حياته المبكرة وتعليمه
ولد كريستوفر فريث في 16 مارس 1942، وتلقى تعليمه في كلية إيتون، وهي مدرسة داخلية مرموقة في المملكة المتحدة. بعد ذلك، التحق بكلية كينجز في كامبريدج، حيث درس العلوم الطبيعية. حصل فريث على درجة الدكتوراه في علم النفس من معهد الطب النفسي في لندن عام 1969. كانت أطروحته تركز على تأثير الأدوية على الأداء المعرفي.
مسيرته المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، انضم فريث إلى مجلس البحوث الطبية (MRC) في المملكة المتحدة، حيث عمل في وحدة أبحاث الطب النفسي. أمضى معظم حياته المهنية في MRC، وترقى في الرتب ليصبح مديرًا لوحدة العلوم العصبية الإدراكية. في عام 2006، انتقل إلى مركز ويلكوم ترست للتصوير العصبي في جامعة كاليفورنيا في لندن، حيث شغل منصب أستاذ فخري حتى تقاعده.
خلال مسيرته المهنية الطويلة، شغل فريث العديد من المناصب القيادية الأخرى، بما في ذلك رئيس جمعية علم الأعصاب الإدراكي. كما كان عضوًا في العديد من اللجان الاستشارية والهيئات الحكومية المعنية بالصحة العقلية والبحث العلمي.
أبحاثه وإسهاماته العلمية
تركز أبحاث كريستوفر فريث على فهم العمليات العقلية التي تسمح لنا بإدراك العالم من حولنا والتفاعل معه. وقد ساهم بشكل كبير في فهمنا للإدراك الواعي، والفعل الإرادي، والمراقبة الذاتية، والوعي الذاتي. يستخدم فريث مجموعة متنوعة من الأساليب البحثية، بما في ذلك علم النفس التجريبي، والتصوير العصبي، والنمذجة الحاسوبية.
تشمل بعض أبرز مساهمات فريث العلمية ما يلي:
- نظرية المراقبة الذاتية: اقترح فريث أننا نراقب باستمرار أفكارنا وأفعالنا، ونستخدم هذه المراقبة لتصحيح الأخطاء وتوقع النتائج. تلعب هذه العملية دورًا حاسمًا في الإحساس بالملكية والتحكم في أفعالنا.
- دور المخيخ في الإدراك: أظهر فريث أن المخيخ، وهو جزء من الدماغ يلعب تقليديًا دورًا في التحكم الحركي، يشارك أيضًا في العمليات الإدراكية، مثل التنبؤ والتوقع.
- فهم الفصام: ساهم فريث بشكل كبير في فهم الأساس العصبي للفصام، وخاصة الهلوسة والأوهام. اقترح أن هذه الأعراض قد تكون ناتجة عن خلل في آليات المراقبة الذاتية.
- الأساس العصبي للوعي الاجتماعي: استكشف فريث الآليات العصبية التي تسمح لنا بفهم أفكار ومشاعر الآخرين، وهي قدرة أساسية للتفاعل الاجتماعي الناجح.
تعتبر أبحاث فريث مؤثرة للغاية، وقد أثرت على العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك علم الأعصاب، وعلم النفس، والفلسفة. وقد نشر أكثر من 300 مقالة علمية، بالإضافة إلى العديد من الكتب، بما في ذلك كتابه الشهير “علم الأعصاب الإدراكي للوهم” (The Cognitive Neuropsychology of Schizophrenia).
جوائز وتكريمات
حصل كريستوفر فريث على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإسهاماته العلمية، بما في ذلك:
- زمالة الجمعية الملكية (FRS)
- زمالة أكاديمية العلوم الطبية (FMedSci)
- جائزة جمعية علم النفس البريطانية للمساهمات المتميزة في علم النفس
- جائزة جمعية علم الأعصاب الإدراكي للمساهمات المتميزة في علم الأعصاب الإدراكي
- دكتوراه فخرية من جامعة يورك
كتاب “صنعنا: علم الدماغ الجديد والوعي الذاتي” (Making Up the Mind: How the Brain Creates Our Mental World)
يعتبر كتاب “صنعنا: علم الدماغ الجديد والوعي الذاتي” الذي نُشر عام 2007، من أبرز أعمال كريستوفر فريث. يستكشف الكتاب كيف يخلق الدماغ عالمنا العقلي، وكيف ندرك أنفسنا والآخرين. يقدم فريث في هذا الكتاب عرضًا شاملاً وشيقًا لأحدث الأبحاث في علم الأعصاب الإدراكي، ويشرح كيف تساعدنا هذه الأبحاث على فهم الوعي الذاتي والوعي الاجتماعي.
يستعرض الكتاب مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك:
- كيف يخلق الدماغ تصوراتنا عن العالم.
- دور المخيخ في الإدراك والتوقع.
- آليات المراقبة الذاتية والوعي الذاتي.
- الأساس العصبي للفصام والتوحد.
- كيف نفهم أفكار ومشاعر الآخرين.
يعتبر كتاب “صنعنا” مرجعًا قيمًا لأي شخص مهتم بفهم كيف يعمل الدماغ وكيف يخلق عالمنا العقلي. وقد لقي الكتاب استقبالًا جيدًا من قبل النقاد والقراء على حد سواء، واعتبر على نطاق واسع مساهمة هامة في مجال علم الأعصاب الإدراكي.
تأثيره على فهم الفصام
كان لكريستوفر فريث تأثير كبير على فهمنا للفصام. من خلال أبحاثه، ساعد في تسليط الضوء على العمليات العصبية المعرفية الكامنة وراء أعراض الفصام، مثل الهلوسة والأوهام. وقد اقترح أن هذه الأعراض قد تكون ناتجة عن خلل في آليات المراقبة الذاتية، مما يؤدي إلى صعوبة في التمييز بين الأفكار والأفعال الداخلية والخارجية.
وقد أدت أفكار فريث إلى تطوير علاجات جديدة للفصام، تستهدف على وجه التحديد العمليات المعرفية المعيبة. على سبيل المثال، تم تطوير العلاج المعرفي السلوكي للذهان (CBTp) لمساعدة الأشخاص المصابين بالفصام على تحدي أفكارهم وأوهامهم السلبية، وتحسين قدرتهم على التمييز بين الواقع والخيال.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت أبحاث فريث في الحد من وصمة العار المرتبطة بالفصام. من خلال شرح الأساس البيولوجي للأعراض، ساعد في إظهار أن الفصام هو اضطراب طبي حقيقي، وليس مجرد “جنون” أو “ضعف في الشخصية”.
خاتمة
كريستوفر فريث هو عالم نفس بارز قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للدماغ والعقل. لقد كان لعمله تأثير عميق على مجالات علم الأعصاب الإدراكي، وعلم النفس، والفلسفة. من خلال أبحاثه، ساعد فريث في تسليط الضوء على العمليات العقلية الكامنة وراء الإدراك الواعي، والفعل الإرادي، والمراقبة الذاتية، والوعي الذاتي. كما كان له دور فعال في تطوير علاجات جديدة للفصام والحد من وصمة العار المرتبطة بهذا الاضطراب.