مقدمة
متى 22 هو الفصل الثاني والعشرون من إنجيل متى في قسم العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يستمر هذا الفصل في سرد تعاليم يسوع وأعماله، ويركز بشكل خاص على الأمثال التي استخدمها لتوضيح الحقائق الروحية المتعلقة بملكوت السموات. كما يتضمن مناظرات يسوع مع الفريسيين والصدوقيين حول قضايا مثل دفع الجزية لقيصر والقيامة.
مثل عرس ابن الملك
يبدأ الفصل بمثل عرس ابن الملك، وهو مثل يوضح دعوة الله إلى ملكوته وكيف يرفضها الكثيرون. يروي يسوع قصة ملك أقام عرسًا لابنه وأرسل عبيده لدعوة المدعوين، لكنهم استهانوا بالدعوة وانصرفوا إلى شؤونهم الخاصة. غضب الملك وأرسل جنوده ليقتل هؤلاء القتلة ويحرق مدينتهم. ثم أمر الملك عبيده بالذهاب إلى مفارق الطرق ودعوة كل من يجدونهم، سواء كانوا صالحين أم أشرارًا، ليملأوا قاعة العرس. وعندما دخل الملك ليرى الجالسين، وجد رجلًا لم يكن لابسًا لباس العرس، فسأله: “يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟” فسكت الرجل. فأمر الملك الخدام بأن يربطوا يديه ورجليه ويطرحوه في الظلمة الخارجية. لأن كثيرين مدعوون، وقليلين منتخبون.
تفسير المثل: يمثل الملك الله الآب، والابن هو يسوع المسيح. العرس يمثل ملكوت السموات، والمدعوون الأوائل هم الشعب اليهودي الذين رفضوا دعوة المسيح. أما المدعوون من مفارق الطرق فهم الأمم الذين قبلوا الإنجيل. لباس العرس يرمز إلى البر الذي يناله المؤمنون بالمسيح. الرجل الذي لم يكن لابسًا لباس العرس يمثل أولئك الذين يدخلون الكنيسة ظاهريًا ولكن ليس لديهم الإيمان الحقيقي والتوبة.
سؤال عن دفع الجزية لقيصر
بعد ذلك، يحاول الفريسيون الإيقاع بيسوع بسؤال حول دفع الجزية لقيصر: “يا معلم، نعلم أنك صادق وتعلم طريق الله بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقل لنا: ماذا تظن؟ أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا؟” عرف يسوع خبثهم وقال: “لماذا تجربونني يا مراؤون؟ أروني عملة الجزية.” فقدموا له دينارًا. فقال لهم: “لمن هذه الصورة وهذا النقش؟” قالوا: “لقيصر.” فقال لهم: “فأعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.” فتعجبوا منه ومضوا وتركوه.
تفسير السؤال: كان السؤال يهدف إلى وضع يسوع في موقف صعب. فإذا قال أنه يجوز دفع الجزية، فسيخسر شعبيته بين اليهود الذين كانوا يكرهون الحكم الروماني. وإذا قال أنه لا يجوز، فسيتم اتهامه بالتحريض على العصيان ضد الإمبراطورية الرومانية. لكن يسوع أجاب بحكمة وبين أن هناك واجبات تجاه الحكومة وواجبات تجاه الله، وأنه يجب الوفاء بالواجبين كليهما.
سؤال الصدوقيين عن القيامة
ثم جاء إليه الصدوقيون، الذين يقولون ليس قيامة، وسألوه: “يا معلم، قال موسى: إن مات أحد وليس له ولد، يتزوج أخوه بامرأته ويقيم نسلًا لأخيه. فكان عندنا سبعة إخوة، فتزوج الأول ومات. وإذ لم يكن له نسل، ترك امرأته لأخيه. وكذلك الثاني والثالث إلى السابع. وآخر الكل ماتت المرأة أيضًا. ففي القيامة لمن من السبعة تكون زوجة؟ لأنها كانت للجميع.” فأجاب يسوع وقال لهم: “تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء. وأما من جهة قيامة الأموات، أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب؟ ليس هو إله أموات بل إله أحياء.” فلما سمع الجموع ذلك بهتوا من تعليمه.
تفسير السؤال: كان الصدوقيون ينكرون القيامة، وكانوا يحاولون إظهار أن فكرة القيامة سخيفة وغير منطقية. لكن يسوع أوضح أنهم يضلون لأنهم لا يفهمون الكتاب المقدس ولا قوة الله. وبين أن الحياة في القيامة ستكون مختلفة تمامًا عن الحياة على الأرض، وأن المؤمنين سيكونون كالملائكة في السماء. واستشهد بآية من سفر الخروج ليثبت أن الله هو إله أحياء وليس إله أموات، مما يعني أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما زالوا أحياء في حضرة الله.
السؤال عن الوصية العظمى
لما سمع الفريسيون أن يسوع أفحم الصدوقيين، اجتمعوا معًا. وسأله واحد منهم، وهو ناموسي، ليجربه قائلًا: “يا معلم، أية وصية هي العظمى في الناموس؟” فقال له يسوع: “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء.”
تفسير السؤال: كان الفريسيون يحاولون الإيقاع بيسوع مرة أخرى بسؤال حول الوصية العظمى في الناموس. كان لديهم الكثير من الوصايا والقواعد، وكانوا يريدون معرفة أيها الأهم. أجاب يسوع ببساطة ووضوح بأن الوصية العظمى هي أن تحب الله من كل القلب والنفس والفكر، وأن الوصية الثانية هي أن تحب قريبك كنفسك. وبين أن كل الناموس والأنبياء يتعلق بهاتين الوصيتين.
سؤال يسوع للفريسيين عن المسيح
وفيما كان الفريسيون مجتمعين، سألهم يسوع قائلًا: “ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟” قالوا له: “ابن داود.” فقال لهم: “فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. فإن كان داود يدعوه ربًا، فكيف يكون ابنه؟” فلم يقدر أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة.
تفسير السؤال: كان يسوع يحاول أن يوضح للفريسيين أن المسيح ليس مجرد ابن داود، بل هو أيضًا الرب. واستشهد بمزمور 110 الذي يقول فيه داود عن المسيح: “قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك.” إذا كان داود يدعو المسيح ربه، فهذا يعني أن المسيح هو أكبر من مجرد نسل داود. لم يتمكن الفريسيون من الإجابة على هذا السؤال لأنهم كانوا يرفضون الاعتراف بأن يسوع هو المسيح، ابن الله.
خاتمة
في هذا الفصل، يوضح يسوع من خلال الأمثال والأسئلة والأجوبة طبيعة ملكوت السموات وأهمية الإيمان الحقيقي. كما يكشف نفاق الفريسيين والصدوقيين ويظهر معرفته وحكمته الإلهية. تعلمنا هذه الأحداث أهمية الاستجابة لدعوة الله، والوفاء بواجباتنا تجاه كل من الحكومة والله، وفهم حقيقة القيامة، ومحبة الله والقريب، والاعتراف بيسوع المسيح بأنه الرب.