر العمال إلى قبول أجور أقل من أجل الحفاظ على وظائفهم.
- ارتفاع الأسعار: ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، مما أدى إلى تدهور مستوى المعيشة.
- الإفلاس: أفلست العديد من الشركات والمزارع بسبب عدم قدرتها على سداد الديون.
أدت هذه الظروف الاقتصادية الصعبة إلى زيادة الاستياء الشعبي من الحكومة، وتوفير أرضية خصبة للأحزاب المتطرفة التي وعدت بحلول سريعة وسهلة للمشاكل الاقتصادية. استغل ميتاكساس هذا الاستياء الشعبي لفرض ديكتاتوريته، مدعيًا أنه قادر على حل المشاكل الاقتصادية بشكل أفضل من الحكومات الديمقراطية.
خاتمة
كانت انتخابات المجلس التشريعي اليوناني عام 1933 نقطة تحول حاسمة في تاريخ اليونان الحديث. أدت هذه الانتخابات إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى، والتي بلغت ذروتها في فرض الديكتاتورية الميتاكساسية. لعبت الانقسامات السياسية العميقة والأزمة الاقتصادية العالمية دورًا كبيرًا في هذه الأحداث.