<![CDATA[
مقدمة
يوحنا 11 هو الفصل الحادي عشر من إنجيل يوحنا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يسجل هذا الفصل قصة إقامة لعازر من الموت، وهي معجزة عظيمة قام بها يسوع المسيح، وتعتبر من أبرز الأحداث التي سبقت دخوله الأخير إلى أورشليم وصلبه. يعتبر هذا الفصل نقطة تحول في إنجيل يوحنا، حيث يظهر يسوع بقوة وسلطان على الموت، مما يزيد من إيمان المؤمنين به، ويثير غضب قادة اليهود ويحفزهم على التخطيط لقتله.
خلفية تاريخية ودينية
تقع أحداث يوحنا 11 في بيت عنيا، وهي قرية صغيرة تبعد حوالي ميلين (ثلاثة كيلومترات) عن أورشليم. كانت بيت عنيا موطنًا لمريم ومرثا ولعازر، وهم أصدقاء مقربون ليسوع. في ذلك الوقت، كانت اليهودية تحت الحكم الروماني، وكانت هناك توترات سياسية ودينية كبيرة بين اليهود والرومان، وبين الفريسيين والصدوقيين، وهما الفئتان الدينيتان الرئيسيتان في المجتمع اليهودي. كان يسوع يعتبر تهديدًا من قبل بعض القادة الدينيين، الذين رأوا في تعاليمه ومعجزاته تحديًا لسلطتهم ونفوذهم.
مرض لعازر وطلب المساعدة
يبدأ الفصل بمرض لعازر، شقيق مريم ومرثا. ترسل الأختان رسالة إلى يسوع تخبرانه بمرض أخيهما، قائلتين: “يا سيد، هوذا الذي تحبه مريض.” (يوحنا 11: 3). كان يسوع يحب لعازر وأختيه، لكنه لم يذهب إليه على الفور. بقي يسوع في المكان الذي كان فيه لمدة يومين إضافيين. يفسر يسوع سبب تأخيره قائلاً: “هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، لكي يتمجد ابن الله به.” (يوحنا 11: 4).
رحلة يسوع إلى بيت عنيا
بعد يومين، قرر يسوع الذهاب إلى اليهودية، على الرغم من تحذيرات تلاميذه من اليهود الذين كانوا يسعون لقتله. يقول يسوع: “أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟ إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر، لأنه ينظر نور هذا العالم. ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر، لأنه ليس فيه نور.” (يوحنا 11: 9-10). يشير يسوع هنا إلى أن لديه وقتًا محددًا لإتمام عمله، وأن الله سيحميه حتى يحين الوقت المناسب.
يخبر يسوع تلاميذه بأن لعازر قد نام، وأنه سيذهب لإيقاظه. يعتقد التلاميذ أن يسوع يتحدث عن النوم الجسدي، لكن يسوع يوضح لهم أنه مات. يقول يسوع: “لعازر مات. وأنا أفرح لأجلكم أني لم أكن هناك، لتؤمنوا. ولكن لنذهب إليه.” (يوحنا 11: 14-15).
لقاء يسوع مع مرثا
عندما وصل يسوع إلى بيت عنيا، كان لعازر قد دفن منذ أربعة أيام. خرجت مرثا لاستقبال يسوع، وقالت له: “يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي. لكني الآن أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه.” (يوحنا 11: 21-22).
يجيب يسوع مرثا: “سيقوم أخوك.” (يوحنا 11: 23). تعتقد مرثا أن يسوع يتحدث عن القيامة في اليوم الأخير، فتقول: “أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير.” (يوحنا 11: 24). هنا يعلن يسوع عن هويته الحقيقية وسلطانه على الحياة والموت. يقول يسوع: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من حي ويؤمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟” (يوحنا 11: 25-26). تجيب مرثا بإيمان راسخ: “نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله، الآتي إلى العالم.” (يوحنا 11: 27).
لقاء يسوع مع مريم
بعد هذا اللقاء، عادت مرثا إلى البيت ودعت مريم سرًا، قائلة: “المعلم قد حضر وهو يدعوك.” (يوحنا 11: 28). عندما سمعت مريم هذا، قامت سريعًا وذهبت إليه. تبعها اليهود الذين كانوا يعزونها، ظانين أنها ذاهبة إلى القبر لتبكي هناك. عندما وصلت مريم إلى حيث كان يسوع، سقطت عند قدميه وقالت له: “يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي.” (يوحنا 11: 32).
عندما رأى يسوع مريم تبكي، واليهود الذين جاءوا معها يبكون، انزعج بروحه واضطرب. سألهم: “أين وضعتموه؟” (يوحنا 11: 34). قالوا له: “يا سيد، تعال وانظر.” (يوحنا 11: 34). هنا تظهر مشاعر يسوع الإنسانية العميقة، حيث بكى عندما رأى الحزن والألم اللذين سببهما الموت. “بكى يسوع.” (يوحنا 11: 35).
