مقدمة
يوحنا 13 هو الفصل الثالث عشر من إنجيل يوحنا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يشكل هذا الفصل جزءًا محوريًا من الأناجيل، وغالبًا ما يُشار إليه بـ “النصف الأخير” أو “الجزء الختامي” من خدمة يسوع العلنية. يسجل يوحنا 13 الأحداث التي وقعت في العشاء الأخير ليسوع مع تلاميذه قبل صلبه، ويحمل أهمية لاهوتية وعملية كبيرة.
غسل الأقدام
تبدأ أحداث يوحنا 13 بغسل يسوع لأقدام تلاميذه. كانت هذه الممارسة في ذلك الوقت مهمة وضيعة، وعادة ما يقوم بها الخدم للضيوف. ومع ذلك، قام يسوع بهذا الفعل، الأمر الذي صدم تلاميذه. عندما انتهى، أوضح يسوع سبب فعله ذلك، قائلاً: “إِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَقْدَامَكُمْ، فَعَلَيْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَقْدَامَ بَعْضٍ. لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا” (يوحنا 13: 14-15).
غسل الأقدام له معاني رمزية متعددة:
- التواضع والخدمة: يمثل غسل يسوع لأقدام تلاميذه تواضعه المطلق واستعداده لخدمة الآخرين. لقد عكس قلب الخادم، ودعا أتباعه إلى تبني نفس الموقف.
- التطهير: في حين أن التطهير الجسدي مهم، فإن غسل الأقدام يشير أيضًا إلى الحاجة إلى التطهير الروحي المستمر. نظرًا لأن المؤمنين يسيرون في العالم، فقد تتلطخ حياتهم بالخطيئة، وهم بحاجة إلى تطهير مستمر من خلال نعمة الله.
- المساواة: من خلال غسل أقدام تلاميذه، حطم يسوع الحواجز الاجتماعية والتسلسل الهرمي. لقد أظهر أن جميع أتباعه متساوون في عينيه ويجب أن يعاملوا بعضهم البعض باحترام وكرامة.
الكشف عن الخيانة
بعد غسل الأقدام، أعلن يسوع أن أحد تلاميذه سيخونه. صُدم التلاميذ وتساءلوا عن من يمكن أن يكون. ثم كشف يسوع بشكل غير مباشر عن هوية يهوذا الإسخريوطي كخائن. قال: “اَلَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ” (يوحنا 13: 26). ثم غمس يسوع لقمة وأعطاها ليهوذا، الذي أخذها وخرج على الفور لتنفيذ خيانته.
يسلط الكشف عن الخيانة الضوء على عدة نقاط مهمة:
- معرفة الله: أظهر يسوع معرفته المسبقة بالخيانة القادمة، مما يؤكد لاهوته وسلطته المطلقة.
- الاختيار والمسؤولية: كان ليهوذا حرية الاختيار ليخون يسوع، واختار أن يفعل ذلك. يوضح هذا أهمية الإرادة الحرة والمسؤولية الفردية.
- تحقيق النبوءة: كانت خيانة يهوذا تحقيقًا لنبوءات العهد القديم، مما يوضح أن خطة الله الخلاصية تتحقق بدقة.
الوصية الجديدة
بعد أن غادر يهوذا، أعطى يسوع تلاميذه وصية جديدة: “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّوا أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” (يوحنا 13: 34-35).
الوصية الجديدة ليست مجرد تكرار للوصية القديمة بأن نحب قريبنا كنفسنا. إنها دعوة إلى مستوى أعمق من المحبة – المحبة التي تعكس محبة يسوع نفسه. هذه المحبة:
- غير أنانية: المحبة كما أحب يسوع تضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاتنا الخاصة.
- غافرة: تغفر المحبة كما أحب يسوع لبعضنا البعض كما غفر لنا المسيح.
- مضحية: المحبة كما أحب يسوع مستعدة للتضحية من أجل الآخرين.
يقول يسوع أن المحبة هي العلامة المميزة لأتباعه. إنها الطريقة التي يعرف بها العالم أننا تلاميذ يسوع المسيح.
