مقدمة
إنجيل لوقا 11 هو الفصل الحادي عشر من إنجيل لوقا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يسجل هذا الفصل نسخة لوقا من صلاة “أبانا الذي في السماوات” (أو الصلاة الربانية)، ويحتوي على تعاليم ليسوع حول الصلاة، واستخدام النور، ومقاومة التجارب، بالإضافة إلى تحذيرات ضد النفاق والرياء. يتضمن أيضاً سلسلة من الأمثال والتشبيهات التي تهدف إلى توضيح هذه المفاهيم للقارئ.
الصلاة الربانية (أبانا الذي في السماوات)
يبدأ الفصل بطلب من أحد تلاميذ يسوع لتعليمه كيفية الصلاة، كما علم يوحنا المعمدان تلاميذه. فيستجيب يسوع بتقديم صلاة تُعرف عمومًا باسم “الصلاة الربانية” أو “أبانا الذي في السماوات”. ومع أن هناك تشابهًا بين هذه الصلاة وبين النسخة الموجودة في إنجيل متى، إلا أن نسخة لوقا أقصر وأكثر مباشرة.
تحتوي الصلاة على عدة عناصر أساسية:
- التبجيل لله: تبدأ الصلاة بالاعتراف بالله كأب وطلب تقديس اسمه.
- طلب ملكوت الله: الدعوة إلى مجيء ملكوت الله، وهو تعبير عن الاشتياق إلى تحقيق إرادة الله على الأرض كما هي في السماء.
- طلب الرزق اليومي: طلب الحصول على الخبز اليومي أو الغذاء الضروري للحياة.
- طلب المغفرة: الدعوة إلى مغفرة الخطايا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا.
- طلب الحماية من التجربة: الدعوة إلى عدم الوقوع في التجربة وطلب النجاة من الشرير.
تعتبر هذه الصلاة نموذجًا للصلاة المسيحية، حيث تجمع بين التضرع إلى الله من أجل الاحتياجات الروحية والمادية، والاعتراف بالاعتماد الكامل على الله.
مثل الصديق في منتصف الليل
بعد تقديم الصلاة الربانية، يروي يسوع مثلًا يهدف إلى تشجيع المثابرة في الصلاة. هذا المثل يعرف بـ “مثل الصديق في منتصف الليل”. يحكي المثل عن صديق يذهب إلى صديقه في منتصف الليل ليطلب ثلاثة أرغفة من الخبز لإطعام ضيف وصل إليه بشكل غير متوقع.
في البداية، يرفض الصديق بسبب إزعاجه له في وقت متأخر من الليل، ولكن بسبب إلحاح الصديق الطالب، ينهض أخيرًا ويعطيه ما يحتاجه.
الغرض من هذا المثل ليس القول بأن الله يستجيب لنا فقط بسبب إلحاحنا، بل التأكيد على أهمية المثابرة والإصرار في الصلاة. فإذا كان صديق بشري يستجيب للإلحاح، فكم بالحرى الله الذي هو أكثر رحمة وكرمًا؟
اطلبوا تجدوا
يرتبط هذا المثل بتعليم يسوع حول الصلاة، حيث يشجع يسوع مستمعيه على أن يطلبوا ويبحثوا ويقرعوا، مؤكدًا أن كل من يطلب يجد، ومن يبحث يجد، ومن يقرع يفتح له. هذه الكلمات تشجع المؤمنين على الثقة في أن الله سيستجيب لصلواتهم.
يشبه يسوع استجابة الله لاستجابة الأب الأرضي لطلب ابنه. فإذا كان الأب الأرضي يعطي ابنه أشياء صالحة، فكم بالأحرى الآب السماوي سيعطي الروح القدس للذين يسألونه؟
يسوع وبعلزبول
يتهم بعض الحاضرين يسوع بأنه يطرد الشياطين بقوة بعلزبول، رئيس الشياطين. يرد يسوع على هذا الاتهام بمنطق قوي، موضحًا أن المملكة المنقسمة على نفسها لا يمكن أن تثبت، وإذا كان الشيطان يطرد الشيطان، فهو بذلك يدمر نفسه.
يؤكد يسوع أن قوته في طرد الشياطين هي دليل على أن ملكوت الله قد حل عليهم. ويقول: “ولكن إن كنت بأصبع الله أطرد الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله.”