إقامة لعازر
وصل يسوع إلى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر. قال يسوع: “ارفعوا الحجر!” (يوحنا 11: 39). اعترضت مرثا، قائلة: “يا سيد، قد أنتن. لأنه له أربعة أيام.” (يوحنا 11: 39). يذكرها يسوع بوعده، قائلاً: “ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله؟” (يوحنا 11: 40).
رفعوا الحجر، ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: “أيها الآب، أشكرك أنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني.” (يوحنا 11: 41-42). ثم صرخ بصوت عظيم: “لعازر، هلم خارجًا!” (يوحنا 11: 43). فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. قال لهم يسوع: “حلوه ودعوه يذهب.” (يوحنا 11: 44).
كانت إقامة لعازر معجزة عظيمة أظهرت سلطان يسوع على الموت وقدرته على إعطاء الحياة. هذه المعجزة أدت إلى إيمان الكثيرين بيسوع، لكنها أيضًا زادت من غضب قادة اليهود وحفزتهم على التخطيط لقتله.
تأثير إقامة لعازر
بعد إقامة لعازر، آمن كثير من اليهود بيسوع. “فكثيرون من اليهود الذين جاءوا إلى مريم ونظروا ما فعل يسوع آمنوا به.” (يوحنا 11: 45). لكن بعضهم ذهبوا إلى الفريسيين وأخبروهم بما فعله يسوع. فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعًا وقالوا: “ماذا نصنع؟ فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به، فيأتي الرومانيون ويأخذون مكاننا وأمتنا.” (يوحنا 11: 47-48).
خلال هذا الاجتماع، تنبأ قيافا، رئيس الكهنة في ذلك العام، بأن يسوع سيموت من أجل الأمة. “ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة. وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد.” (يوحنا 11: 51-52). منذ ذلك اليوم، تآمروا ليقتلوا يسوع.
نتيجة لهذا التهديد، ابتعد يسوع عن أورشليم وذهب إلى منطقة بالقرب من البرية، إلى مدينة تسمى أفرايم، حيث مكث مع تلاميذه. “فلم يكن يسوع أيضًا يمشي بين اليهود علانية، بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرية، إلى مدينة يقال لها أفرايم، ومكث هناك مع تلاميذه.” (يوحنا 11: 54).
رمزية إقامة لعازر
تحمل قصة إقامة لعازر رمزية عميقة في اللاهوت المسيحي. فهي تشير إلى:
- سلطان يسوع على الموت: تظهر هذه المعجزة قوة يسوع الإلهية وقدرته على التغلب على الموت، وهو العدو الأخير للإنسان.
- القيامة والحياة الأبدية: ترمز إقامة لعازر إلى القيامة الروحية والجسدية للمؤمنين بيسوع المسيح. كما وعد يسوع، “من آمن بي ولو مات فسيحيا.”
- الإيمان والرجاء: تؤكد القصة على أهمية الإيمان بيسوع المسيح والثقة في قدرته على تحقيق المستحيل.
- مجد الله: كما قال يسوع، فإن مرض لعازر كان “لأجل مجد الله، لكي يتمجد ابن الله به.” تظهر هذه المعجزة مجد الله وقوته من خلال يسوع المسيح.
الأهمية اللاهوتية
يوحنا 11 يحمل أهمية لاهوتية كبيرة في المسيحية. فهو يؤكد على:
- ألوهية يسوع المسيح: إقامة لعازر هي دليل على أن يسوع ليس مجرد إنسان، بل هو الله المتجسد، الذي له سلطان على الحياة والموت.
- عمل الفداء: تتنبأ القصة بموت يسوع على الصليب من أجل فداء البشرية. وكما تنبأ قيافا، فإن موت يسوع لم يكن فقط من أجل الأمة اليهودية، بل من أجل جميع أبناء الله المتفرقين في العالم.
- وعد القيامة: تقدم إقامة لعازر رجاء القيامة والحياة الأبدية لجميع المؤمنين بيسوع المسيح.
خاتمة
يوحنا 11 هو فصل محوري في إنجيل يوحنا، حيث يسجل إقامة لعازر، وهي معجزة عظيمة تظهر سلطان يسوع على الموت وتؤكد ألوهيته. أدت هذه المعجزة إلى إيمان الكثيرين بيسوع، لكنها أيضًا حفزت قادة اليهود على التخطيط لقتله. تحمل القصة رمزية عميقة في اللاهوت المسيحي، حيث تشير إلى القيامة والحياة الأبدية والإيمان والرجاء ومجد الله. يوحنا 11 يؤكد على ألوهية يسوع المسيح وعمله الفدائي ووعد القيامة لجميع المؤمنين به.