نبؤة إنكار بطرس
تنبأ يسوع أيضًا بأن بطرس سينكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك. أصر بطرس بقوة على ولائه ليسوع، قائلاً إنه مستعد للموت من أجله. ومع ذلك، حذر يسوع بطرس من أن ثقته بنفسه ستؤدي به إلى الإنكار.
تُظهر نبؤة إنكار بطرس:
- ضعف بشري: حتى أكثر المؤمنين المتحمسين يمكن أن يفشلوا في إيمانهم في لحظات الضعف.
- نعمة الله: على الرغم من إنكار بطرس، لم يتخل عنه يسوع. بعد قيامته، ظهر يسوع لبطرس واستعاده إلى الشركة.
- التحذير والأمل: يجب أن تحذرنا نبؤة إنكار بطرس من الغطرسة الروحية وتعطينا الأمل في أن الله مستعد دائمًا أن يغفر لنا ويستعيدنا.
أهمية يوحنا 13
يوحنا 13 له أهمية كبيرة في فهمنا ليسوع المسيح وتعاليمه. إنه يكشف عن جوانب حيوية من شخصيته وعلاقته بتلاميذه. بعض الأفكار الرئيسية المستخلصة من هذا الفصل تشمل:
- لاهوت يسوع: من خلال معرفته المسبقة بالخيانة القادمة وأفعاله وسلطته المطلقة، يظهر يسوع لاهوته الإلهي.
- أهمية التواضع والخدمة: من خلال غسل أقدام تلاميذه، علم يسوع أهمية التواضع والخدمة في حياة المؤمن.
- قوة المحبة: الوصية الجديدة بأن نحب بعضنا بعضًا كما أحبنا يسوع هي دعوة إلى مستوى أعمق من المحبة يجب أن تميز أتباع يسوع.
- واقع الضعف البشري: تحذرنا نبؤة إنكار بطرس من الغطرسة الروحية وتذكرنا بأننا جميعًا عرضة للفشل.
تأثير يوحنا 13
أثر يوحنا 13 على المسيحيين على مر العصور. لقد ألهم المؤمنين:
- لخدمة الآخرين بتواضع: يُظهر غسل الأقدام أهمية الخدمة العملية.
- لإظهار المحبة الحقيقية: الوصية الجديدة تدعونا إلى محبة عميقة وغير مشروطة.
- للتحذير من الغطرسة الروحية: إنكار بطرس هو تذكير بأننا جميعًا عرضة للخطأ.
- لإيجاد الغفران والاستعادة: نعمة الله متاحة لنا جميعًا، حتى بعد الفشل.
تفسيرات لاهوتية
يوحنا 13 هو مصدر غني للتفسير اللاهوتي. يتأمل علماء الكتاب المقدس واللاهوتيون باستمرار في معناه العميق وتطبيقاته. بعض التفسيرات اللاهوتية البارزة تشمل:
- اللاهوت السرمدي للمسيح: يتم التأكيد على لاهوت المسيح وسلطته المطلقة طوال الفصل، مما يوضح دوره الفريد في الخلاص.
- أهمية عمل المسيح الكفاري: تشير الأحداث في يوحنا 13 إلى موت يسوع الوشيك على الصليب، والذي هو ذروة خطة الله الخلاصية.
- دور الروح القدس في تمكين المؤمنين: بتمكين الروح القدس، يستطيع المؤمنون أن يحبوا بعضهم بعضًا كما أحبهم المسيح.
- طبيعة الكنيسة كجماعة خادمة: تدعو الكنيسة بأكملها إلى تبني قلب الخادم وخدمة الآخرين بتواضع.
خاتمة
يوحنا 13 هو فصل مهم في الكتاب المقدس المسيحي يقدم رؤى قيمة حول حياة يسوع المسيح وتعاليمه. من خلال غسل الأقدام، والوصية الجديدة، ونبؤة الإنكار، يعلمنا يوحنا 13 عن التواضع والمحبة والخدمة، مع التأكيد أيضًا على واقع الضعف البشري وأهمية نعمة الله. يستمر هذا الفصل في إلهام المسيحيين وتحديهم في سعينا للعيش حياة تعكس محبة يسوع وتخدم الآخرين.