<![CDATA[
مقدمة
يوحنا 17 هو الفصل السابع عشر من إنجيل يوحنا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يصور هذا الفصل صلاة ليسوع المسيح قبل القبض عليه وصلبه مباشرة. تُعرف هذه الصلاة تقليديًا باسم “صلاة رئيس الكهنة” أو “صلاة الوداع”، وهي واحدة من أطول وأعمق الصلوات المسجلة ليسوع في الأناجيل.
السياق التاريخي والأدبي
يقع يوحنا 17 في نهاية خدمة يسوع العلنية وقبل آلامه وموته. يأتي مباشرة بعد العشاء الأخير وحوار يسوع مع تلاميذه في الغرف العلوية (يوحنا 13-16). في هذه الفصول، قدم يسوع لتلاميذه تعليمات وتعزيات ووعود مهمة استعدادًا لغيابه الوشيك. صلاة يوحنا 17 هي تتويج لهذه اللحظات الحميمة وتعكس قلب يسوع تجاه تلاميذه والكنيسة جمعاء.
موضوعات رئيسية
تركز صلاة يوحنا 17 على عدة موضوعات رئيسية:
- تمجيد الآب والابن: يبدأ يسوع بالصلاة من أجل تمجيد الآب من خلال الابن، وتمجيد الابن من خلال الآب. هذا التمجيد المتبادل هو جوهر العلاقة بين الأقانيم الإلهية.
- حماية التلاميذ: يصلي يسوع من أجل حماية تلاميذه من الشر ومن العالم، ومن أجل حفظهم في الوحدة والحق.
- وحدة المؤمنين: يصلي يسوع من أجل وحدة جميع المؤمنين عبر العصور، حتى يكونوا واحدًا كما الآب والابن واحد. هذه الوحدة هي شهادة قوية للعالم عن حقيقة رسالة يسوع.
- إرسالية الكنيسة: يصلي يسوع من أجل أن يتقدس المؤمنون في الحق، وأن يكونوا مرسلين إلى العالم كما أرسله الآب.
- الحياة الأبدية: يذكر يسوع أن الحياة الأبدية هي معرفة الآب والابن، وهي معرفة تتجاوز مجرد المعلومات النظرية إلى علاقة شخصية حميمة.
تحليل تفصيلي لآيات يوحنا 17
يمكن تقسيم صلاة يوحنا 17 إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: صلاة من أجل يسوع نفسه (الآيات 1-5)
يبدأ يسوع بالصلاة من أجل نفسه، طالبًا من الآب أن يمجده حتى يتمكن هو بدوره من تمجيد الآب. يذكر يسوع العمل الذي أنجزه على الأرض، وهو إعلان اسم الآب وإتمام العمل الذي أوكله إليه. يشير يسوع إلى المجد الذي كان له مع الآب قبل تأسيس العالم، ويطلب أن يعود إلى هذا المجد.
الآية 1: “تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا.”
الآية 5: “وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ.”
القسم الثاني: صلاة من أجل التلاميذ (الآيات 6-19)
ينتقل يسوع إلى الصلاة من أجل تلاميذه. يذكر أنهم قد حفظوا كلمة الله وآمنوا بأنه أرسله الآب. يصلي من أجل حمايتهم من الشر ومن تأثير العالم، ومن أجل حفظهم في الوحدة والحق. يسأل الآب أن يقدسهم في الحق، أي في كلمته.
الآية 9: “مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ. لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّهُمْ لَكَ.”
الآية 17: “قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ.”
القسم الثالث: صلاة من أجل المؤمنين المستقبليين (الآيات 20-26)
أخيرًا، يصلي يسوع من أجل جميع الذين سيؤمنون به من خلال كلمة تلاميذه. يصلي من أجل وحدتهم، حتى يكونوا واحدًا كما الآب والابن واحد. يطلب أن يكونوا كاملين في الوحدة، حتى يعرف العالم أن الآب أرسله وأحبهم كما أحب الابن. يختتم يسوع الصلاة بالإعلان عن اسم الآب لهم، حتى تكون المحبة التي أحبه بها الآب فيهم، ويكون هو أيضًا فيهم.
الآية 21: “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي.”
الآية 23: “أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي.”
الأهمية اللاهوتية
تعتبر صلاة يوحنا 17 ذات أهمية لاهوتية كبيرة لعدة أسباب:
- الكشف عن طبيعة الله: تكشف الصلاة عن العلاقة الحميمة والوحدة بين الآب والابن، وتشير إلى طبيعة الله الثالوثية.
- التركيز على الوحدة: تشدد الصلاة على أهمية الوحدة بين المؤمنين، وتعتبرها شهادة قوية للعالم عن حقيقة الإنجيل.
- دور الكنيسة في العالم: تسلط الصلاة الضوء على دور الكنيسة كمرسل من قبل الله إلى العالم، ومهمتها في إعلان الحق ونشر المحبة.
- الرجاء في الحياة الأبدية: تقدم الصلاة الرجاء في الحياة الأبدية، والتي هي معرفة الله والعيش في علاقة معه.
تطبيقات عملية
يمكن تطبيق الدروس المستفادة من صلاة يوحنا 17 في حياتنا اليومية بعدة طرق:
- السعي إلى الوحدة: يجب علينا السعي إلى الوحدة مع المؤمنين الآخرين، والتغلب على الخلافات والانقسامات.
- الصلاة من أجل الآخرين: يجب علينا أن نصلي من أجل الآخرين، وخاصة أولئك الذين يواجهون صعوبات وتحديات.
- عيش حياة مقدسة: يجب علينا أن نسعى إلى عيش حياة مقدسة ومكرسة لله، وأن نبتعد عن الشر وتأثير العالم.
- مشاركة الإنجيل: يجب علينا أن نشارك الإنجيل مع الآخرين، وأن نكون شهودًا للمسيح في حياتنا وأقوالنا.
- التعمق في علاقتنا مع الله: يجب علينا أن نسعى إلى التعمق في علاقتنا مع الله من خلال الصلاة ودراسة الكتاب المقدس.
تفسيرات مختلفة للصلاة
على مر العصور، قدم اللاهوتيون والعلماء تفسيرات مختلفة لصلاة يوحنا 17. البعض يركز على الجوانب اللاهوتية المتعلقة بطبيعة الله، بينما يركز البعض الآخر على الجوانب العملية المتعلقة بحياة الكنيسة والمؤمنين. ومع ذلك، يتفق معظم المفسرين على أن الصلاة تعكس قلب يسوع ومحبته العميقة لتلاميذه والكنيسة جمعاء.
تأثير الصلاة على الفن والأدب
ألهمت صلاة يوحنا 17 العديد من الفنانين والأدباء على مر العصور. تم تصوير الصلاة في العديد من اللوحات والأعمال الفنية الأخرى، كما تم اقتباسها واستخدامها في العديد من القصائد والأعمال الأدبية. تعكس هذه الأعمال الفنية والأدبية التأثير العميق الذي أحدثته الصلاة على قلوب وعقول الناس.
خاتمة
يوحنا 17 هو فصل حيوي في إنجيل يوحنا يقدم لنا لمحة عن قلب يسوع وعلاقته الحميمة بالآب وتلاميذه. تعلمنا هذه الصلاة عن طبيعة الله، وأهمية الوحدة، ودور الكنيسة في العالم، والرجاء في الحياة الأبدية. دعونا نتأمل في هذه الصلاة ونطبق دروسها في حياتنا اليومية، حتى نكون شهودًا حقيقيين للمسيح ونعيش حياة ترضي الله.