مقدمة
أُجريت انتخابات عامة في جنوب إفريقيا في 18 أكتوبر 1961. وكانت هذه الانتخابات هي الأولى بعد أن أصبحت جنوب إفريقيا جمهورية في 31 مايو 1961، إثر استفتاء أجري في عام 1960 صوت فيه أغلبية البيض لصالح إنهاء النظام الملكي البريطاني. شهدت هذه الانتخابات صعودًا ملحوظًا للحزب الوطني الحاكم في ظل قيادة هندريك فيرويرد، وترسيخًا لسياسته المعروفة بالفصل العنصري (الأبارتايد). كما أنها كانت المرة الأخيرة التي يُسمح فيها بتمثيل الناخبين الملونين (ذوي الأصول المختلطة) في البرلمان، وإن كان ذلك من خلال ممثلين بيض.
خلفية الأحداث
في عام 1960، اتخذت جنوب إفريقيا منعطفًا حاسمًا في تاريخها السياسي. فبعد عقود من كونها جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، قرر رئيس الوزراء هندريك فيرويرد إجراء استفتاء حول ما إذا كان ينبغي على البلاد أن تصبح جمهورية. كانت دوافع فيرويرد متعددة، بما في ذلك رغبته في التخلص من الرموز الاستعمارية وتعزيز الهوية الأفريقانية (نسبة إلى الأفريقان، وهم البيض المنحدرون من المستوطنين الهولنديين الأوائل). بالإضافة إلى ذلك، سعى فيرويرد إلى توحيد البيض في جنوب إفريقيا حول هدف مشترك، وبالتالي تعزيز قوة الحزب الوطني الحاكم.
جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح التحول إلى الجمهورية بفارق ضئيل، مما أثار جدلاً واسعًا. ومع ذلك، فقد مهدت هذه النتيجة الطريق لإنهاء النظام الملكي البريطاني وتأسيس جمهورية جنوب إفريقيا في عام 1961. كان لهذا التحول تداعيات كبيرة على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.
النظام الانتخابي
في ذلك الوقت، كان النظام الانتخابي في جنوب إفريقيا يعتمد على نظام الأغلبية البسيطة في الدوائر الانتخابية الفردية. كان يحق فقط للبيض التصويت في الانتخابات العامة، باستثناء مقاعد قليلة مخصصة لتمثيل الناخبين الملونين في مقاطعة كيب. كان هؤلاء الناخبون الملونون ينتخبون ممثلين بيض لتمثيلهم في البرلمان. ومع ذلك، فقد كان هذا التمثيل شكليًا إلى حد كبير، ولم يكن له تأثير كبير على السياسات الحكومية.
كانت الانتخابات تجري كل خمس سنوات، أو في وقت أقرب إذا قرر رئيس الوزراء حل البرلمان. كانت الحملات الانتخابية مكثفة، وغالبًا ما تركز على قضايا مثل الفصل العنصري، والاقتصاد، والعلاقات مع بريطانيا.
الأحزاب المتنافسة
كانت الأحزاب الرئيسية المتنافسة في انتخابات عام 1961 هي:
- الحزب الوطني (National Party): الحزب الحاكم، بقيادة هندريك فيرويرد. كان الحزب الوطني يتبنى سياسة الفصل العنصري بشكل صارم، ويسعى إلى ترسيخ هيمنة البيض على جنوب إفريقيا.
- الحزب المتحد (United Party): حزب المعارضة الرئيسي، بقيادة السير دي فيليرز غراف. كان الحزب المتحد يتبنى موقفًا أكثر اعتدالًا بشأن الفصل العنصري، ولكنه كان لا يزال يؤمن بسيادة البيض.
- الحزب التقدمي (Progressive Party): حزب صغير نسبياً، بقيادة جان ستايتلر. كان الحزب التقدمي هو الحزب الوحيد الذي دعا إلى المساواة العرقية وإلغاء الفصل العنصري.
كانت هناك أيضًا أحزاب أخرى أصغر، مثل الحزب الليبرالي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، ولكنها لم تشارك في الانتخابات بشكل مباشر. كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي محظورًا في ذلك الوقت، وكان يعمل في الخفاء لمقاومة الفصل العنصري.
