نشأته وتاريخه
وُلد نيكولاس في باتارا، وهي مدينة في آسيا الصغرى (تركيا الحديثة)، في حوالي عام 280 ميلادي. أصبح أسقفًا على ميرا، وهي مدينة أخرى في المنطقة، واشتهر بتقواه وإحسانه. يُعتقد أنه شارك في مجمع نيقية الأول عام 325 ميلادي. بعد وفاته في 6 ديسمبر، حوالي عام 343 ميلادي، دفن في ميرا، وسرعان ما بدأ يُعبد كقديس.
بدأت عبادة القديس نيكولاس تنتشر بسرعة في جميع أنحاء أوروبا، وخاصة في اليونان وإيطاليا وروسيا وفرنسا وألمانيا. بُنيت العديد من الكنائس والأديرة على شرفه، وانتشرت قصصه وأعماله الخيرة بين الناس. تميز نيكولاس بسخائه، وبشكل خاص تجاه الأطفال والفقراء، مما جعله شخصية محبوبة.
الأساطير والتقاليد
تنسب إلى القديس نيكولاس العديد من الأساطير والقصص التي ساهمت في تشكيل صورته كشخصية عطوفة وكريمة. من أبرز هذه القصص:
- إنقاذ الفتيات الثلاث: يقال إنه أنقذ ثلاث فتيات فقيراً من الدعارة عن طريق إلقاء ثلاث أكياس من الذهب في نافذة منزلهم ليلاً، مما سمح لهن بالزواج بدلاً من ذلك.
- إحياء الأطفال الثلاثة: وفقًا لأسطورة أخرى، قام نيكولاس بإحياء ثلاثة أطفال قتلوا وقطعوا على يد صاحب حانة شرير.
- حماية البحارة: يُعتقد أنه أنقذ البحارة من العواصف والغرقى، مما جعله شفيعًا للبحارة.
تطورت هذه القصص والتقاليد بمرور الوقت، وتكيفت مع الثقافات المختلفة. في هولندا وبلجيكا، أصبح القديس نيكولاس (Sinterklaas) شخصية رئيسية في احتفالات عيد الميلاد، حيث يظهر في 5 ديسمبر مصحوبًا بمساعد يدعى “زوارت بييت” (Zwarte Piet) لتقديم الهدايا للأطفال. انتقلت هذه التقاليد إلى أمريكا الشمالية مع المستوطنين الهولنديين، مما أدى إلى تطور شخصية “سانتا كلوز” (Santa Claus)، الذي أصبح رمزًا عالميًا لعيد الميلاد.
تحول القديس نيكولاس إلى سانتا كلوز
بدأت عملية تحول القديس نيكولاس إلى سانتا كلوز في أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر. ساهم المهاجرون الهولنديون، الذين جلبوا معهم تقاليد “سينتركلوز”، في نشر هذه العادات. مع مرور الوقت، تغيرت صورة القديس نيكولاس تدريجيًا، وتأثرت بالعناصر الثقافية والتجارية. في القرن التاسع عشر، ساهمت كتابات الشاعر الأمريكي كليمنت كلارك مور (Clement Clarke Moore) في ترسيخ صورة سانتا كلوز الحديثة في قصيدته “ليلة قبل عيد الميلاد” (A Visit from St. Nicholas)، حيث وصف سانتا كلوز بأنه رجل مرح يطير بعربة تجرها ثمانية غزلان.
ساهمت الرسومات والرسوم المتحركة، وخاصة تلك التي رسمها توماس ناست (Thomas Nast)، في ترسيخ صورة سانتا كلوز كشخصية ممتلئة الجسم، ملتحية، ترتدي بدلة حمراء بيضاء، وتوزع الهدايا على الأطفال. مع ظهور الإعلانات التجارية في القرن العشرين، تبنت شركات مثل كوكا كولا صورة سانتا كلوز كرمز تجاري لعيد الميلاد، مما ساهم في انتشاره عالميًا.
الاحتفالات الحديثة
على الرغم من أن القديس نيكولاس هو في الأصل قديس مسيحي، إلا أن الاحتفالات المرتبطة به أصبحت عالمية وعلمانية في كثير من الأحيان. في العديد من البلدان، يحتفل الأطفال بقدوم سانتا كلوز في ليلة عيد الميلاد أو في صباحه، ويتلقون الهدايا التي “أحضرها” لهم. في بعض الثقافات، مثل هولندا وبلجيكا، يتم الاحتفال بـ “سينتركلوز” في 5 ديسمبر، حيث يقدم الهدايا والحلويات للأطفال. في أجزاء أخرى من أوروبا، يتم الاحتفال بالقديس نيكولاس في 6 ديسمبر، وهو يوم وفاته.
تختلف طقوس الاحتفال باختلاف الثقافات، ولكنها تشترك في سمة أساسية واحدة، وهي الفرح والعطاء. يكتب الأطفال رسائل إلى سانتا كلوز، ويضعون الجوارب على الموقد أو بالقرب من السرير، ويتركون الحليب والكعك له أو للطعام لغزلانه. يتم تزيين المنازل بالأضواء وأشجار عيد الميلاد، ويجتمع الناس مع عائلاتهم وأصدقائهم للاحتفال.
الجدل والانتقادات
على الرغم من شعبيته، أثارت تقاليد القديس نيكولاس/سانتا كلوز بعض الجدل والانتقادات. يرى البعض أن التركيز على الهدايا والمادية قد طغى على المعنى الروحي لعيد الميلاد. كما أثارت شخصية “زوارت بييت” في هولندا وبلجيكا انتقادات بسبب ارتباطها بالعنصرية، حيث اعتبرت بعض الجماعات أن تصوير المساعد الأسود لسانتا كلوز يعزز الصور النمطية السلبية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض الآباء أن إخبار الأطفال بوجود سانتا كلوز قد يؤدي إلى فقدان الثقة عندما يكتشفون الحقيقة. ومع ذلك، يدافع آخرون عن هذه التقاليد باعتبارها جزءًا من طفولة سعيدة، ويعتبرونها فرصة لتعليم الأطفال عن الكرم والعطاء.
خاتمة
القديس نيكولاس، الذي تحول إلى سانتا كلوز، هو شخصية أسطورية عالمية تجسد قيم العطاء والكرم والفرح. على الرغم من أن أصوله دينية، فقد تطورت قصته على مر القرون لتشمل العديد من التقاليد والاحتفالات العلمانية. سواء كان ذلك سينتركلوز في هولندا أو سانتا كلوز في أمريكا، فإن هذه الشخصية لا تزال تحتل مكانة خاصة في قلوب الأطفال والكبار على حد سواء، وتذكرنا بأهمية العطاء والاحتفال بأجواء عيد الميلاد ورأس السنة.