نشأته وتعليمه
ولد جون بيلامي فوستر في سياتل، واشنطن. حصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة واشنطن عام 1975، ثم حصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة يورك في تورنتو عام 1984. تأثر فوستر بشدة بأعمال بول باران وبول سويزي، اللذين كانا من أبرز منظري مجلة “Monthly Review” وأصحاب رؤية ماركسية معاصرة. خلال دراسته، انخرط فوستر في النشاطات السياسية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والسلام.
مسيرته المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، انضم فوستر إلى هيئة التدريس في جامعة أوريغون. شغل منصب رئيس قسم علم الاجتماع هناك، وهو حاليًا أستاذ علم الاجتماع. بالإضافة إلى عمله الأكاديمي، يشارك فوستر بنشاط في الكتابة والتحرير. أصبح محررًا مشاركًا في مجلة “Monthly Review” في عام 1990، وتولى منصب المحرر بالكامل في عام 2000. تحت قيادته، استمرت المجلة في لعب دور مهم في نشر الأفكار الماركسية والنقد الراديكالي للرأسمالية.
أعماله الفكرية
تركز أعمال فوستر الفكرية على تحليل العلاقة بين الرأسمالية والأزمة البيئية، وتطوير فهم ماركسي للإيكولوجيا. يعتبر من أبرز المساهمين في مجال “علم البيئة الماركسي” (Marxist Ecology). فيما يلي بعض الأفكار الرئيسية التي يطرحها فوستر:
- القطيعة الأيضية: يرى فوستر أن الرأسمالية تخلق “قطيعة أيضية” بين الإنسان والطبيعة. يشير هذا المفهوم إلى أن الرأسمالية، من خلال سعيها الدائم للربح، تعطل العمليات الطبيعية وتدمر النظم البيئية. يتم استنزاف الموارد الطبيعية بوتيرة أسرع مما يمكن تجديدها، ويتم إلقاء النفايات والتلوث في البيئة بكميات هائلة، مما يؤدي إلى تدهور بيئي واسع النطاق.
- الاستغلال المزدوج: يؤكد فوستر على أن الرأسمالية لا تستغل العمال فحسب، بل تستغل الطبيعة أيضًا. يعتبر استغلال الطبيعة جزءًا لا يتجزأ من عملية التراكم الرأسمالي. يتم التعامل مع الطبيعة كمصدر مجاني للموارد وكمكب للنفايات، مما يؤدي إلى تدهور البيئة وتفاقم الأزمات البيئية.
- نقد النمو اللانهائي: ينتقد فوستر فكرة النمو الاقتصادي اللانهائي، التي تعتبر أساسية في النظام الرأسمالي. يرى أن النمو اللانهائي مستحيل على كوكب محدود الموارد، وأن السعي الدائم للنمو يؤدي إلى تدهور البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية. يدعو إلى نموذج اقتصادي بديل يركز على الاستدامة والعدالة الاجتماعية.
- الحاجة إلى تغيير جذري: يؤكد فوستر على أن حل الأزمة البيئية يتطلب تغييرًا جذريًا في النظام الاقتصادي والاجتماعي. يرى أن الإصلاحات الجزئية والحلول التكنولوجية وحدها غير كافية. يدعو إلى بناء نظام اشتراكي إيكولوجي يضع احتياجات الإنسان والطبيعة في المقام الأول.
أهم مؤلفاته
ألف جون بيلامي فوستر وشارك في تأليف العديد من الكتب والمقالات حول الاقتصاد السياسي للماركسية وعلم البيئة. من بين أهم مؤلفاته:
- The Vulnerable Planet: A Short Economic History of the Environment (1994): يقدم هذا الكتاب نظرة عامة تاريخية على العلاقة بين الرأسمالية والبيئة، ويوضح كيف أدى السعي الدائم للربح إلى تدهور البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية.
- Marx’s Ecology: Materialism and Nature (2000): يستكشف هذا الكتاب أفكار كارل ماركس حول البيئة، ويوضح كيف أن ماركس كان من أوائل المفكرين الذين فهموا العلاقة الوثيقة بين الرأسمالية والتدهور البيئي.
- Ecology Against Capitalism (2002): يجمع هذا الكتاب مجموعة من المقالات التي تتناول العلاقة بين علم البيئة والرأسمالية، ويقترح استراتيجيات لبناء حركة بيئية راديكالية.
- Naked Imperialism: The U.S. Pursuit of Global Dominance (2006): يحلل هذا الكتاب السياسة الخارجية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة، ويوضح كيف تسعى الولايات المتحدة إلى الهيمنة العالمية من خلال القوة العسكرية والاقتصادية.
- The Ecological Revolution: Making Peace with the Planet (2009): يدعو هذا الكتاب إلى ثورة إيكولوجية تهدف إلى بناء نظام اقتصادي واجتماعي مستدام وعادل.
- Marx and the Earth: An Anti-Critique (2016): يدافع هذا الكتاب عن رؤية ماركس الإيكولوجية ضد الانتقادات التي وجهت إليها، ويوضح كيف أن ماركس كان من أوائل المفكرين الذين فهموا العلاقة الوثيقة بين الرأسمالية والتدهور البيئي.
تأثيره
أثرت أعمال جون بيلامي فوستر بشكل كبير على الفكر الماركسي وعلم البيئة. يعتبر من أبرز المساهمين في تطوير علم البيئة الماركسي، وقد ساهم في إحياء الاهتمام بأفكار كارل ماركس حول البيئة. ألهمت أعماله العديد من النشطاء والباحثين المهتمين بالعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. لقد ساهمت أفكاره في فهم أعمق للعلاقة بين الرأسمالية والأزمة البيئية، وقدمت رؤى قيمة حول كيفية بناء نظام اقتصادي واجتماعي أكثر استدامة وعدالة.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم فوستر في تطوير النقد الماركسي للإمبريالية والعولمة، وقدم تحليلات قيمة حول السياسة الخارجية الأمريكية ودور الشركات المتعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي.
انتقادات
مثل أي مفكر بارز، تعرض جون بيلامي فوستر لانتقادات من وجهات نظر مختلفة. يرى بعض النقاد أن تركيزه على العلاقة بين الرأسمالية والأزمة البيئية مبالغ فيه، وأنه يتجاهل عوامل أخرى تساهم في التدهور البيئي، مثل النمو السكاني والتغيرات التكنولوجية. ويرى آخرون أن حلوله المقترحة، مثل الاشتراكية الإيكولوجية، غير واقعية وغير قابلة للتطبيق.
ومع ذلك، يظل جون بيلامي فوستر شخصية مؤثرة في الفكر الماركسي وعلم البيئة، ولا يمكن إنكار مساهماته القيمة في فهم العلاقة بين الرأسمالية والأزمة البيئية.
خاتمة
جون بيلامي فوستر هو عالم اجتماع ومفكر ماركسي بارز، يُعرف بعمله حول الاقتصاد السياسي للماركسية وعلم البيئة. ساهم بشكل كبير في فهم العلاقة بين الرأسمالية والأزمة البيئية، ويعتبر من أبرز المساهمين في مجال علم البيئة الماركسي. تدعو أعماله إلى تغيير جذري في النظام الاقتصادي والاجتماعي لبناء نظام أكثر استدامة وعدالة. على الرغم من الانتقادات الموجهة إليه، يظل فوستر شخصية مؤثرة في الفكر الماركسي وعلم البيئة، ولا يمكن إنكار مساهماته القيمة.