مقدمة
إنجيل لوقا 19 هو الفصل التاسع عشر من إنجيل لوقا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يسجل هذا الفصل أحداثًا هامة في حياة يسوع المسيح، خاصةً وصوله إلى أريحا وزيارة بيته، بالإضافة إلى مثل الوزنات الشهير. يعتبر هذا الفصل جزءًا أساسيًا من رسالة لوقا الإنجيلية، حيث يبرز موضوعات الخلاص والرحمة والمسؤولية.
وصول يسوع إلى أريحا وشفاء الأعمى
يبدأ الفصل بوصول يسوع إلى أريحا. بينما كان يقترب من المدينة، كان هناك رجل أعمى يجلس على جانب الطريق يتسول. عندما سمع أن يسوع الناصري يمر، بدأ يصرخ قائلاً: “يا يسوع ابن داود، ارحمني!” (لوقا 19: 3).
حاول الناس إسكاته، لكنه صرخ بصوت أعلى. فتوقف يسوع وأمر بإحضاره إليه. سأله يسوع: “ماذا تريد أن أفعل لك؟” فأجاب الأعمى: “يا سيد، أن أبصر!” (لوقا 19: 41).
فقال له يسوع: “أبصر. إيمانك قد شفاك!” (لوقا 19: 42). وفي الحال أبصر الأعمى، وتبعه وهو يمجد الله. وعندما رأى جميع الشعب ذلك، سبحوا الله. هذه القصة تظهر قوة يسوع الشفائية ورحمته تجاه المحتاجين، كما أنها تؤكد على أهمية الإيمان في الحصول على الشفاء.
زيارة يسوع لمنزل زكا
بعد شفاء الأعمى، دخل يسوع إلى أريحا وأخذ يجتاز فيها. وكان هناك رجل اسمه زكا، وهو رئيس للعشارين، وكان غنياً. وكان زكا يحاول أن يرى يسوع من هو، ولم يتمكن بسبب الزحام، لأنه كان قصير القامة.
فركض زكا إلى الأمام وصعد إلى شجرة جميز لكي يراه، لأنه كان مزمعاً أن يجتاز من هناك. فلما وصل يسوع إلى المكان، نظر إلى فوق ورآه، وقال له: “يا زكا، أسرع وانزل، لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك!” (لوقا 19: 5).
فأسرع زكا ونزل واستقبله بفرح. فلما رأى الجميع ذلك، تذمروا قائلين: “إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ!” (لوقا 19: 7). أما زكا فوقف وقال للرب: “هوذا يا رب، نصف أموالي أعطيه للمساكين، وإذا كنت قد وشيت بأحد بشيء، أرد أربعة أضعاف!” (لوقا 19: 8).
فقال له يسوع: “اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضاً ابن إبراهيم. لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك!” (لوقا 19: 9-10). هذه القصة تبرز تحول قلب زكا وقبوله ليسوع، مما أدى إلى خلاصه. إنها مثال على أن الخلاص متاح للجميع، حتى لأولئك الذين يعتبرهم المجتمع منبوذين أو خطاة.
مثل الوزنات
بعد قصة زكا، قدم يسوع مثلاً للذين كانوا يسمعونه، لأنه كان قريباً من أورشليم، وكانوا يظنون أن ملكوت الله على وشك أن يظهر في الحال. قال يسوع: “إنسان شريف ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه ملكاً ويرجع.” (لوقا 19: 12).
ودعا عشرة من عبيده وأعطاهم عشرة أمناء، وقال لهم: “تاجروا بها إلى أن آتي.” (لوقا 19: 13). أما أهل مدينته فكانوا يبغضونه، فأرسلوا وراءه وفداً قائلين: “لا نريد أن هذا يملك علينا.” (لوقا 19: 14).
ولما رجع وقد أخذ الملك، أمر بأن يدعى إليه أولئك العبيد الذين أعطاهم الفضة، ليعرف ماذا ربح كل واحد. فجاء الأول وقال: “يا سيد، مناك ربح عشرة أمناء.” (لوقا 19: 16). فقال له: “نعماً أيها العبد الصالح! لأنك كنت أميناً في القليل، فلي سلطان على عشر مدن.” (لوقا 19: 17).
ثم جاء الثاني وقال: “يا سيد، مناك صنع خمسة أمناء.” (لوقا 19: 18). فقال لهذا أيضاً: “وكن أنت على خمس مدن.” (لوقا 19: 19). ثم جاء آخر وقال: “يا سيد، هوذا مناك الذي كان موضوعاً في منديل. لأني كنت أخاف منك، لأنك إنسان صارم. تأخذ ما لم تضع، وتحصد ما لم تزرع.” (لوقا 19: 20-21).