ثم يطرح يسوع مثل الرجل القوي الذي يحرس بيته، وكيف يأتي من هو أقوى منه ويغلبه ويأخذ أسلحته ويوزع غنائمه. هذا المثل يوضح أن يسوع هو الأقوى من الشيطان، وأنه قادر على هزيمته وتحرير الناس من سلطانه.
علامة يونان
يطلب بعض الحاضرين من يسوع علامة من السماء لإثبات سلطته. يرفض يسوع تقديم علامة أخرى غير “علامة يونان”. يشير يسوع إلى أن يونان كان علامة لأهل نينوى بتوبته، وهكذا سيكون ابن الإنسان علامة لهذا الجيل.
يشير يسوع أيضًا إلى ملكة التيمن (سبأ) التي أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، ويقول إن أعظم من سليمان هنا، أي يسوع نفسه. كما يشير إلى رجال نينوى الذين تابوا بمناداة يونان، ويقول إن أعظم من يونان هنا.
هذا التأكيد يوضح أن يسوع هو المسيا المنتظر، وأنه يقدم رسالة أعظم من رسالة يونان وسليمان.
مثل السراج
يشبه يسوع العين بالسراج الذي يضيء الجسد. فإذا كانت العين سليمة، يكون الجسد كله منيرًا، وإذا كانت العين شريرة، يكون الجسد مظلمًا. يحذر يسوع مستمعيه من أن ينتبهوا إلى أن النور الذي فيهم قد يكون ظلمة.
هذا المثل يحث الناس على فحص دوافعهم ونواياهم، والتأكد من أنهم يسعون إلى الحق والبر، وليس إلى الظلمة والشر.
توبيخ الفريسيين والناموسيين
يدعو فريسي يسوع لتناول الطعام معه، فيدخل يسوع ويتكئ. يتعجب الفريسي من أن يسوع لم يغتسل قبل الأكل حسب الطقوس اليهودية. يرد يسوع بتوبيخ الفريسيين والناموسيين بسبب اهتمامهم بالمظاهر الخارجية وإهمالهم للعدل والمحبة.
يقول يسوع إنهم ينظفون ظاهر الكأس والصحن، ولكن باطنهم مملوء بالنهب والخبث. يحذرهم من أن الله يرى الباطن كما يرى الظاهر.
ثم يوبخ يسوع الناموسيين لأنهم يحملون الناس أحمالًا ثقيلة لا يقدرون هم أن يمسوها بإحدى أصابعهم. يتهمهم بأنهم يبنون قبور الأنبياء الذين قتلهم آباؤهم، وبذلك يشهدون على أنهم موافقون على أفعال آبائهم.
يقول يسوع إن حكمة الله أرسلت الأنبياء والرسل، وسيُطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء الذي أُريق منذ تأسيس العالم، من دم هابيل إلى دم زكريا الذي قُتل بين المذبح والبيت. يؤكد يسوع أن هذا الجيل سيُسأل عن كل ذلك.
يوبخ يسوع الناموسيين لأنهم أخذوا مفتاح المعرفة، فلا هم دخلوا ولا تركوا الداخلين يدخلون. هذا التوبيخ يكشف عن أنانيتهم وتعطيلهم لرسالة الحق.
مؤامرة الفريسيين والكتبة
بعد أن انتهى يسوع من الكلام، بدأ الكتبة والفريسيون يضايقونه بشدة ويطرحون عليه أسئلة كثيرة ليوقعوه في الكلام. كانوا يراقبونه عن كثب ليصطادوا أي كلمة تخرج من فمه لاستخدامها ضده.
هذا المشهد يوضح العداء المتزايد بين يسوع والقيادات الدينية اليهودية، ويشير إلى المؤامرة التي كانت تحاك ضده.
خاتمة
إنجيل لوقا 11 يقدم مجموعة متنوعة من التعاليم والأمثال التي تركز على الصلاة، والنور، والحذر من النفاق. من خلال الصلاة الربانية ومثل الصديق في منتصف الليل، يشجع يسوع على المثابرة في الصلاة. من خلال التحذير من الظلمة الداخلية وتوبيخ الفريسيين والناموسيين، يحث يسوع على النقاء الداخلي والعدل. هذه الدروس تهدف إلى تقوية الإيمان وتوجيه المؤمنين نحو حياة ترضي الله.