نشأته وبداياته الأكاديمية
ولد ريتشارد ميرسر دورسون في نيويورك. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة هارفارد عام 1939، ودرجة الماجستير في عام 1940، ثم درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من نفس الجامعة عام 1942. خلال دراسته، بدأ دورسون في الاهتمام بالفولكلور، وتأثر بأعمال علماء الفولكلور البارزين في ذلك الوقت. وقد ساعده هذا الاهتمام على تحديد مساره المهني في هذا المجال.
بدأ دورسون مسيرته المهنية بالتدريس في جامعة ولاية ميشيغان عام 1943، حيث أسس برنامجًا للفولكلور. انتقل في عام 1957 إلى جامعة إنديانا، حيث أسس وأدار مركز الفولكلور، والذي أصبح فيما بعد واحدًا من أهم المراكز البحثية في مجال الفولكلور في العالم. شغل منصب أستاذ كرسي في جامعة إنديانا حتى وفاته.
إسهاماته في علم الفولكلور
ترك دورسون بصمة واضحة في مجال الفولكلور من خلال كتاباته وأبحاثه وتدريسه. كان له دور أساسي في تأسيس الفولكلور كعلم أكاديمي مستقل. ركز دورسون على عدة جوانب في دراساته، بما في ذلك:
- جمع المواد الفولكلورية: قام دورسون بجمع كميات هائلة من المواد الفولكلورية، بما في ذلك الحكايات والأساطير والأغاني والأمثال والتقاليد من مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
- تحليل التقاليد الشعبية: استخدم دورسون منهجًا نقديًا لتحليل التقاليد الشعبية، وسعى إلى فهم العلاقة بين الفولكلور والثقافة والمجتمع.
- توثيق الفولكلور الأمريكي: اهتم دورسون بتوثيق الفولكلور الأمريكي، بما في ذلك الفولكلور الإفريقي الأمريكي، وفولكلور العمال، وفولكلور المهاجرين.
- التأكيد على أهمية السياق: أدرك دورسون أهمية فهم السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي للفولكلور.
من أبرز أعماله: “أمريكا في الفولكلور” (America in Legend)، و”الفولكلور الأمريكي” (American Folklore)، و”الفولكلور والملكية” (Folklore and Fakelore). ساهمت هذه الأعمال في نشر الوعي بأهمية الفولكلور، وألهمت أجيالًا من الباحثين والطلاب.
الفولكلور والملكية (Folklore and Fakelore)
من بين أعمال دورسون الأكثر إثارة للجدل هو كتابه “الفولكلور والملكية”، الذي نُشر عام 1976. في هذا الكتاب، يجادل دورسون ضد ما يعتبره “الفولكلور الزائف” أو “الملكية”. يصف دورسون الملكية بأنها استخدام غير دقيق أو مشوه للفولكلور لأغراض تجارية أو سياسية أو ترفيهية. كان دورسون منزعجًا بشكل خاص من استخدام الفولكلور في التسويق ووسائل الإعلام الشعبية، حيث رأى أنه غالبًا ما كان مبسطًا أو مشوهًا لخدمة أغراض معينة.
كان دورسون حريصًا على التمييز بين الفولكلور الحقيقي، الذي ينبع من التقاليد الشعبية وينقله الناس، وبين الملكية، التي يصنعها الأفراد أو المؤسسات ويسوقونها للجمهور. يعتقد دورسون أن الملكية يمكن أن تضر بالفولكلور الأصيل من خلال تهميشه أو إضفاء الطابع التجاري عليه.
أثار كتاب “الفولكلور والملكية” جدلاً كبيرًا في مجتمع الفولكلور، حيث رأى البعض أن دورسون كان متشددًا بشكل مفرط في معارضته للملكية. ومع ذلك، فقد أدى الكتاب إلى زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على أصالة الفولكلور وضرورة فهم السياقات التي ينشأ فيها ويتطور.
منهجه النقدي
اشتهر دورسون بمنهجه النقدي في دراسة الفولكلور. كان يعتقد أن على الباحثين أن يكونوا حذرين في تحليل المواد الفولكلورية، وأن يأخذوا في الاعتبار السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي الذي نشأت فيه هذه المواد. كما كان يؤمن بأهمية جمع المواد الفولكلورية بشكل دقيق وشامل، وتوثيقها بشكل صحيح.
كان دورسون ينتقد بشدة أولئك الذين استخدموا الفولكلور بطرق غير علمية أو غير مسؤولة. كان يعتقد أن على الباحثين أن يكونوا موضوعيين في دراساتهم، وأن يتجنبوا الأحكام المسبقة أو التحيزات الشخصية. كان دورسون يرى أن الفولكلور هو مجال علمي مهم، وأنه يجب أن يدرس بعناية واحترام.
إرثه وتأثيره
ترك ريتشارد ميرسر دورسون إرثًا دائمًا في مجال الفولكلور. لقد أسس مركز الفولكلور في جامعة إنديانا، والذي أصبح مركزًا رائدًا في دراسات الفولكلور. قام بتدريب عدد كبير من الطلاب الذين أصبحوا باحثين وأساتذة في مجال الفولكلور. ألهمت كتاباته وأبحاثه أجيالًا من الباحثين والطلاب.
يعتبر دورسون رائدًا في دراسة الفولكلور الأمريكي. لقد ساهم في تطوير هذا المجال الأكاديمي، وساعد في تحديد معايير البحث والتحليل. لا تزال أفكاره ومناهجه تؤثر في دراسات الفولكلور حتى اليوم. يعتبر دورسون واحدًا من أهم علماء الفولكلور في القرن العشرين.
