جوردون باسك (Gordon Pask)

نشأته وبداياته

ولد جوردون باسك في إنجلترا، وتلقى تعليمه في عدد من المؤسسات المرموقة. كان شغفه بالتعقيد والأنظمة يظهر في وقت مبكر من حياته. درس باسك الكيمياء في جامعة كامبريدج، وحصل على درجة البكالوريوس ثم الدكتوراه. خلال دراسته، بدأ في استكشاف مجالات تتجاوز الكيمياء، مثل علم النفس وعلم الأعصاب، مما مهد الطريق لعمله الرائد في السيبرنيطيقا.

مساهماته في السيبرنيطيقا

تعتبر مساهمات باسك في السيبرنيطيقا كبيرة ومؤثرة. السيبرنيطيقا، في جوهرها، هي دراسة الأنظمة المعقدة، وكيفية تنظيمها والتحكم فيها، وتعتمد على التغذية الراجعة. كان باسك رائداً في تطوير “نظرية التعلم” و “نظرية المحادثة”.

نظرية التعلم (Learning Theory)

كان باسك يعتقد أن التعلم عملية اجتماعية، تتضمن تفاعلات بين المتعلمين. لقد تصور المتعلمين على أنهم “وكلاء” يشاركون في “محادثات” مع بعضهم البعض، ومع مواد التعلم. طور باسك نموذجًا للتعلم يعرف باسم “نظرية التعلم”، والتي تقوم على مبادئ:

  • التوجه (Orientation): تحديد أهداف التعلم.
  • الاستيعاب (Comprehension): بناء فهم للمعلومات.
  • التعامل (Manipulation): تطبيق المعرفة وحل المشكلات.
  • الدمج (Integration): ربط المعرفة الجديدة بالمعرفة الحالية.

أكد باسك على أهمية وجود بيئات تعلم تسمح للمتعلمين بالتفاعل مع بعضهم البعض، وتجربة أفكار مختلفة، والتوصل إلى فهمهم الخاص. هذا النهج كان له تأثير كبير على تصميم التعليم والتكنولوجيا التعليمية.

نظرية المحادثة (Conversation Theory)

تعد نظرية المحادثة واحدة من أهم مساهمات باسك. تقوم هذه النظرية على فكرة أن المعرفة يتم بناؤها من خلال المحادثات بين المتعلمين. يعتقد باسك أن التعلم يحدث عندما يتفاعل المتعلمون مع بعضهم البعض، ويتحدون أفكار بعضهم البعض، ويطورون فهمًا مشتركًا. قدم باسك أفكاره حول كيفية عمل المحادثات على المستويات المختلفة، وكيف يمكن تصميم الأنظمة لدعم هذه المحادثات. ركزت نظريته على:

  • المحادثات بين الأشخاص (P-Individuals): التفاعلات بين الأشخاص كأفراد.
  • المفاهيم (Concepts): الهياكل المعرفية التي يمتلكها الأفراد.
  • الشبكات المعرفية (Knowledge Networks): كيفية ربط المفاهيم ببعضها البعض.

أثرت نظرية المحادثة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتصميم الأنظمة، والتفاعل بين الإنسان والحاسوب.

اختراعاته وتجاربه

لم يكن جوردون باسك عالمًا نظريًا فحسب، بل كان أيضًا مخترعًا. قام بتصميم وبناء عدد من الأجهزة والآلات التي تهدف إلى دعم التعلم. كان أحد أشهر اختراعاته هو “الأوتوماتيكية التعلمية (Adaptive Teaching System)“، وهي آلة قادرة على تكييف أسلوب التدريس بناءً على استجابات الطالب. كما عمل على تطوير أجهزة تفاعلية أخرى، بهدف تعزيز التعلم من خلال التجربة والتفاعل.

التأثير في التصميم

بالإضافة إلى مساهماته في السيبرنيطيقا والتعليم، ترك باسك بصمة في مجال التصميم. كان مهتمًا بكيفية تصميم الأنظمة المعقدة، وكيفية تفاعل هذه الأنظمة مع البيئة المحيطة بها. أثرت أفكاره على التصميم المعماري، وتصميم المنتجات، وتصميم الأنظمة، خاصة فيما يتعلق بضرورة مراعاة التفاعلات المعقدة بين المستخدمين والبيئة.

المساهمات الأخرى

بالإضافة إلى عمله في السيبرنيطيقا والتعليم والتصميم، قدم باسك مساهمات في مجالات أخرى، بما في ذلك الفن والعلوم الإنسانية. كان يؤمن بأهمية النهج المتعدد التخصصات، وربط مجالات المعرفة المختلفة. قام بتجارب في استخدام التكنولوجيا في الفن، مما يمثل مساهمة مبكرة في مجال الفن التفاعلي.

الجوائز والتكريمات

حصل جوردون باسك على العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياته، تقديرًا لعمله الرائد. كان عضوًا في الجمعية الملكية، وهي أرفع منظمة علمية في المملكة المتحدة. كما حصل على العديد من الدرجات الفخرية من الجامعات المرموقة.

التراث

لا يزال إرث جوردون باسك حيًا ومؤثرًا. أفكاره حول التعلم، والسيبرنيطيقا، والتصميم مستمرة في التأثير على الباحثين والممارسين في مجموعة متنوعة من المجالات. عمله يلهمنا للنظر إلى الأنظمة المعقدة من منظور جديد، وللتفكير في كيفية بناء بيئات تعلم أكثر فعالية، وكيفية تصميم أنظمة أكثر تفاعلية واستجابة.

خاتمة

يُعتبر جوردون باسك شخصية بارزة في تاريخ الفكر الحديث. لقد قدم مساهمات كبيرة في مجالات متعددة، بما في ذلك السيبرنيطيقا، والتعليم، والتصميم. أفكاره حول التعلم، وتصميم الأنظمة، والتفاعل بين الإنسان والآلة لا تزال ذات صلة كبيرة في عالمنا اليوم. من خلال نظرياته المبتكرة وأعماله التجريبية، ساهم باسك في تغيير الطريقة التي نفكر بها في التعلم، والتصميم، والعالم من حولنا. يمثل إرثه حافزًا لنا لمواصلة استكشاف تعقيد الأنظمة، وتعزيز التفكير الإبداعي، والابتكار في جميع المجالات.

المراجع

“`