الحملة الانتخابية
كانت الحملة الانتخابية لعام 1961 مكثفة ومثيرة للجدل. ركز الحزب الوطني على الدفاع عن سياسة الفصل العنصري، وحذر من مخاطر المساواة العرقية. استخدم الحزب الوطني وسائل الإعلام الحكومية لنشر دعايته، وقمع أي معارضة لسياساته.
من جانبه، انتقد الحزب المتحد سياسات الحزب الوطني، ولكنه لم يقدم بديلاً واضحًا للفصل العنصري. سعى الحزب المتحد إلى استمالة الناخبين البيض المعتدلين، ولكنه كان حريصًا على عدم إغضاب المتطرفين.
أما الحزب التقدمي، فقد شن حملة جريئة للدعوة إلى المساواة العرقية وإلغاء الفصل العنصري. ومع ذلك، فقد كان للحزب التقدمي دعم محدود بين الناخبين البيض، الذين كانوا في الغالب يؤيدون الفصل العنصري.
نتائج الانتخابات
حقّق الحزب الوطني فوزًا ساحقًا في انتخابات عام 1961، حيث حصل على 105 مقاعد في البرلمان. فيما حصل الحزب المتحد على 49 مقعدًا، والحزب التقدمي على مقعد واحد فقط. عزز هذا الفوز هيمنة الحزب الوطني على السياسة في جنوب إفريقيا، ومكنه من مواصلة تنفيذ سياساته المتعلقة بالفصل العنصري دون معارضة كبيرة.
كان فوز الحزب الوطني يعكس الدعم الواسع الذي كان يتمتع به بين الناخبين البيض، الذين كانوا يعتقدون أن الفصل العنصري هو الحل الوحيد للحفاظ على تفوقهم ومصالحهم. كما أن قمع المعارضة واستخدام وسائل الإعلام الحكومية للدعاية ساهم في فوز الحزب الوطني.
ما بعد الانتخابات
بعد الانتخابات، واصلت حكومة الحزب الوطني تطبيق سياسات الفصل العنصري بشكل أكثر صرامة. تم سن قوانين جديدة لتقييد حركة السود ومنعهم من التملك أو العيش في المناطق المخصصة للبيض. كما تم تعزيز نظام التعليم المنفصل، وتم منع الزواج والعلاقات الجنسية بين الأعراق المختلفة.
واجهت جنوب إفريقيا إدانات دولية متزايدة بسبب سياسات الفصل العنصري. فرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على البلاد، وتم طرد جنوب إفريقيا من العديد من المنظمات الدولية.
في الداخل، تصاعدت المقاومة ضد الفصل العنصري. قاد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حملة من العصيان المدني والتخريب، وتعرض قادته للاعتقال والسجن. ومع ذلك، استمرت المقاومة في النمو، وأصبحت جنوب إفريقيا على شفا حرب أهلية.
تداعيات الانتخابات على تمثيل الملونين
كانت انتخابات عام 1961 هي الأخيرة التي يُسمح فيها بتمثيل الناخبين الملونين في البرلمان، وإن كان ذلك من خلال ممثلين بيض. في عام 1968، تم إلغاء هذا التمثيل، وتم حرمان الملونين من أي صوت في الحكومة. أدى هذا القرار إلى تفاقم التوتر العرقي في البلاد، وزاد من عزلة جنوب إفريقيا على الساحة الدولية.
تأثير الانتخابات على سياسة الفصل العنصري
كانت انتخابات عام 1961 بمثابة نقطة تحول في تاريخ سياسة الفصل العنصري. فقد عززت هيمنة الحزب الوطني، ومكنته من مواصلة تطبيق سياساته العنصرية دون معارضة كبيرة. أدت هذه السياسات إلى معاناة هائلة للسود والملونين، وأدت في النهاية إلى سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1994.
خاتمة
كانت انتخابات جنوب إفريقيا العامة لعام 1961 حدثًا هامًا في تاريخ البلاد. فقد عززت هيمنة الحزب الوطني، ومهدت الطريق لسن قوانين الفصل العنصري الأكثر قسوة. كانت هذه الانتخابات أيضًا بمثابة نهاية التمثيل السياسي للملونين في البرلمان. على الرغم من أن نتائجها عززت نظام الفصل العنصري في حينه، إلا أنها ساهمت في نهاية المطاف في زيادة الضغط الداخلي والخارجي الذي أدى في النهاية إلى انهيار هذا النظام.