خلفية تاريخية
قبل توحيد إيطاليا، كانت مقاطعة نيس جزءًا من مملكة سردينيا، والتي تضمنت أيضًا أجزاء كبيرة من شمال إيطاليا. كان للمقاطعة تاريخ طويل من التبادل الثقافي واللغوي مع إيطاليا، حيث تحدثت نسبة كبيرة من السكان اللغة الليغورية، وهي لهجة قريبة من الإيطالية. ومع ذلك، في عام 1860، تم التنازل عن مقاطعة نيس (بالإضافة إلى سافوي) لفرنسا بموجب معاهدة تورينو، كجزء من صفقة لضمان الدعم الفرنسي لتوحيد إيطاليا.
أثار هذا التنازل غضبًا كبيرًا بين الإيطاليين، الذين اعتبروا نيس أرضًا إيطالية “غير مُحررة” (irredenta). أدت هذه المشاعر إلى صعود حركة الإريدنتية الإيطالية، والتي طالبت بإعادة توحيد الأراضي ذات الأغلبية الإيطالية أو التي تتمتع بروابط ثقافية قوية مع إيطاليا.
أهداف الإريدنتية الإيطالية في نيس
كان الهدف الرئيسي للإريدنتية الإيطالية في نيس هو ضم المقاطعة إلى إيطاليا. استخدمت الحركة مجموعة متنوعة من الأساليب لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك:
- الدعاية: نشرت الإريدنتية الإيطالية المنشورات والملصقات والكتيبات باللغتين الإيطالية والفرنسية لتسليط الضوء على الروابط الثقافية والتاريخية بين نيس وإيطاليا، وتصوير الفرنسيين على أنهم محتلون أجانب.
- التحريض السياسي: شاركت الإريدنتية الإيطالية في الأنشطة السياسية، بما في ذلك تنظيم المظاهرات والاحتجاجات، ودعم المرشحين السياسيين الذين أيدوا القضية الإريدنتية.
- العنف: في بعض الأحيان، لجأت الإريدنتية الإيطالية إلى العنف لتحقيق أهدافها، بما في ذلك الهجمات على المسؤولين الفرنسيين والمباني الحكومية.
العوامل المؤثرة
تأثرت الإريدنتية الإيطالية في نيس بعدة عوامل:
العامل اللغوي والثقافي: اللغة الليغورية، التي تحدثت بها نسبة كبيرة من سكان نيس، كانت قريبة من اللغة الإيطالية. عزز هذا التقارب الروابط الثقافية بين نيس وإيطاليا. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تبادل ثقافي كبير بين نيس وإيطاليا على مر القرون، بما في ذلك التبادل في الفن والأدب والموسيقى.
العامل التاريخي: كان تاريخ نيس مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتاريخ إيطاليا. كانت نيس جزءًا من مملكة سردينيا، والتي لعبت دورًا حاسمًا في توحيد إيطاليا. اعتبر الإيطاليون أن التنازل عن نيس لفرنسا في عام 1860 بمثابة خيانة تاريخية.
العامل السياسي: بعد توحيد إيطاليا، كان هناك شعور قوي بالقومية الإيطالية، والذي عزز الرغبة في استعادة الأراضي “غير المُحررة”، بما في ذلك نيس. استخدم السياسيون الإيطاليون القضية الإريدنتية لكسب الدعم الشعبي وتعزيز أجنداتهم السياسية.
العامل الاقتصادي: رأى بعض الإيطاليين أن ضم نيس سيجلب فوائد اقتصادية لإيطاليا، مثل الوصول إلى الموانئ والطرق التجارية. اعتقدوا أيضًا أن نيس ستوفر فرصًا استثمارية جديدة.
فترة الحربين العالميتين
بلغت الإريدنتية الإيطالية في نيس ذروتها خلال فترة الحربين العالميتين. في الحرب العالمية الأولى، انضمت إيطاليا إلى الحلفاء ضد ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، مع وعد بالحصول على أراضٍ إيطالية غير مُحررة. بعد الحرب، حصلت إيطاليا على بعض الأراضي، لكنها لم تحصل على نيس. ومع ذلك، استمرت الإريدنتية الإيطالية في نشاطها، مع التركيز على نيس كهدف رئيسي.
في الحرب العالمية الثانية، احتلت إيطاليا جزءًا من جنوب شرق فرنسا، بما في ذلك نيس، في عام 1940. أدى هذا إلى فترة وجيزة من الحكم الإيطالي، والتي شهدت محاولات لدمج نيس في إيطاليا. ومع ذلك، بعد هزيمة إيطاليا في عام 1943، تم إجلاء القوات الإيطالية، وعادت نيس إلى السيطرة الفرنسية.
تراجع الإريدنتية الإيطالية في نيس
بعد الحرب العالمية الثانية، تراجعت الإريدنتية الإيطالية في نيس. كان هناك عدد من العوامل التي ساهمت في هذا التراجع، بما في ذلك:
- التغيرات في المشهد السياسي: بعد الحرب، أصبحت أوروبا أكثر سلمية واستقرارًا، مع تركيز أقل على القومية المتطرفة.
- النمو الاقتصادي: شهدت إيطاليا وفرنسا نموًا اقتصاديًا كبيرًا بعد الحرب، مما قلل من جاذبية فكرة تغيير الحدود.
- التكامل الأوروبي: أدى ظهور الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التعاون بين الدول الأوروبية، مما قلل من أهمية الحدود الوطنية.
- التغييرات الديموغرافية: مع مرور الوقت، انخفض عدد السكان الناطقين باللغة الإيطالية في نيس، مما أضعف المطالبات الإيطالية بالأرض.
على الرغم من تراجعها، استمرت بعض الجماعات الإريدنتية الإيطالية في نيس في الوجود، ولكنها أصبحت هامشية بشكل متزايد.
إرث الإريدنتية الإيطالية في نيس
تركت الإريدنتية الإيطالية في نيس إرثًا معقدًا. من ناحية، ساهمت في التوتر بين إيطاليا وفرنسا، وأدت في بعض الأحيان إلى العنف وعدم الاستقرار. من ناحية أخرى، سلطت الضوء على أهمية الروابط الثقافية واللغوية، وألهمت بعض الإيطاليين للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم.
اليوم، لا تزال هناك بعض الآثار للإريدنتية الإيطالية في نيس. على سبيل المثال، لا تزال هناك بعض الآثار للإريدنتية الإيطالية في نيس. على سبيل المثال، لا تزال بعض الأماكن في نيس تحمل أسماء إيطالية، ولا يزال بعض السكان يتحدثون اللغة الليغورية. ومع ذلك، فقد تلاشى إلى حد كبير تأثير الإريدنتية الإيطالية، وأصبحت نيس جزءًا لا يتجزأ من فرنسا.
خاتمة
كانت الإريدنتية الإيطالية في نيس حركة سياسية مهمة في تاريخ إيطاليا وفرنسا. سعت الحركة إلى ضم مقاطعة نيس إلى إيطاليا، مدفوعة بالعوامل اللغوية والثقافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية. بلغت الحركة ذروتها خلال فترة الحربين العالميتين، لكنها تراجعت بعد الحرب العالمية الثانية. على الرغم من فشلها في تحقيق أهدافها، تركت الإريدنتية الإيطالية في نيس إرثًا معقدًا، ولا تزال آثارها مرئية حتى اليوم.