مقدمة
إنجيل لوقا 15 هو الفصل الخامس عشر من إنجيل لوقا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يعتبر هذا الفصل من أهم الفصول في الإنجيل لأنه يحتوي على ثلاثة أمثال مشهورة ومؤثرة تتناول موضوع الرحمة والغفران والفرح بالتوبة. هذه الأمثال هي مثل الخروف الضال، ومثل الدرهم المفقود، ومثل الابن الضال (أو الابن الشاطر). تهدف هذه الأمثال إلى إيضاح طبيعة محبة الله اللامتناهية تجاه الخطاة ورغبته في عودتهم وتوبتهم.
أهمية الفصل
يكتسب الفصل الخامس عشر من إنجيل لوقا أهمية خاصة لعدة أسباب:
- الكشف عن طبيعة الله: يظهر هذا الفصل بوضوح طبيعة الله الرحيمة والمحبة التي تفرح بعودة الخاطئ التائب أكثر من بقاء الصالحين.
- التأكيد على قيمة الفرد: تبرز الأمثال الثلاث قيمة كل فرد في نظر الله، حتى لو كان ضالًا أو مفقودًا. فالله يبحث عنه بكل جهد ومحبة.
- دعوة إلى التوبة: يدعو الفصل إلى التوبة والرجوع إلى الله، مؤكدًا أن التوبة هي مفتاح الفرح والسلام الداخلي.
- تحدي الفكر الديني التقليدي: يتحدى الفصل الفكر الديني الذي يركز على الدينونة والعقاب، ويقدم بديلًا يتمثل في الرحمة والغفران.
مثل الخروف الضال
يبدأ الفصل بمثل الخروف الضال، حيث يترك الراعي تسعة وتسعين خروفًا ليذهب باحثًا عن الخروف الواحد الضال حتى يجده. وعندما يجده، يفرح به أكثر من التسعة والتسعين الذين لم يضلوا.
تحليل المثل:
- الراعي: يمثل الله أو المسيح الذي يهتم بكل فرد من أفراد قطيعه.
- الخروف الضال: يمثل الخاطئ الذي ابتعد عن طريق الله الصواب.
- الفرح بالعودة: يعكس الفرح العظيم الذي يشعر به الله وملائكته بعودة الخاطئ التائب.
الرسالة: يؤكد هذا المثل على أن الله لا ييأس من الخاطئ، بل يسعى إليه بكل وسيلة حتى يعيده إلى حظيرته. كما يوضح أن قيمة الفرد الواحد كبيرة في نظر الله.
مثل الدرهم المفقود
بعد ذلك، يأتي مثل الدرهم المفقود، حيث تفقد امرأة درهمًا واحدًا من عشرة دراهم، فتشعل السراج وتكنس البيت وتبحث باجتهاد حتى تجده. وعندما تجده، تدعو صديقاتها وجاراتها لتفرح معها لأنها وجدت الدرهم الذي فقدته.
تحليل المثل:
- المرأة: تمثل الله أو الكنيسة التي تبحث عن الضالين.
- الدرهم المفقود: يمثل الخاطئ الذي فقد طريقه.
- البحث الدؤوب: يرمز إلى الجهد المتواصل الذي يبذله الله والكنيسة لإيجاد الضالين.
- الفرح بالوجدان: يعكس الفرح الذي يملأ قلب الله والكنيسة عندما يعود الخاطئ.
الرسالة: يشدد هذا المثل على أهمية البحث عن الضالين والمفقودين، وعلى الفرح الذي يصاحب عودتهم. كما يوضح أن الله لا يتخلى عن البحث حتى يجد من فقده.
مثل الابن الضال (أو الابن الشاطر)
أما المثل الثالث والأكثر تفصيلاً، فهو مثل الابن الضال (أو الابن الشاطر). يحكي المثل عن رجل له ابنان، طلب الابن الأصغر نصيبه من الميراث من أبيه، ثم سافر إلى بلاد بعيدة وبدد ماله في عيش مسرف. وعندما حلّت مجاعة شديدة في تلك البلاد، بدأ يحتاج. فذهب والتصق بواحد من أهل تلك البلاد، فأرسله إلى حقوله ليرعى الخنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم من أجراء أبي يفضل عنهم الخبز وأنا أهلك جوعًا! أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنًا. اجعلني كأحد أجرائك. فقام وجاء إلى أبيه. وإذ كان لم يزل بعيدًا، رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله. فقال له الابن: يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده وحذاء في رجليه، وقدموا العجل المسمن واذبحوه، فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد. فابتدأوا يفرحون. وكان ابنه الأكبر في الحقل. فلما جاء وقرب من البيت، سمع صوت عزف ورقص. فدعا واحدًا من الغلمان وسأله: ما عسى أن يكون هذا؟ فقال له: أخوك جاء. فذبح أبوك العجل المسمن، لأنّه قبله سالمًا. فغضب ولم يرد أن يدخل. فخرج أبوه وتضرع إليه. فأجاب وقال لأبيه: ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، قط لم أتجاوز وصيتك قط، وجديًا لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني، ذبحت له العجل المسمن. فقال له: يا بني أنت معي في كل حين، وكل ما لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد.