فقال له: “من فمك أدينك أيها العبد الشرير! عرفت أني إنسان صارم آخذ ما لم أضع وأحصد ما لم أزرع. فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة، حتى إذا جئت أستوفيها مع ربا؟” (لوقا 19: 22-23). ثم قال للحاضرين: “خذوا منه المنا وأعطوه للذي عنده العشرة أمناء.” (لوقا 19: 24).
فقالوا له: “يا سيد، عنده عشرة أمناء!” (لوقا 19: 25). لأني أقول لكم: إن كل من له يعطى، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه. أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأحضرهم إلى هنا واذبحوهم قدامي.” (لوقا 19: 26-27).
هذا المثل يحمل عدة دروس:
- المسؤولية: يجب على كل شخص أن يستغل المواهب والفرص التي أعطيت له بأمانة وإخلاص.
- المجازاة: الذين يعملون بجد ويستغلون مواهبهم سيجازون بمزيد من المسؤوليات والمكافآت.
- العقاب: الذين يهملون مواهبهم ولا يستغلونها سيفقدونها وسيعاقبون.
- رفض الملكوت: الذين يرفضون ملكوت الله سيدانون.
دخول يسوع الظافر إلى أورشليم
بعد أن قال يسوع هذا، تقدم صاعداً إلى أورشليم. ولما اقترب من بيت فاجي وبيت عنيا، عند الجبل الذي يدعى جبل الزيتون، أرسل اثنين من تلاميذه قائلاً: “اذهبا إلى القرية التي مقابلنا، وحينما تدخلانها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس قط. فحلاه وأتيا به. وإن سألكما أحد: لماذا تحلانه؟ فقولا له: الرب محتاج إليه.” (لوقا 19: 29-31).
فذهب المرسلان ووجدا كما قال لهما. وفيما هما يحلان الجحش، قال لهما أصحابه: “لماذا تحلان الجحش؟” (لوقا 19: 33). فقالا: “الرب محتاج إليه.” (لوقا 19: 34). وأتيا به إلى يسوع، وطرحا ثيابهما على الجحش، وأركبا يسوع عليه.
وفيما هو سائر فرشوا ثيابهم في الطريق. ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون، ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي رأوها قائلين: “مبارك الملك الآتي باسم الرب! سلام في السماء ومجد في الأعالي!” (لوقا 19: 37-38).
فأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له: “يا معلم، انتهر تلاميذك!” (لوقا 19: 39). فأجاب وقال لهم: “أقول لكم: إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!” (لوقا 19: 40). هذا الدخول الظافر يمثل تحقيقاً لنبوءات العهد القديم عن مجيء المسيح الملك، ويؤكد على اعتراف التلاميذ والجموع بيسوع كالمسيح المنتظر.
بكاء يسوع على أورشليم
ولما اقترب يسوع ونظر إلى المدينة بكى عليها قائلاً: “يا ليتك علمت أنت أيضاً، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أخفي عن عينيك. فإنه ستأتي أيام يحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجراً على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك!” (لوقا 19: 41-44).
هذا البكاء يعبر عن حزن يسوع العميق على رفض أورشليم له وعدم إدراكها لأهمية رسالته. إنها نبوءة عن الدمار الذي سيحل بالمدينة بسبب عدم إيمانها، وتذكير بأهمية الاستجابة لدعوة الله في الوقت المناسب.
تطهير الهيكل
ولما دخل يسوع إلى الهيكل ابتدأ يطرد الذين كانوا يبيعون فيه والذين يشترون قائلاً لهم: “مكتوب: بيتي بيت الصلاة. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!” (لوقا 19: 45-46). وكان يعلم كل يوم في الهيكل، وأما رؤساء الكهنة والكتبة ورؤساء الشعب فكانوا يطلبون أن يهلكوه، ولم يجدوا ماذا يفعلون، لأن الشعب كله كان متعلقاً به يسمعونه. (لوقا 19: 47-48).
هذا العمل يظهر غيرة يسوع على قدسية بيت الله ورفضه للفساد الذي استشرى فيه. إنه يمثل تحدياً للسلطات الدينية الفاسدة وتأكيداً على أهمية العبادة النقية والصادقة.
خاتمة
إنجيل لوقا 19 يقدم مجموعة من الأحداث والتعاليم الهامة التي تبرز رسالة يسوع المسيح. من شفاء الأعمى وزيارة زكا إلى مثل الوزنات والدخول الظافر إلى أورشليم، يكشف هذا الفصل عن رحمة يسوع وقوته وتعليمه، بالإضافة إلى المسؤولية التي تقع على عاتق المؤمنين. البكاء على أورشليم وتطهير الهيكل يظهران غيرة يسوع على الحق وقدسية بيت الله. بشكل عام، يعتبر هذا الفصل دعوة للخلاص والإيمان والعمل الجاد في خدمة الله.