<![CDATA[
مقدمة
الأشرف قانصوه الغوري، أو قانصوه الثاني الغوري (حوالي 1441/1446 – 24 أغسطس 1516)، كان ثاني آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر. حكم من عام 1501 حتى وفاته عام 1516، وخلال فترة حكمه شهدت الدولة المملوكية تدهورًا ملحوظًا في قوتها واقتصادها، مما أدى في النهاية إلى سقوطها في يد العثمانيين.
نشأته وبداية حياته
لا تتوفر معلومات دقيقة ومفصلة عن نشأة قانصوه الغوري المبكرة. يُعتقد أنه وُلد حوالي عام 1441 أو 1446، وتشير بعض المصادر إلى أنه كان من أصل شركسي، وهي المجموعة العرقية التي انحدر منها العديد من المماليك. انضم إلى الجيش المملوكي في سن مبكرة وترقى في الرتب بفضل قدراته ومهاراته العسكرية. كان يتمتع بشخصية قوية وطموحة، وسعى باستمرار إلى تحقيق مكانة مرموقة في الدولة المملوكية.
الوصول إلى السلطة
قبل توليه السلطة، شغل قانصوه الغوري مناصب مهمة في الدولة المملوكية، بما في ذلك منصب أمير آخور، وهو المسؤول عن الإسطبلات السلطانية. كان يتمتع بنفوذ كبير في البلاط المملوكي، واستغل هذه النفوذ للوصول إلى السلطة. في عام 1501، توفي السلطان جان بلاط، وخلفه قانصوه الغوري في الحكم. يُقال أن وصوله إلى السلطة تم بدعم من بعض الأمراء المماليك النافذين الذين رأوا فيه الزعيم القادر على قيادة الدولة في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها.
فترة حكمه
تميزت فترة حكم قانصوه الغوري بتحديات كبيرة واجهت الدولة المملوكية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. من أبرز هذه التحديات:
- الأزمات الاقتصادية: عانت الدولة المملوكية من أزمات اقتصادية متفاقمة، نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك تراجع التجارة بسبب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، والفساد الإداري، والضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل السكان.
- الفتن والاضطرابات الداخلية: شهدت الدولة المملوكية صراعات داخلية بين الأمراء المماليك المتنافسين على السلطة والنفوذ. أدت هذه الصراعات إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما أضعف الدولة وزاد من هشاشتها.
- التهديد العثماني: تصاعد التهديد العثماني للدولة المملوكية، حيث كانت الدولة العثمانية تسعى إلى التوسع في المنطقة والسيطرة على الأراضي المملوكية. كان السلطان سليم الأول العثماني يطمع في ضم مصر والشام إلى دولته، لما تتمتع به هذه المناطق من أهمية استراتيجية واقتصادية.
إصلاحات قانصوه الغوري
في محاولة لمواجهة التحديات التي واجهت الدولة المملوكية، قام قانصوه الغوري ببعض الإصلاحات، ولكنها لم تكن كافية لإنقاذ الدولة من الانهيار. من بين هذه الإصلاحات:
- محاولة إصلاح النظام الإداري: سعى قانصوه الغوري إلى مكافحة الفساد الإداري وتحسين أداء الجهاز الإداري للدولة. قام بتعيين مسؤولين جدد في بعض المناصب، وحاول فرض رقابة أكبر على عمل الموظفين.
- تحسين الوضع الاقتصادي: حاول قانصوه الغوري تحسين الوضع الاقتصادي للدولة من خلال تشجيع التجارة والصناعة، وتخفيف الضرائب على بعض المنتجات. قام أيضًا ببعض المشاريع العمرانية، مثل بناء المساجد والمدارس، بهدف تحسين الظروف المعيشية للسكان.
- تقوية الجيش: أدرك قانصوه الغوري أهمية تقوية الجيش لمواجهة التهديد العثماني. قام بتدريب الجنود وتزويدهم بالأسلحة الحديثة، وحاول تجنيد المزيد من المماليك في الجيش.
على الرغم من هذه الإصلاحات، لم يتمكن قانصوه الغوري من تحقيق نتائج ملموسة، واستمرت الدولة المملوكية في التدهور.
