خلفية تاريخية
شهدت سويسرا في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين فترة من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. أدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، مما أثار شعوراً بعدم الاستقرار بين السكان. في الوقت نفسه، بدأت الأيديولوجيات الفاشية والنازية في الانتشار في جميع أنحاء أوروبا، وجذبت بعض السويسريين الذين شعروا بالإحباط من المؤسسات الديمقراطية الليبرالية في البلاد. ظهرت العديد من الجماعات السياسية اليمينية المتطرفة في سويسرا في تلك الفترة، لكن الاتحاد الوطني كان الأكثر نفوذاً وتنظيماً.
تأسس الاتحاد الوطني في عام 1930 على يد مجموعة من الشباب المتعصبين بقيادة رولف مايكل. تبنى الحزب في البداية برنامجًا قوميًا متطرفًا، مع التركيز على “سويسرا للسويسريين” والدعوة إلى نظام شمولي قوي. سرعان ما اكتسب الحزب شعبية بين بعض الفئات الاجتماعية، وخاصة الشباب والطلاب والعمال الذين تضرروا من الأزمة الاقتصادية.
الأيديولوجية والبرنامج
كانت أيديولوجية الاتحاد الوطني مزيجًا من القومية والفاشية والمعاداة السامية. دعا الحزب إلى إنشاء سويسرا “خالصة عرقياً” وطالب بإبعاد اليهود والأجانب الآخرين من البلاد. كما أيد الحزب نظامًا اقتصاديًا شموليًا يسيطر عليه الدولة، مع إلغاء النقابات العمالية وتعزيز الصناعة الوطنية. أشاد الاتحاد الوطني بالديكتاتوريات الفاشية والنازية في الخارج، وأعرب عن إعجابه بـ “القائد”، وهو مصطلح استخدم للإشارة إلى رؤساء الدول الفاشية.
تضمن برنامج الاتحاد الوطني عدة نقاط رئيسية:
- القومية المتطرفة: الدعوة إلى سويسرا قوية وموحدة، مع تفضيل المواطنين السويسريين الأصليين.
- معاداة السامية: اعتبار اليهود أعداء للأمة، والدعوة إلى الحد من نفوذهم الاقتصادي والسياسي، وفي نهاية المطاف، إبعادهم من سويسرا.
- معاداة الشيوعية: اعتبار الشيوعية تهديدًا رئيسيًا للقيم السويسرية والديمقراطية، والدعوة إلى قمع الحركات الشيوعية.
- الشعبوية: استغلال المشاعر الشعبية والتعبير عن سخطهم ضد المؤسسات السياسية والاقتصادية القائمة.
- الشمولية: الدعوة إلى نظام سياسي واقتصادي شمولي يسيطر عليه الدولة، مع إلغاء النقابات العمالية وتعزيز الصناعة الوطنية.
النشاط السياسي والتنظيمي
بنى الاتحاد الوطني منظمة قوية، مع تنظيمات محلية في جميع أنحاء سويسرا. استخدم الحزب أساليب دعائية مكثفة، بما في ذلك الصحف والمجلات والملصقات والمسيرات والاجتماعات العامة. أسس الحزب أيضًا ميليشيا مسلحة، قامت بترهيب الخصوم السياسيين والمشاركين في التجمعات العامة. سعى الاتحاد الوطني إلى التأثير على الرأي العام من خلال الدعاية المكثفة وتشويه سمعة الأحزاب السياسية الأخرى، وخاصة الأحزاب اليسارية والليبرالية.
شارك الاتحاد الوطني في الانتخابات على المستويات المحلية والوطنية، وحقق بعض النجاحات الأولية. فاز الحزب ببعض المقاعد في المجالس البلدية والكانتونية، لكنه لم يتمكن من الحصول على تمثيل كبير في البرلمان الفيدرالي السويسري. ومع ذلك، ساهم الحزب في نشر أفكاره وتعزيز أجندته السياسية، خاصة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة.
نهاية الاتحاد الوطني
بدأ تأثير الاتحاد الوطني في الانخفاض مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. أثارت الفظائع النازية في أوروبا الرأي العام السويسري، وأدت إلى تراجع الدعم للحزب. في عام 1940، تم حظر الاتحاد الوطني من قبل الحكومة السويسرية، وتم اعتقال العديد من قادته وأعضائه. على الرغم من ذلك، استمر الحزب في العمل بشكل سري لبعض الوقت، لكنه فقد تدريجيًا نفوذه وتأثيره. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، تم حل الاتحاد الوطني رسميًا.
كان الاتحاد الوطني يمثل فترة مظلمة في التاريخ السويسري. على الرغم من أنه لم يتمكن من الوصول إلى السلطة، إلا أنه نشر أيديولوجيات معادية للديمقراطية ومعادية للسامية وكره الأجانب. كان وجود الحزب بمثابة تذكير دائم بأهمية الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الإرث
ترك الاتحاد الوطني إرثًا معقدًا في سويسرا. على الرغم من أنه لم يعد موجودًا كحزب سياسي، إلا أن أفكاره استمرت في التأثير على بعض الجماعات اليمينية المتطرفة في البلاد. لا يزال النقاش حول دور الاتحاد الوطني في التاريخ السويسري مستمرًا، حيث يدرس المؤرخون والباحثون تأثير الحزب على المجتمع والسياسة السويسرية. يعتبر الاتحاد الوطني مثالًا على الصعود والانحدار الفاشي في أوروبا خلال القرن العشرين، ودرسًا حول مخاطر القومية المتطرفة وكره الأجانب.
خاتمة
الاتحاد الوطني كان حزبًا فاشيًا في سويسرا، نشطًا في الفترة من 1932 إلى 1945. تبنى الحزب أيديولوجية قومية متطرفة ومعادية للسامية وكره الأجانب، وسعى إلى تطبيق نظام شمولي في سويسرا. على الرغم من أنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا في الانتخابات، إلا أن الحزب نشر أفكاره وأثر على بعض الجماعات اليمينية المتطرفة. انتهى الاتحاد الوطني مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن إرثه لا يزال يثير الجدل في سويسرا.