تحليل المثل:
- الأب: يمثل الله الذي يحب أبناءه ويتوق إلى عودتهم.
- الابن الأصغر: يمثل الخاطئ الذي يبتعد عن الله وينغمس في ملذات العالم.
- الابن الأكبر: يمثل المتدينين الذين يظنون أنهم أفضل من غيرهم ويستحقون المكافأة.
- العودة والتوبة: تعكس قرار الابن الأصغر بالعودة إلى أبيه والاعتراف بخطئه، وهي خطوة أساسية في التوبة.
- الاحتفال بالعودة: يمثل الفرح العظيم الذي يشعر به الله وملائكته بعودة الخاطئ التائب.
الرسالة: يوضح هذا المثل أن الله يقبل التوبة مهما كان حجم الخطأ، وأن الفرح بعودة الخاطئ يفوق أي شيء آخر. كما يدعو إلى التواضع وعدم الحكم على الآخرين، وإلى الفرح بعودة إخوتنا الضالين.
تفصيلات إضافية حول المثل:
- طلب الميراث: طلب الابن الأصغر نصيبه من الميراث يعكس رغبته في الاستقلال عن أبيه والاعتماد على نفسه.
- التبذير والإسراف: تبذير الابن ماله في عيش مسرف يرمز إلى الانغماس في ملذات العالم الزائلة.
- الحاجة والضيق: الحاجة التي شعر بها الابن بعد تبذير ماله تمثل الضيق الروحي الذي يشعر به الخاطئ بعد الابتعاد عن الله.
- الندم والتوبة: ندم الابن على أفعاله وقراره بالعودة إلى أبيه يجسدان التوبة الحقيقية.
- استقبال الأب: استقبال الأب لابنه بفرح وترحيب يعكس محبة الله اللامتناهية وغفرانه الكامل.
- غضب الابن الأكبر: غضب الابن الأكبر يمثل الحسد والغيرة التي قد يشعر بها المتدينون تجاه التائبين.
- دعوة الأب للابن الأكبر: دعوة الأب للابن الأكبر للمشاركة في الفرح تعكس دعوة الله للجميع للمشاركة في فرح الخلاص.
تفسيرات لاهوتية
تمثل أمثال إنجيل لوقا 15 جوهر رسالة الإنجيل، فهي تكشف عن قلب الله المحب والرحيم. وقد قدم اللاهوتيون تفسيرات متعددة لهذه الأمثال، من بينها:
- التأكيد على نعمة الله: تؤكد الأمثال على أن الخلاص هو نعمة من الله وليست نتيجة لأعمالنا الصالحة. فالله يبادر بالبحث عن الخاطئ ويقبله بغض النظر عن ماضيه.
- أهمية التوبة: تعتبر التوبة خطوة أساسية في الرجوع إلى الله. فالاعتراف بالخطأ والندم عليه هما بداية الطريق إلى المصالحة.
- الفرح في السماء: يعكس الفرح الذي يصاحب عودة الخاطئ الفرح العظيم الذي يملأ السماء بملائكتها وقديسيها.
- التحذير من الكبرياء: تحذر الأمثال من الكبرياء والاعتداد بالنفس، وتدعو إلى التواضع والرحمة تجاه الآخرين.
تطبيقات عملية
يمكن تطبيق دروس إنجيل لوقا 15 في حياتنا اليومية من خلال:
- الرحمة والغفران: أن نكون رحماء ومسامحين تجاه الآخرين، وأن نسعى إلى إصلاح العلاقات المتوترة.
- البحث عن الضالين: أن نبحث عن المحتاجين والمنبوذين في مجتمعنا، وأن نقدم لهم الدعم والمساعدة.
- الفرح بعودة التائبين: أن نفرح بعودة التائبين إلى الله، وأن نشجعهم على الاستمرار في طريق الخير.
- التواضع: أن نكون متواضعين ولا نحكم على الآخرين، وأن نتذكر أننا جميعًا خطاة نحتاج إلى رحمة الله.
- المبادرة بالصلح: أن نكون مبادرين إلى الصلح مع الآخرين، وأن نسعى إلى حل الخلافات بطرق سلمية.
خاتمة
إنجيل لوقا 15 هو دعوة إلى الرحمة والغفران والتوبة. إنه يذكرنا بأن الله يحبنا حبًا لا يضاهيه حب، وأنه يفرح بعودتنا إليه أكثر من أي شيء آخر. فلنستجب لهذه الدعوة ولنسعَ إلى أن نكون رحماء ومسامحين ومتواضعين، وأن نفرح بعودة إخوتنا الضالين.