العلاقات الخارجية
في فترة حكم قانصوه الغوري، كانت الدولة المملوكية تحافظ على علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول، بما في ذلك الدول الأوروبية والدول الإسلامية. كان قانصوه الغوري يدرك أهمية العلاقات الخارجية في تعزيز قوة الدولة وحماية مصالحها. من بين أبرز العلاقات الخارجية للدولة المملوكية في عهد قانصوه الغوري:
- العلاقات مع الدولة العثمانية: كانت العلاقات بين الدولة المملوكية والدولة العثمانية متوترة، بسبب التنافس على النفوذ في المنطقة. حاول قانصوه الغوري الحفاظ على علاقات سلمية مع الدولة العثمانية، ولكنه كان يستعد في الوقت نفسه لمواجهة أي تهديد عثماني.
- العلاقات مع الدول الأوروبية: كانت الدولة المملوكية تحافظ على علاقات تجارية مع العديد من الدول الأوروبية، مثل البندقية وجنوة. كان قانصوه الغوري يسعى إلى تعزيز هذه العلاقات، لما لها من أهمية في دعم الاقتصاد المملوكي.
- العلاقات مع الدول الإسلامية: كانت الدولة المملوكية تحافظ على علاقات جيدة مع العديد من الدول الإسلامية، مثل الدولة الصفوية في إيران. كان قانصوه الغوري يتبادل الرسائل والهدايا مع حكام هذه الدول، بهدف تعزيز التعاون والتضامن الإسلامي.
معركة مرج دابق
في عام 1516، نشبت معركة مرج دابق بين الدولة المملوكية والدولة العثمانية، وكانت هذه المعركة نقطة تحول حاسمة في تاريخ الدولة المملوكية. قبل المعركة، حاول قانصوه الغوري التحالف مع بعض القوى الإقليمية لمواجهة العثمانيين، ولكنه لم يتمكن من الحصول على دعم كافٍ. التقى الجيشان المملوكي والعثماني في مرج دابق بالقرب من حلب، ودارت بينهما معركة شرسة.
خلال المعركة، ارتكب بعض الأمراء المماليك خيانة، وانضموا إلى الجيش العثماني. أدت هذه الخيانة إلى إضعاف الجيش المملوكي، وساهمت في تحقيق النصر العثماني. قُتل قانصوه الغوري في المعركة، ويُقال أنه سقط عن حصانه أثناء القتال، ولم يتم العثور على جثته.
كانت معركة مرج دابق نهاية الدولة المملوكية في مصر والشام، حيث تمكن العثمانيون من السيطرة على هذه المناطق، وضمها إلى دولتهم. أصبحت مصر ولاية عثمانية، وفقد المماليك سلطتهم ونفوذهم.
صفاته وشخصيته
وصف المؤرخون قانصوه الغوري بأنه كان حاكمًا قويًا وطموحًا، ولكنه كان أيضًا متقلب المزاج وعصبيًا. كان يهتم بشؤون الدولة، ويسعى إلى تحقيق الاستقرار والازدهار، ولكنه كان يواجه صعوبات كبيرة في تحقيق ذلك، بسبب الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الدولة المملوكية. كان قانصوه الغوري محبًا للعمران، وقام ببناء العديد من المساجد والمدارس والمباني العامة في القاهرة وغيرها من المدن المصرية. كان أيضًا راعيًا للعلم والأدب، وشجع العلماء والأدباء على الإنتاج والإبداع.
أثره وتراثه
على الرغم من أن فترة حكم قانصوه الغوري كانت قصيرة ومليئة بالتحديات، إلا أنه ترك بصمة واضحة في تاريخ مصر. يعتبر قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك العظام، وقد شهد عصره نهاية الدولة المملوكية وبداية العصر العثماني. لا تزال العديد من المباني التي بناها قانصوه الغوري قائمة حتى اليوم، وتشهد على عظمة الدولة المملوكية وإسهاماتها في الحضارة الإسلامية. من بين أبرز هذه المباني: مجمع الغوري في القاهرة، والذي يضم مسجدًا ومدرسة وضريحًا وخانقاه.
خاتمة
كان قانصوه الغوري ثاني آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر، وقد حكم في فترة حرجة من تاريخ الدولة المملوكية. واجه تحديات كبيرة، مثل الأزمات الاقتصادية والفتن الداخلية والتهديد العثماني، ولكنه لم يتمكن من التغلب عليها. انتهت فترة حكمه بمقتله في معركة مرج دابق، وسقوط الدولة المملوكية في يد العثمانيين. على الرغم من ذلك، ترك قانصوه الغوري إرثًا ثقافيًا وعمرانيًا هامًا، يشهد على عظمة الدولة المملوكية وإسهاماتها في الحضارة الإسلامية.