الغفران والإيمان (Luke 17:1-10)
يبدأ هذا الجزء من الإصحاح بتعليمات يسوع حول أهمية الغفران. يؤكد يسوع على ضرورة أن يكون المؤمنون مستعدين لغفران بعضهم البعض، حتى لو تكرر الخطأ. يقول يسوع: “اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ” (لوقا 17:3-4). هذه الكلمات تشدد على أهمية التسامح والرحمة في العلاقات المسيحية.
بعد ذلك، يتحدث يسوع عن قوة الإيمان. عندما طلب الرسل زيادة إيمانهم، أجاب يسوع بأنه حتى الإيمان الصغير، مثل حبة الخردل، يمكن أن يحقق المعجزات. يقول: “لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذِهِ الْجُمَّيْزَةِ: انْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ فَتُطِيعُكُمْ” (لوقا 17:6). هذا المثل يوضح أن قوة الإيمان لا تكمن في حجمه الظاهري، بل في ثقته المطلقة بقدرة الله.
ثم يقدم يسوع مثالًا عن العبد الذي يقوم بواجباته دون انتظار الشكر. يقول: “مَنْ مِنْكُمْ لَهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى، يَقُولُ لَهُ إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحَقْلِ: تَقَدَّمْ سَرِيعًا وَاتَّكِئْ؟ بَلْ أَلاَ يَقُولُ لَهُ: أَعْدِدْ مَا أَتَعَشَّى بِهِ وَتَمَنْطَقْ وَاخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ أَنْتَ؟ أَيَشْكُرُ ذَلِكَ الْعَبْدَ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ؟ لاَ أَظُنُّ. هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ لأَنَّنَا إِنَّمَا فَعَلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهُ” (لوقا 17:7-10). يهدف هذا المثل إلى تعليم المؤمنين التواضع والخدمة المتفانية، دون انتظار المديح أو المكافأة.
شفاء العشرة البُرص (Luke 17:11-19)
يسجل هذا الجزء قصة شفاء يسوع لعشرة رجال مصابين بالبرص. البرص كان مرضًا جلديًا معديًا ومنبوذًا في ذلك الوقت، وكان المصابون به يعيشون في عزلة تامة عن المجتمع. بينما كان يسوع في طريقه إلى أورشليم، التقى بهؤلاء الرجال الذين صرخوا طالبين الرحمة. يقول الكتاب: “وَفِيمَا هُوَ ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ اجْتَازَ فِي وَسَطِ السَّامِرَةِ وَالْجَلِيلِ. وَبَيْنَمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى إِحْدَى الْقُرَى اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعُوا صَوْتًا قَائِلِينَ: يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ ارْحَمْنَا” (لوقا 17:11-13).
أمرهم يسوع بالذهاب إلى الكهنة لكي يفحصوهم، وكما ذهبوا، تم شفاؤهم. “فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا وَارُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ. وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهُرُوا” (لوقا 17:14). من بين العشرة، عاد واحد فقط، وهو رجل سامري، ليشكر يسوع على شفائه. يوضح هذا الجزء أهمية الشكر والتقدير لله على نعمه.
يقول يسوع عن هذا الرجل السامري: “أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهُرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا ِللهِ غَيْرُ هَذَا الأَجْنَبِيِّ؟” (لوقا 17:17-18). ثم قال يسوع للرجل: “قُمْ وَاذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ” (لوقا 17:19). هذه القصة تبرز أهمية الإيمان والشكر كجزء أساسي من العلاقة مع الله.
المجيء الثاني (Luke 17:20-37)
في هذا الجزء، يجيب يسوع على سؤال الفريسيين حول متى يأتي ملكوت الله. يوضح يسوع أن ملكوت الله لا يأتي بملاحظة خارجية، بل هو موجود في داخل المؤمنين. “وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ أَجَابَهُمْ وَقَالَ: لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُلاَحَظَةٍ. وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَا! لأَنَّ هَا مَلَكُوتَ اللهِ دَاخِلَكُمْ” (لوقا 17:20-21).
ثم يتحدث يسوع إلى تلاميذه عن المجيء الثاني. يحذرهم من أن المجيء سيكون مفاجئًا وغير متوقع، تمامًا كما كان في أيام نوح وأيام لوط. “وَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ وَلاَ تَرَوْنَ. وَيَقُولُونَ لَكُمْ: هُوَذَا هَهُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ تَتْبَعُوا. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ، هَكَذَا يَكُونُ أَيْضًا ابْنُ الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ” (لوقا 17:22-24).
يشبه يسوع المجيء الثاني بالبرق الذي يضيء السماء بأكملها، مما يعني أنه سيكون حدثًا عالميًا لا يمكن تفويته. كما يحذرهم من أنهم سيواجهون صعوبات واضطهادات قبل المجيء. “وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَوَّلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُرْفَضَ مِنْ هَذَا الْجِيلِ. وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُزَوِّجُونَ وَيُزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَتْ نَارًا وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَتِ الْجَمِيعَ. هَكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُسْتَعْلَنُ ابْنُ الإِنْسَانِ” (لوقا 17:25-30).
يختتم يسوع هذا الجزء بتشبيهات قوية تحذر من الانشغال بالأمور الدنيوية وتجاهل الاستعداد للمجيء الثاني. يقول: “فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا. وَمَنْ كَانَ فِي الْحَقْلِ فَكَذَلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ. اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ! مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُهَا يُحْيِيهَا. أَقُولُ لَكُمْ: فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى سَرِيرٍ وَاحِدٍ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ” (لوقا 17:31-36).
عندما سأله التلاميذ أين سيحدث هذا، أجاب يسوع: “حَيْثُمَا تَكُونُ الْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ” (لوقا 17:37). هذه الإجابة الغامضة تشير إلى أن المجيء الثاني سيكون حدثًا عالميًا وواضحًا، تمامًا كما تتجمع النسور حول الجثة.
خاتمة
إصحاح لوقا 17 يقدم مجموعة متنوعة من التعاليم الهامة التي تشمل الغفران، والإيمان، والتواضع، والشكر، والاستعداد للمجيء الثاني. من خلال الأمثال والمعجزات، يوضح يسوع أهمية هذه المفاهيم في الحياة المسيحية. يدعونا هذا الإصحاح إلى التفكير في علاقتنا مع الله ومع الآخرين، وإلى الاستعداد الدائم لمجيء المسيح.