نشأته وبداياته
ولد فؤاد سزكين في مدينة بتليس بتركيا. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في تركيا، ثم التحق بجامعة إسطنبول لدراسة اللغة والأدب العربي. تأثر سزكين بشكل كبير بالباحث الألماني هلموت ريتر، الذي كان له دور كبير في توجيهه نحو دراسة تاريخ العلوم العربية والإسلامية. بدأ سزكين في البحث في المخطوطات العربية والإسلامية في سن مبكرة، وبدأ في جمع المعلومات وتوثيقها.
مسيرته الأكاديمية
حصل فؤاد سزكين على درجة الدكتوراه من جامعة إسطنبول عام 1951. ثم عمل في عدة مؤسسات أكاديمية في تركيا وألمانيا. في عام 1961، انتقل إلى ألمانيا وبدأ العمل في جامعة فرانكفورت. هناك، واصل أبحاثه في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، وأسس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في عام 1982. ركز سزكين على دراسة العلوم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وقام بتحليل الإسهامات العلمية للعلماء المسلمين في مجالات مختلفة، مثل الرياضيات، وعلم الفلك، والطب، والكيمياء، والجغرافيا، والهندسة.
إسهاماته العلمية
تعتبر إسهامات فؤاد سزكين في مجال الدراسات الإسلامية غزيرة ومؤثرة. من أبرز أعماله:
- تاريخ التراث العربي المكتوب (Geschichte des arabischen Schrifttums): وهو عمل ضخم يقع في عدة مجلدات، يهدف إلى توثيق وتصنيف جميع المؤلفات العربية المكتوبة في مختلف العلوم والفنون. يعتبر هذا العمل مرجعًا أساسيًا للباحثين في هذا المجال. يغطي الكتاب مجموعة واسعة من الموضوعات، بدءًا من العلوم الدينية إلى العلوم الطبيعية والاجتماعية، ويقدم معلومات مفصلة عن المؤلفين والكتب والمخطوطات.
- معجم علماء العربية: وهو معجم شامل يتضمن تراجم لأبرز العلماء العرب والمسلمين، مع ذكر إنجازاتهم ومؤلفاتهم.
- العديد من المقالات والأبحاث العلمية: نشر سزكين العديد من المقالات والأبحاث في الدوريات العلمية المتخصصة، والتي تناولت مواضيع مختلفة في تاريخ العلوم العربية والإسلامية.
تميزت أبحاث سزكين بالدقة والشمولية، والاعتماد على المنهج العلمي في تحليل المخطوطات والوثائق. ساهمت أبحاثه في تغيير النظرة الغربية إلى الحضارة الإسلامية، وإبراز دورها الريادي في تطور العلوم والمعرفة.
معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية
أسس فؤاد سزكين معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت. يعتبر هذا المعهد مركزًا بحثيًا هامًا يهدف إلى دراسة وتوثيق التراث العلمي العربي والإسلامي. يضم المعهد مكتبة ضخمة تحتوي على آلاف المخطوطات والكتب والمقالات المتعلقة بتاريخ العلوم. يقدم المعهد الدعم للباحثين والطلاب، وينظم المؤتمرات والندوات العلمية. كما يعمل المعهد على نشر الأبحاث والدراسات العلمية في هذا المجال.
متحف تاريخ العلوم والتكنولوجيا في الإسلام
بالإضافة إلى عمله الأكاديمي، كان فؤاد سزكين مهتمًا بنشر الوعي بأهمية العلوم العربية والإسلامية. في عام 2008، أسس متحف تاريخ العلوم والتكنولوجيا في الإسلام في إسطنبول. يعرض المتحف نماذج طبق الأصل من الاختراعات والإنجازات العلمية التي قدمها العلماء المسلمون عبر التاريخ. يهدف المتحف إلى إلهام الشباب وتعريفهم بالتراث العلمي الغني للحضارة الإسلامية.
الجوائز والتكريمات
حصل فؤاد سزكين على العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية تقديرًا لإسهاماته العلمية. من بينها:
- جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية.
- وسام الاستحقاق الاتحادي من جمهورية ألمانيا الاتحادية.
- الدكتوراة الفخرية من العديد من الجامعات العالمية.
كانت هذه الجوائز بمثابة اعتراف عالمي بأهمية عمله وتأثيره في مجال الدراسات الإسلامية.
وفاته
توفي فؤاد سزكين في 30 يونيو 2018 في إسطنبول. ترك وراءه إرثًا علميًا ضخمًا، وساهم في إحياء التراث العلمي العربي والإسلامي، وترك بصمة واضحة في مجال الدراسات الإسلامية. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الباحثين والعلماء كرمز للعطاء العلمي والتفاني في خدمة المعرفة.
خاتمة
يُعتبر فؤاد سزكين من أبرز الباحثين في تاريخ العلوم العربية والإسلامية في العصر الحديث. ترك إرثًا علميًا ضخمًا من خلال مؤلفاته وأبحاثه ومؤسساته العلمية. ساهم في تسليط الضوء على الإسهامات العلمية للحضارة الإسلامية، وإعادة اكتشاف العديد من الأعمال العلمية التي طالها النسيان. يعتبر نموذجًا للعالم المخلص الذي كرس حياته لخدمة العلم والمعرفة.