كيرلس الأول (حكم 412–444)
يُعرف كيرلس الأول باسم القديس كيرلس الإسكندري، وهو شخصية محورية في تاريخ اللاهوت المسيحي. ولد في الإسكندرية، مصر، في أواخر القرن الرابع الميلادي. تلقى تعليمًا جيدًا في العلوم والفلسفة واللاهوت، وأظهر ذكاءً فائقًا وقدرة على الجدل. أصبح كيرلس بطريركًا للإسكندرية عام 412، في فترة شهدت فيها الكنيسة المسيحية صراعات عقائدية كبيرة.
كان أبرز إسهامات كيرلس الأول دفاعه عن طبيعة المسيح الإلهية. في ذلك الوقت، كانت هناك خلافات حول كيفية فهم العلاقة بين طبيعة المسيح الإلهية وطبيعته البشرية. عارض كيرلس بقوة التعاليم التي تقلل من ألوهية المسيح، مثل النسطورية التي نادى بها نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية. أكد كيرلس على أن المسيح هو شخص واحد، يمتلك طبيعتين، طبيعة إلهية كاملة وطبيعة بشرية كاملة، متحدتين في شخص واحد.
أدى موقف كيرلس الحازم إلى صراع كبير مع نسطوريوس. عقد مجمع أفسس المسكوني عام 431، والذي ترأسه كيرلس، لإدانة تعاليم نسطوريوس. أعلن المجمع أن مريم العذراء هي “والدة الإله” (Theotokos)، وهو تعبير أكد على الطبيعة الإلهية للمسيح منذ ولادته. أدت قرارات مجمع أفسس إلى ترسيخ العقيدة الأرثوذكسية حول طبيعة المسيح.
بالإضافة إلى دفاعه عن العقيدة، كان كيرلس الأول كاتبًا غزير الإنتاج. كتب العديد من الرسائل والخطب والمقالات التي شرح فيها معتقداته اللاهوتية. ساهمت كتاباته في توضيح وفهم العقيدة المسيحية، ولا تزال تُقرأ وتُدرس حتى اليوم.
تعرض كيرلس الأول أيضًا لبعض الانتقادات خلال حياته. اتُهم بالتدخل في الشؤون السياسية، وتعرض للإساءة من قبل بعض معارضيه. ومع ذلك، يعتبر القديس كيرلس الإسكندري أحد أهم الشخصيات في تاريخ الكنيسة المسيحية، وترك إرثًا دائمًا في اللاهوت والعقيدة.
البابا كيرلس الثاني (حكم 1078–1092)
البابا كيرلس الثاني هو البابا السادس والستون من باباوات الإسكندرية. حكم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في فترة شهدت فيها الكنيسة تحديات مختلفة، بما في ذلك الضغوط السياسية والاجتماعية. على الرغم من أن فترة حكمه لم تكن بنفس أهمية فترة حكم كيرلس الأول من الناحية اللاهوتية، إلا أنه لعب دورًا مهمًا في الحفاظ على وحدة الكنيسة وتقاليدها.
عُرف البابا كيرلس الثاني بحكمته وإدارته الجيدة. عمل على تعزيز العلاقات بين الكنيسة والمجتمع، ودافع عن حقوق المسيحيين في مصر في ظل الحكم الإسلامي. سعى أيضًا إلى الحفاظ على السلام والاستقرار داخل الكنيسة، وعمل على حل الخلافات الداخلية التي ظهرت خلال فترة حكمه.
على الرغم من قلة المعلومات المتاحة حول حياة البابا كيرلس الثاني مقارنةً بالقديس كيرلس الأول، إلا أنه يُذكر كشخصية قيادية مهمة في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ساهم في الحفاظ على الإيمان المسيحي ونشره، وقام بجهود كبيرة في رعاية شعبه.
من المهم الإشارة إلى أن كيرلس الثاني لم يشارك في أي صراعات عقائدية كبيرة مثل تلك التي شهدها كيرلس الأول. وبدلًا من ذلك، ركز على إدارة شؤون الكنيسة الداخلية والخارجية في فترة زمنية مختلفة تمامًا.
أوجه التشابه والاختلاف
بالرغم من اختلاف الفترات الزمنية التي عاش فيها كل من كيرلس الأول وكيرلس الثاني، إلا أنهما يشتركان في كونهما بطاركة للإسكندرية، وشاهدا على أهمية هذا المنصب في تاريخ الكنيسة. كلاهما تركا بصمة واضحة في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وإن كانت بأوجه مختلفة.
أوجه التشابه:
- كلاهما شغلا منصب البابا وبطريرك الإسكندرية.
- كلاهما كانا قادة دينيين بارزين في عصرهما.
- كلاهما عملا على الحفاظ على الإيمان المسيحي.
أوجه الاختلاف:
- كيرلس الأول كان لاهوتيًا بارزًا، ولعب دورًا حاسمًا في صياغة العقيدة المسيحية.
- كيرلس الثاني ركز على إدارة شؤون الكنيسة الداخلية والخارجية.
- كيرلس الأول شارك في صراعات عقائدية كبيرة، بينما لم يشارك كيرلس الثاني في مثل هذه الصراعات.
الاختلافات بينهما تعكس الظروف التاريخية والاجتماعية المختلفة التي عاش فيها كل منهما. كيرلس الأول عاش في فترة كانت فيها العقيدة المسيحية في طور التكوين، بينما عاش كيرلس الثاني في فترة كانت فيها الكنيسة تواجه تحديات أخرى.
خاتمة
يمثل البابا كيرلس الإسكندري شخصيتين مهمتين في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. القديس كيرلس الأول، اللاهوتي العظيم، الذي دافع عن طبيعة المسيح الإلهية، والبابا كيرلس الثاني، القائد الحكيم الذي حافظ على وحدة الكنيسة. يذكرنا دراسة حياتهما وأعمالهما بأهمية القيادة الدينية في الحفاظ على الإيمان والتقاليد المسيحية عبر العصور.