أعماله الرئيسية
قام ريتشارد دورسون بتأليف وتحرير العديد من الكتب والمقالات التي أثرت بشكل كبير في مجال الفولكلور. من بين أبرز أعماله:
- “أمريكا في الفولكلور” (America in Legend, 1958)
- “الفولكلور الأمريكي” (American Folklore, 1959)
- “الفولكلور والملكية” (Folklore and Fakelore, 1976)
- “الفولكلور البريطاني” (British Folklore, 1968)
تعكس هذه الأعمال اهتمامات دورسون المتنوعة في الفولكلور، بما في ذلك دراسة الأساطير والحكايات والأغاني والتقاليد الشعبية الأخرى.
نقد دورسون للفولكلور
بالإضافة إلى مساهماته في جمع وتصنيف الفولكلور، كان دورسون ناقدًا نشطًا في هذا المجال. كان لديه اهتمام خاص بما اعتبره “الفولكلور الزائف” أو “الملكية”، والذي ناقشه في كتابه “الفولكلور والملكية”. كان يرى أن هناك العديد من الأمثلة على استخدام الفولكلور بشكل غير دقيق أو مشوه لأغراض تجارية أو ترفيهية أو سياسية.
انتقد دورسون أيضًا بعض الجوانب في دراسات الفولكلور الأكاديمية، بما في ذلك الافتقار إلى الدقة المنهجية في بعض الأحيان، والتركيز المفرط على بعض جوانب الفولكلور على حساب جوانب أخرى. كان يدعو إلى اتباع نهج أكثر علمية وموضوعية في دراسة الفولكلور.
الفولكلور الأمريكي الإفريقي
أحد المجالات التي أولاها دورسون اهتمامًا خاصًا هو الفولكلور الأمريكي الإفريقي. أجرى أبحاثًا مكثفة حول هذا الموضوع، وجمع كميات كبيرة من المواد الفولكلورية من المجتمع الأمريكي الإفريقي. كان يرى أن الفولكلور الأمريكي الإفريقي يمثل جزءًا مهمًا من التراث الثقافي الأمريكي، وأنه يستحق الدراسة والتوثيق.
ركز دورسون على جوانب مختلفة من الفولكلور الأمريكي الإفريقي، بما في ذلك الحكايات والأساطير والأغاني والتقاليد الشفهية الأخرى. ساهمت أبحاثه في زيادة الوعي بأهمية الفولكلور الأمريكي الإفريقي، وألهمت عددًا من الباحثين الآخرين لدراسة هذا المجال.
أهمية السياق في دراسات دورسون
أكد دورسون دائمًا على أهمية السياق في دراسات الفولكلور. كان يعتقد أنه من الضروري فهم السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي الذي نشأت فيه المواد الفولكلورية من أجل فهمها بشكل صحيح. كان يرى أن الفولكلور ليس مجرد مجموعة من النصوص أو الممارسات، بل هو انعكاس للثقافة والمجتمع الذي أنتجها.
دعا دورسون الباحثين إلى أن يأخذوا في الاعتبار مجموعة متنوعة من العوامل عند تحليل المواد الفولكلورية، بما في ذلك التاريخ والسياسة والاقتصاد والدين والتعليم. كان يعتقد أن هذه العوامل يمكن أن تساعد في تفسير معنى وأهمية الفولكلور.
مساهمات دورسون في التعليم
بالإضافة إلى أبحاثه وكتاباته، ترك دورسون بصمة كبيرة في مجال التعليم. قام بتدريس عدد كبير من الطلاب في جامعة ولاية ميشيغان وجامعة إنديانا، وألهمهم لمتابعة دراسات الفولكلور. كان معروفًا بحماسه وشغفه بموضوعه، وبقدرته على إلهام طلابه. قام بتوجيه عدد من رسائل الدكتوراه التي أصبحت أعمالًا رئيسية في مجال الفولكلور.
ساهم دورسون في تطوير المناهج الدراسية في الفولكلور، وساعد في تأسيس برامج أكاديمية في هذا المجال. كان يعتقد أن التعليم هو مفتاح نشر الوعي بأهمية الفولكلور، وأن على الباحثين أن يشاركوا معرفتهم مع الجمهور.
نقد لأعمال دورسون
بالرغم من إسهاماته الكبيرة، تعرضت أعمال دورسون لبعض الانتقادات. اتُهم بأنه كان متشددًا بشكل مفرط في منهجه النقدي، وأنه كان يركز بشكل كبير على الجوانب السلبية للفولكلور، مثل الملكية. كما انتقد البعض أسلوبه الكتابي، واعتبروه في بعض الأحيان جافًا أو أكاديميًا للغاية.
ومع ذلك، لا يزال دورسون يحظى بتقدير كبير في مجال الفولكلور. يعتبره الكثيرون رائدًا في هذا المجال، وشخصية محورية في تاريخ دراسات الفولكلور. لا تزال أفكاره ومناهجه تؤثر في الباحثين والطلاب حتى اليوم.
خاتمة
كان ريتشارد ميرسر دورسون عالم فولكلور أمريكيًا بارزًا، وترك إرثًا دائمًا في مجال دراسات الفولكلور. من خلال أبحاثه وكتاباته وتدريسه، ساهم دورسون في تطوير الفولكلور كعلم أكاديمي مستقل. ركز على جمع وتحليل التقاليد الشعبية، ووثق الفولكلور الأمريكي، وأكد على أهمية السياق في دراسات الفولكلور. على الرغم من بعض الانتقادات، يعتبر دورسون واحدًا من أهم علماء الفولكلور في القرن العشرين، ولا تزال أفكاره ومناهجه تؤثر في الباحثين والطلاب حتى اليوم.