تاريخ التأسيس والتطور
يعود تأسيس “إيدا هاهاريديت” إلى فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وتحديداً في عام 1920. تأسست كرد فعل على صعود الحركة الصهيونية وتزايد نفوذها في القدس. كان المؤسسون من اليهود الأرثوذكس المتشددين الذين رأوا في الصهيونية تهديدًا للقيم اليهودية التقليدية والاستقلالية الدينية. كان هدفهم الحفاظ على أسلوب الحياة الأرثوذكسي التقليدي، ورفض أي تسوية مع الحداثة أو مع الحركة الصهيونية.
تطورت “إيدا هاهاريديت” على مر السنين، وشهدت انقسامات داخلية، وتغييرات في القيادة، وتوسعت في نفوذها. لعبت الجماعة دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية اليهودية الأرثوذكسية في القدس، وأنشأت شبكة من المؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية لخدمة أعضائها.
المعتقدات والممارسات
تلتزم “إيدا هاهاريديت” بمعتقدات وممارسات يهودية أرثوذكسية متشددة. من أبرز معتقداتهم:
- رفض الصهيونية: يعتبرون الصهيونية حركة علمانية تخالف الشريعة اليهودية. يعتقدون أن عودة اليهود إلى أرض إسرائيل يجب أن تتم بقيادة المسيح وليس من خلال جهود بشرية.
- التمسك بالشريعة اليهودية: يشددون على الالتزام الصارم بالشريعة اليهودية (الهالاخاه) في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الصلاة، والاحتفالات، واللباس، والتغذية.
- العزلة عن العالم العلماني: يشجعون على العزلة عن المجتمع العلماني والتركيز على الحياة الدينية والتعليم اليهودي.
- التعليم الديني المكثف: يولي التعليم الديني أهمية قصوى، ويخصصون وقتًا طويلًا لدراسة التوراة والتلمود وغيرها من الكتب المقدسة.
تشمل ممارساتهم:
- اللباس التقليدي: يرتدون ملابس تقليدية تميزهم عن غيرهم من اليهود، مثل القبعات السوداء والسترات الطويلة للرجال، والملابس المحتشمة للنساء.
- الحياة المجتمعية المنظمة: يعيشون في مجتمعات منفصلة داخل القدس، ويحافظون على تقاليدهم وعاداتهم الخاصة.
- مقاطعة المؤسسات الصهيونية: يقاطعون المؤسسات الحكومية الصهيونية، مثل الجيش والبرلمان، ولا يعترفون بسلطتها.
- النشاط السياسي: يشاركون في الأنشطة السياسية التي تخدم مصالحهم، مثل الحفاظ على الوضع الراهن في القدس ومنع أي تغييرات تعتبرها تهديدًا لأسلوب حياتهم.
التنظيم والهيكل
تتكون “إيدا هاهاريديت” من عدة فصائل ومجموعات، لكل منها قيادتها الخاصة ومعتقداتها الخاصة. ومع ذلك، فإنهم يتشاركون في رؤية مشتركة للحفاظ على اليهودية الأرثوذكسية المتشددة.
تعتبر القيادة الروحية للجماعة في يد الحاخامات، الذين يتمتعون بنفوذ كبير على أعضائها. يلعب الحاخامات دورًا في اتخاذ القرارات المهمة، وتوجيه الأعضاء في جميع جوانب الحياة. بالإضافة إلى ذلك، توجد لجان ومؤسسات لإدارة شؤون الجماعة، بما في ذلك التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية.
العلاقة مع المجتمع الإسرائيلي
تتسم العلاقة بين “إيدا هاهاريديت” والمجتمع الإسرائيلي بالتوتر والتعقيد. فهم يعارضون بشدة الصهيونية، ويعتبرون الدولة الإسرائيلية كيانًا غير شرعي. غالبًا ما يشاركون في احتجاجات ومظاهرات ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية التي يرونها تتعارض مع قيمهم الدينية.
