مقدمة
يوحنا 16 هو الفصل السادس عشر من إنجيل يوحنا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يسجل هذا الفصل استمرار يسوع في حديثه مع تلاميذه، مقدماً لهم المزيد من التعاليم والتنبيهات قبل صلبه وموته. يتناول الفصل مواضيع مهمة مثل عمل الروح القدس، والحزن الذي سيصيب التلاميذ ثم يتحول إلى فرح، ووعد يسوع بأنهم سينالون كل ما يطلبونه باسمه.
الروح القدس المعزي
يبدأ يوحنا 16 بتحذير يسوع لتلاميذه من الاضطهاد الذي سيواجهونه. يقول لهم إنهم سيُطردون من المجامع، بل وسيأتي وقت يظن فيه من يقتلهم أنه يقدم خدمة لله. يوضح يسوع أن سبب هذه المعاملة هو أنهم لم يعرفوا الآب ولا يسوع. ثم يعدهم بإرسال الروح القدس، المعزي، الذي سيمكث معهم ويقودهم إلى الحق.
يقول يسوع: “وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ لَكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي؛ وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضاً؛ وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ.” (يوحنا 16: 5-11).
يشرح يسوع أن الروح القدس سيقوم بثلاثة أشياء رئيسية:
- التوبيخ على الخطيئة: سيقنع الروح القدس الناس بخطاياهم وحاجتهم إلى الخلاص.
- التوبيخ على البر: سيظهر الروح القدس بر يسوع وأنه هو الطريق الوحيد إلى الله.
- التوبيخ على الدينونة: سيُظهر الروح القدس أن الشيطان، رئيس هذا العالم، قد دين وحُكم عليه.
يؤكد يسوع أن الروح القدس سيهدي التلاميذ إلى الحق كله، لأنه لن يتكلم من نفسه، بل سيتكلم بكل ما يسمعه، وسيخبرهم بالأمور الآتية. الروح القدس سيمجد يسوع لأنه سيأخذ مما ليسوع ويخبرهم.
الحزن الذي يتحول إلى فرح
يواصل يسوع حديثه عن الحزن الذي سيصيب تلاميذه بسبب رحيله، ولكنه يؤكد لهم أن هذا الحزن سيتحول إلى فرح عظيم. يستخدم يسوع تشبيهاً بالمرأة المخاض التي تتألم أثناء الولادة، ولكنها تنسى ألمها بمجرد ولادة الطفل. هكذا سيكون حال التلاميذ، سيحزنون على رحيل يسوع، ولكن فرحهم سيكون عظيماً عندما يرونه مرة أخرى بعد قيامته.
يقول يسوع: “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ، وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ. فَأَنْتُمْ كَذلِكَ، عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ.” (يوحنا 16: 20-22).
يوضح يسوع أنه في ذلك اليوم (بعد قيامته وصعوده وإرسال الروح القدس)، لن يسأله التلاميذ شيئاً، بل سيطلبون من الآب باسمه، وسيعطيهم الآب كل ما يطلبونه. يعدهم يسوع بأنهم سيطلبون باسمه، وهو لن يسأل الآب من أجلهم، لأن الآب نفسه يحبهم، لأنهم أحبوا يسوع وآمنوا بأنه خرج من عند الآب.
وعد بالصلاة المستجابة
يؤكد يسوع لتلاميذه على أهمية الصلاة باسمه. يقول لهم إنهم لم يطلبوا شيئاً باسمه حتى الآن، ولكنهم سيطلبون وسينالون، ليكون فرحهم كاملاً. يعدهم يسوع بأن الآب سيستجيب لصلواتهم، ليس لأنه سيشفع لهم، بل لأن الآب نفسه يحبهم بسبب محبتهم ليسوع وإيمانهم به.
يقول يسوع: “إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَنَالُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً.” (يوحنا 16: 24).
يوضح يسوع أنه كان يتكلم معهم بأمثال، ولكن ستأتي ساعة لا يتكلم معهم فيها بأمثال، بل يخبرهم عن الآب علانية. يضيف يسوع أنه خرج من عند الآب وأتى إلى العالم، وأيضاً يترك العالم ويذهب إلى الآب.
السلام في المسيح
يختتم يسوع حديثه بتشجيع تلاميذه ومنحهم السلام. يعترف بأنهم سيواجهون ضيقات في العالم، ولكنه يحثهم على الثقة فيه، لأنه قد غلب العالم. يقصد بذلك أنه من خلال موته وقيامته، هزم يسوع قوة الشر والموت، وفتح الطريق أمام المؤمنين به للحصول على الحياة الأبدية.
يقول يسوع: “قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ.” (يوحنا 16: 33).
هذه الكلمات تقدم عزاءً كبيراً للمؤمنين في كل العصور، فهي تذكرهم بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الصعاب، وأن يسوع قد انتصر بالفعل على الشر، ويمكنهم أن يجدوا السلام الحقيقي فيه.
خاتمة
يوحنا 16 يقدم لنا نظرة عميقة على العلاقة بين يسوع وتلاميذه، ووعده بإرسال الروح القدس ليقودهم ويعزيهم. يؤكد الفصل على أهمية الصلاة باسم يسوع، ووعده بالاستجابة، بالإضافة إلى التشجيع على الثقة به في مواجهة صعاب العالم. تبقى هذه الكلمات مصدر إلهام وعزاء للمؤمنين حتى يومنا هذا، وتذكرهم بأنهم ليسوا وحدهم في رحلة الإيمان.