ومع ذلك، فإنهم يعتمدون على الدولة الإسرائيلية في بعض الجوانب، مثل الحصول على الخدمات الأساسية، والرعاية الصحية، والتعليم. كما أنهم يتلقون بعض الدعم المالي من الحكومة الإسرائيلية لمؤسساتهم الدينية والتعليمية.
تثير مواقف “إيدا هاهاريديت” جدلاً واسعًا في المجتمع الإسرائيلي. يراها البعض على أنها مجموعة متطرفة تعيق التقدم والتكامل في المجتمع، بينما يراها آخرون على أنها نموذج للحفاظ على الهوية اليهودية التقليدية في وجه تحديات الحداثة والعلمانية.
القضايا والمواقف الرئيسية
تشغل “إيدا هاهاريديت” مواقف متشددة في عدد من القضايا الرئيسية:
- التجنيد في الجيش: يرفضون تجنيد الشباب اليهود المتشددين في الجيش الإسرائيلي، ويعتبرون الخدمة العسكرية تتعارض مع دراسة التوراة والالتزام الديني.
- التعليم: يدعمون التعليم الديني التقليدي ويرفضون المناهج التعليمية العلمانية التي يرونها تهديدًا لقيمهم الدينية.
- الحياة العامة: يعارضون أي تغييرات في الوضع الراهن في القدس، ويسعون للحفاظ على طابع المدينة الديني التقليدي.
- المرأة: لديهم وجهات نظر محافظة بشأن دور المرأة في المجتمع، ويدعمون الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة.
- الحياة الاقتصادية: على الرغم من انعزالهم، يشاركون في الحياة الاقتصادية، وغالبًا ما يديرون أعمالًا تجارية خاصة بهم، ويحرصون على الامتثال للشريعة اليهودية في معاملاتهم.
التأثير والانتشار
على الرغم من أن “إيدا هاهاريديت” تمثل أقلية صغيرة في المجتمع الإسرائيلي، إلا أنها تتمتع بتأثير كبير على الحياة الدينية والسياسية في القدس. تتركز قوتهم في القدس، حيث يشكلون نسبة كبيرة من السكان في بعض الأحياء، مثل حي مئة شعاريم.
امتد تأثيرهم إلى خارج إسرائيل، حيث أنشأوا مجتمعات في عدد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا. يحافظون على روابط قوية مع هذه المجتمعات، ويشاركون في تبادل الأفكار والموارد.
تستمر “إيدا هاهاريديت” في النمو والتوسع، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع معدلات المواليد في مجتمعاتهم. يواجهون تحديات في الحفاظ على أسلوب حياتهم التقليدي في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العالم.
التحديات المستقبلية
تواجه “إيدا هاهاريديت” عددًا من التحديات في المستقبل:
- الحفاظ على الهوية الدينية: يواجهون صعوبة في الحفاظ على الهوية الدينية التقليدية في وجه تحديات الحداثة والعلمانية.
- الاندماج في المجتمع: يواجهون صعوبة في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي بسبب مواقفهم المتشددة ورفضهم للقيم العلمانية.
- الدعم المالي: يعتمدون على الدعم المالي من الحكومة الإسرائيلية والمصادر الخاصة، وقد يواجهون صعوبة في الحصول على هذا الدعم في المستقبل.
- القيادة: يواجهون تحديات في الحفاظ على قيادة قوية ومتماسكة في ظل التغيرات الديموغرافية والاجتماعية.
الخلاصة
تمثل “إيدا هاهاريديت” نموذجًا فريدًا للحياة اليهودية الأرثوذكسية المتشددة. تأسست هذه الجماعة كرد فعل على صعود الصهيونية والحداثة، وهي تلتزم بقيم دينية صارمة وترفض أي تسوية مع العالم العلماني. على الرغم من أنها تمثل أقلية صغيرة في المجتمع الإسرائيلي، إلا أنها تتمتع بتأثير كبير على الحياة الدينية والسياسية في القدس. تواجه الجماعة تحديات في الحفاظ على هويتها الدينية والاندماج في المجتمع، لكنها تواصل النمو والتوسع.